من أشد ما يزعجني غضب بعض أنصار الشرعية بل وإحباطهم من اختيارات السيسي وقراراته التي يراها البعض دموية – وهي كذلك – لكنها تبعث في نفوسهم اليأس والإحباط وفقدان الأمل في اقتراب النصر.
والحق أن خيارات السيسي وقراراته تنم عن ضعف لا عن قوة، فأي نظام قوي يقتل في خصومه طيلة عامين ولا يستطيع أن يستتب له الأمر أو يحسم المعركة حتى الآن؟؟
السيسي جزء من الدولة العسكرية البوليسية التي تحكم مصر منذ 200 سنة، ويفكر بذات العقلية العسكرية التي أشرنا إليها باسم “عقلية العسكر” في مقال: “أحكام الإعدام..ومشكلات السيسي الأربعة”
وأهم ما تفكر فيه العقلية العسكرية وتعتمد عليه الدولة البوليسية هو “الخوف” .. خوف عموم المواطنين من معارضة أي أمر للحاكم مهما كانت الحياة سيئة، لأن تكلفة المعارضة عالية جدا، تصل إلى الاعتقال وقد تصل إلى الموت.
وإذا ضاعت هيبة الحاكم ونظامه الأمني، ولم يعد الناس يخافون كثيرا من عصاه الغليظة التي يلوح بها في وجوههم، فقد انكسر العمود الرئيسي في خيمة الدولة، وسقطت على رأس الحاكم الذي لا يعرف ماذا يفعل!
لذا عندما خرجت الجماهير الغفيرة في 28 يناير لم تستطع الشرطة أن تفعل شيئا. بعض الضباط انسحبوا خائفين، وبعضهم فتحوا النار على المتظاهرين، وداسوهم بالمدرعات في الشوارع، لعلمهم أنهم إذا سقطوا بين يدي ضحاياهم لن يرحموهم!
وكلا الطرفين كان معتادا على خوف الناس منهم، وتجنبهم الاحتكاك بهم، وبعضهم إذا رأى شرطيا أو حتى مخبرا في شارع سلكوا شارعا آخر!
فلما رأوا الناس غير منصاعين لأوامرهم، مستعدين للتضحية بحياتهم، لإدراكهم المدى الذي أصبحت فيه هذه الحياة مهينة ذليلة، لا تبعث في النفس أي رغبة في استمرار الوضع القائم، أسقط في أيديهم ولم يعرفوا ما يتوجب عليهم فعله!
القرار الوحيد المنظم الذي اتخذته وزارة الداخلية كان إطلاق سراح المساجين من السجون، في رغبة أكيدة في جعل تكلفة خروج الناس ضدهم في الشوارع عالية. فإذا كانت حياتك ذليلة فأنت على الأقل حي ترزق، أما إذا ثُرت علينا فربما لا تكون أنت ولا أقربائك آمنا! أو بتعبير مبارك البليغ: أنا أو الفوضى!
***
والسؤال هنا حتى لا تدع قرارات السيسي تخدعك: هل كسرت هيبة السيسي خلال الفترة الماضية؟؟
أ – على المستوى العام، فقد حدث للدولة أمور كثيرة في العام الماضي لا تمت للهيبة من قريب أو من بعيد! بل على العكس، كسرت فيها هيبة الدولة، وشقتها بشروخ يصعب اندمالها مهما حاول السيسي أن يفعل.
منها مثلا:
1- حريق مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات، وهو في قلب القاهرة على مسافة قريبة جدا من منصة الجندي المجهول.
2- عمليات ضد الجيش في سيناء جعلت قيادات تعلن الحرب على الجيش وتطلبهم الأجهزة الأمنية وأعلنت مقتلهم من قبل يقتلون ويأسرون ضباطا في الجيش والشرطة ويخطفون دبابة ليتصوروا معها صور “سيلفي”.
3- تسريبات بالجملة لكل مسؤول في الدولة، من أكبر رأس لأقل رأس، بما فيهم زعيم الانقلاب ذاته، ومن قلب مكتبه، ومكتب مدير مكتبه في وزارة الدفاع ذاتها.
4- عملية قطع الكهرباء عن مدينة الإنتاج الإعلامي، قطع الكهرباء عن مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي “ماسبيرو”.
5- ضياع القمر الصناعي المصري في الفضاء بعد 4 أشهر فقط من تسلمهم إدارته من الشركة الروسية.
هذا غير سيل من التصريحات المثيرة للسخرية من الحكومة، مثل تصريح وزير الشباب أن مصر لا يوجد بها بطالة إطلاقا، أو المثيرة للغضب كتصريح المتحدث باسم وزارة التموين بأكل الكوسة الرخيصة بدلا من البامية، أو المثيرة للاشمئزاز كتصريح وزير العدل المقال أن ابن الزبال لا يمكن أن يصبح قاضيا!
ب- أما على المستوى الشخصي، فإن أحدا لا يستطيع الحديث أو حتى مجرد التفكير في هيبة السيسي! فالصورة النمطية للزعيم المنقذ الذي لا يخطئ، ومنيم أميركا من المغرب، وأسر قائد أسطولها السادس، قد تبدلت وربما تمزقت، ليحل محلها صور النكات والكوميكس التي ملأت صفحات الفكاهة والسخرية على الانترنت، ومن فئات وصفحات غير سياسية أبدا!
فصور السيسي في روسيا مثلا صارت موضع تندر أغلب الفئات والقطاعات الفاعلة، بغض النظر عن انتمائها السياسي، اللهم إلا تلك الفئة القليلة التي لو نطق السيسي كفرا صريحا لاتبعوه!
***
وعليه فإن أقصى ما يمكن أن يفعله السيسي الآن هو أن يعمل جاهدا على إعادة الهيبة له ولنظامه، وهذا لا يأتي في نظره إلا بمزيد من الإجرام وسفك الدماء!
والحقيقة أن النصائح التي قدمت إليه في التقارير الأمنية التي رفعت إليه أن يقلل من وجوده العلني لأن ذلك ليس في صالحه، وأن يبدو أن النظام ماض في طريقه، بكل شراسة وكل قوة، لترسيخ الانطباع أنه أمر واقع!
لذلك، فقد لجأ لإعطاء الرئيس مرسي ورفاقه حكما بالإعدام، ولتنفيذ أحكام إعدام بالفعل ضد سنة شباب اعتقلوا قبل وقوع الجريمة المتهمين بها، وهذا القرار نابع من محكمة عسكرية – أي أن الجيش معي ولا يزال – رغم علمه أن هذه القرارات ستسبب في ضجة ومزيد من العزلة الدولية له.
وفي هذا الإطار اختار السيسي أسوأ قاض، وأشهرهم فسادا، وأحد أبرز المدافعين عن عببد المجيد محمود نائب عام مبارك، وأحد أكثر من صرح تصريحات تثير غضب الناس وزيرا للعدل.
***
السيسي يذكرني بفيلم “شيء من الخوف” للراحل ثروت أباظة. ففي لحظة ما سقطت الهيبة من نفوس الناس عن أحد قطاعي الطرق من زملاء عتريس، والذي راودته فكرة التشبه به، فأخذ يصول ويجول وهو يقول: أنا أجمد من عتريس.. أنا أجمد من عتريس! بينما الناس حوله يضحكون ويضعون على رأسه التراب!
أما في السينما الحديثة، فهو يذكرني بالراحل أيضا علاء ولي الدين في فيلم الناظر، وهو يرتدي “بدلة” أبيه التي لا تليق به ويصيح في التلاميذ بالضبط: أنا زي بابا بالضبط.. وباب لسه عايش! أنا زي بابا بالضبط.. في الشدة شديد.. وفي القوة قوي! بينما يرد التلاميذ عليه: ده عبيط زي أبوه!