رحم الله البنا الذى قال: ” وللسابق علينا الفضل…”. أشير بهذا الاستهلال إلى خطاب إعلامى على صفحات التواصل ومواقع صحفية بشأن خلاف طارئ كثر الحديث عنه في الأيام الماضية بشأن بعض قيادات الإخوان.
وأعنى به (قيمة توقير الكبار) والعرفان لطول صبرهم وجهادهم وتضحياتهم.. فربما لولاهم ما عرف الشباب الطريق. ولا أعنى بالطبع تبرير تدخلهم فى عمل مؤسسات الجماعة وقد أرسوا دعائمها من قبل على (قاعدة الشورى)، بل أعنى فقط التزام قيم الإسلام فى الحديث عن الكبار.
وإنى لأعلم صدق دوافعهم من الغيرة على الدعوة والحرص عليها. ولكن مع تقديرى وتوقيرى لهم أثق أيضاً فى أن الجماعة – عبر آليات الشورى والانتخاب والنصح العام – قادرة على اختيار ما يناسب زمانها من قيادة، ومناهج، واستراتيجيات وأهداف وآليات عمل وغير ذلك. وفى إطار: ” لن نقيد أنفسنا بغير ما قيدنا الله به، ولن نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه ” كما قال الإمام البنا.
وما على إخواننا الكبار (الذين خرجوا من دوائر المسئولية) إلا أن يسعهم ما يسع صف الإخوان خاصة والمسلمين عامة من النصح للقيادة الجديدة وعموم الإخوان … قال رسول الله (ص): (الدين النصيحة، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم (فجعل النصح للأئمة والعامة ديناً، وقد قيل فى هذا الحديث أنه (ربع) الدين.
فليكتب من شاء – من كبار الإخوان أو صغارهم – رأيه لقيادة الإخوان وصفِّهم سراً أو جهراً.. فى مذكرات إن كانت أمورا داخلية، أو مقالات علنية فيما يتداول فى الشأن العام من حوارات، ليصل الرأي إلى صف الإخوان خاصة والناس عامة. وصف الإخوان هو من يمثل قاعدة الاختيار لقيادتها. فمن أراد أن يؤسس لقيادة واعية – ولو من وجهة نظره – فليتوجه إلى الرأى العام داخل صف الإخوان عبر وسائل الإعلام العامة أو الخاصة.
والصف الإخوانى قد شب وكبُر ووعى، وعنده القدرة على تمييز الأفكار واختيار الأصلح – أو هكذا ينبغى أن يكون- فإن كان ينقصه شيء فى علم السياسة والاجتماع والدين وإدارة الصراعات، فإكمال النقص يكون عبر تداول المعلومات وتلاقح الأفكار والحوار، في مناخ يحفز للتفكير، وبروح الأخوة التي تربى عليها، واستشعار المسئولية أمام الله، ودون وصاية من أحد. ويكفى القادة من صفهم السمع والطاعة لما تنتهى إليه الشورى، وإن خالف رأيهم. فلا تهدر طاقاتهم الفكرية، ولا يقال صف أعمى.
ومن هنا أدعو قيادة الإخوان الحالية إلى تبنى (حرية التعبير والرأى) فيما يخص الشأن العام فى وسائل الإعلام، وألا يكون طرح الأفكار(النصيحة) منتقدا من الصف والقيادة – إلا برأى آخر-…وليس لمجرد إدانة آلية نشره، وألا يصبح انتقاد أداء القيادة أو النصح لها علنا عملاً مُجرَّما، فهذا ديننا، ولو لم يكن كذلك ما بلغتنا نصيحة الحباب ابن المنذر لرسول يوحى إليه من السماء فى (بدر)، ولا بلغتنا معارضة امرأة لأمير المؤمنين عمر ابن الخطاب، فى حضرة عامة المؤمنين وربما رجال دولته.. ولا بلغنا عتاب الله لرسوله وللمؤمنين فى قرآن يتلى.
ومن هنا تأتي أهمية مراجعة الإطار التنظيمى الداخلى المعتمد للتناصح ووجوب تطوير إطار جديد للتعبير، لأنه لم يعد يصلح – في حالته هذه- لطرح الأفكار والدراسات؛ فالمذكرات لا تقرأ، وإن قرئت فمن غير متخصصين لا يستوعبونها أبعادها. وطريق توصيل المقترحات ملأى بالمعوقات وتسلسل الإدارى طويل. فربما كانت تصلح فى الجماعات صغيرة العدد، أو التى لا علاقة لها بالشأن العام وقيادة جماهير الأمة؛ أما عندما يتعلق الأمر بحجم جماعة كالإخوان المسلمين، التي أصبحت ممتدة على مستوى العالم، أما وقد آلت الأمور إلى ما آلت إليه، وأهدرت ألاف الأبحاث ودراسات التطوير للجماعة وهياكلها واستراتيجيتها وآليات عملها دون استفادة، أما والأمر كذلك فقد وجب على قيادة الإخوان إعطاء الضوء الأخضر بالعمل على فتح قنوات جديدة للتعبير.. وإعلان ذلك على جموع الإخوان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أمرين ..أولهما: أن حرية التعبير مكفولة داخل الإخوان ولها آليات منها مايصلح وما لا يصلح، ولكن مخالفات تطبيق الصالح منها أثبتت التجربة عدم جدواها. … ثانيهما: أن كثيرين من الإخوان خرجوا عن هذا الإطار، ولكن مازال البعض ينظر إلى كتاباتهم وآرائهم نظرة تأثيم.. ويضعهم تحت طائلة (النجوى) … وغالباً ما تعزف أفضل العقول فى الإخوان عن الإعلام، بسبب هذه النظرة وذلك الإطار، وعليه فإن خسارتنا كبيرة بعزلها، والراجح عندى أن أفضل ما عند الجماعة لم يكتب بعد.
وهنا أتوجه بكلامى إلى علماء الإخوان فى مختلف العلوم والمعارف أحملهم مسئولية (كتم العلم والنصيحة)، وقد أخذ الله الميثاق على نشرهما، فأين رؤاكم ومقالاتكم وأبحاثكم . إن الأحاديث الداخلية والحوارات الجانبية فى دوائر العشرات أو المئات من الناس لن تغنى عنكم من الله شيئا فى زمن السماوات المفتوحة، حيث تصل الكلمة بالصوت والصورة إلى ملايين الناس فى سويعات قليلة. فى وقت تفتقر فيه الفضائيات والمواقع الصحفية إلى من يطرح الموضوعات الحرجة بصورة (متخصصة ومتعمقة) ويضع الحلول.
كما أحمل الإعلاميين عامة، وإعلاميي الإخوان خاصة – من يملكون وسائل الاتصال بالجمهور- أن يحملوا رسائل العلماء وقادة الفكر والرأى إلى كل الناس، وإلى قيادات الإخوان خصوصا …دون حرج من ذلك .. فبصلاح مسلكهم تنصلح حال أمة.. كما أدعوهم أن يتبنوا حملة للدفاع عن حرية التعبير داخل صف الإخوان وخارجه، فالإعلام الصادق هو الذى ينقل الحقيقة من غير (فلترة)… والإعلام هو إعلام من (يسمع) وليس إعلام من (يدفع) ، لأن الحقيقة حق الناس جميعا، والبلاغ واجبكم المقدس.
وختامأ … فإن حرية التعبير وتداول الأفكار والمعلومات هى الكفيلة بإنتاج عقول قادرة على مواجهة التحديات …والوصاية – الفكرية والتنظيمية – كفيلة بانغلاق العقول وتحديد مساراتها وتقليل اختياراتها وقتل المواهب والدافعية والذاتية . ونحن نريد جيلا واعيا مبصرا يحسن قراءة واقعه، ينطلق من ثوابت الأمة ، ويستلهم تراثها ولا يحجب نفسه عن الاستفادة من تجارب الأمم وخبراتها، وعطاء الحضارات، وإدارة الصراعات. جيلا يأخذ من العلوم الحديثة ما يطور به أداءه وآلياته،.. جيلاً يأخذ من الكبار حكمتهم … ويستفيد من تجاربهم فى سياق زمنها… فقد أثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان يختارالشباب فى إدارته ويقول: (لأن الكبار حجبتهم التجربة) أى ينظرون للحاضر بعيون الماضى.
وإننى بهذا المقال أفتح باب الحوار معكم وأطلب التفاعل بمقترحات عملية.. وأن يتواصل الحوار