المرحلة الأولى من الحرب الأهلية بدأت.. أهم دلالاتها أن جميع الأطراف صارت لديه القناعة التامة أن الطرف الآخر يستحق الموت- ولاية سيناء تساعد السيسي على إشعال فتيل هذه الحرب- “داعش” تمتلك أسلحة لا تمتلكها الثورة السورية نفسها! ما يحدث قد يكون تمهيدًا لحرب ضد حماس- السيسي يريد انتهاز الفرصة وجر الإخوان لهذه الحرب- من المتوقع مزيد من إعدام القيادات للضغط على القواعد للانجرار للعنف- ما يحدث علامة ضعف وليس علامة قوة على الإطلاق!
لم يعد لدي شك أن مصر باتت على أعتاب المراحل الأولى من مراحل الحرب الأهلية.
الحرب الأهلية بدأت يا سادة في مصر، لكنها لم تبدأ طائفية (بين المسلمين والنصارى) حسبما اعتقد الكثيرون، رغم تأييد النصارى الكامل (كنيسة وقواعد) للنظام القديم أثناء الثورة، وتصويتهم أثناء الانتخابات البرلمانية والرئاسية لأحزاب الفلول، ووقوف كبيرهم خلف السيسي في مشهد الانقلاب العسكري وما بعده، وإن كان من غير المستبعد أن يكون السيسي يضع هذه المرحلة في مخططه لاحقًا!
أهم دلالات الحرب الأهلية هو أن جميع الأطراف صارت لديه القناعة التامة أن الطرف الآخر يستحق الموت عن جدارة واستحقاق؛ فأنصار الشرعية تعرضوا لأكبر عملية قتل جماعي في التاريخ، ولا أعتقد أنهم سيهدأون أو يرتاحون حتى تحدث عمليات قصاص واسعة.
ومن ناحية أخرى، فإن أتباع الانقلاب يصدقون الأذرع الإعلامية لعباس كامل الذين يرددون فقط الروايات الرسمية عن كل حادثة تقع، رغم تضاربها وضعفها. وبناءً عليه فإن الإخوان وحدهم هم المسؤولون عن اغتيال النائب العام وقتل جميع الجنود والضباط من الجيش والشرطة وجميع الانفجارات التي تحدث منذ الثورة وحتى الآن!
إلى هذا الحد، فإن حربًا أهلية لا يمكن أن تنهض على قدمين في مصر، والسيسي يدرك ذلك؛ فقيادة الإخوان ظلت متمسكة بالسلمية بشكل تام في العام الأول للانقلاب رغم عنف المذابح والاعتقالات.
لكن مع العام الثاني من الانقلاب، ومع تعمد النظام اللعب على الأوتار الحساسة في الوعي الجمعي للمصريين وعلى رأسها الدين (الذي بات ينتهك ليل نهار من رويبضة وعاهرات)، والعِرض (حدثت عمليات اغتصابات عديدة في السجون)، فقد بدأت بعض القواعد في الإخوان تخرج عن خط السلمية البحتة إلى استخدام قليل للقوة في حالات الردع والدفاع عن النفس والقصاص لمن ثبت يقينًا ارتكابه القتل أو الاغتصاب، بالإضافة إلى بعض العمليات التي تحاول إظهار فشل سيطرة السيسي على مقاليد الأمور، الأمر الذي دفع قيادات الإخوان إلى السعي الحثيث للتأكيد مجددًا على السلمية البحتة.
فشلت جميع سيناريوهات السيسي في جر الجماعة للعنف، وعسكرة الثورة لتحويلها من ثورة نبيلة إلى حرب شعواء، على غرار ما حدث في الثورة السورية. كما فشل أيضا في الدخول في أي حرب خارجية ولا سيما في ليبيا يسكت بها جميع الأصوات المعارضة له، ويثبت أركانه كحليف للغرب في المنطقة.
كان السيسي في حاجة ماسة إلى دخول عنصر ثالث يضيف به بعض الحطب على النار، وتمثل له ذلك في “داعش” التي تخترقها جميع مخابرات العالم تقريبًا. حدثت اجتماعات مع دحلان وتم تعيين سفير جديد في تل أبيب أسفرت عن هزائم مدوية للجيش المصري في سيناء.
أحداث سيناء، أمس الأربعاء، تم فيها استخدام جميع الأسلحة، وتم فيها مهاجمة نقاط الجيش بصواريخ كورنيت مضادة للدروع، ومدافع مضادة للطائرات (حيدت طائرات الأباتشي بشكل كبير عن المعركة) وهي أسلحة لا تتوفر للثورة السورية منذ أربع سنوات! ولا أعتقد أن بإمكان ولاية سيناء أن تتحصل على هذه الأسلحة دون معاونة جهات أخرى وعلى رأسها إسرائيل ودحلان.
وعليه، فإن أحداث يوم الأربعاء هي حرب حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو اللفظ الذي استخدمه إبراهيم محلب، من ناحية وبيان ولاية سيناء من ناحية أخرى (غزوة).
والغريب أن كلا الطرفين (السيسي وولاية سيناء) توعدا حركة حماس، وكأن ما يحدث بيرل هاربور جديدة لتبرير حرب قادمة يتم التمهيد لها من أي من الطرفين (السيسي أو ولاية سيناء) ضد حماس! عدو إسرائيل الأول، وإسرائيل الآن تقف في خندق واحد مع السيسي؛ حسب صرح نتنياهو.
وتكتمل أركان المؤامرة لأؤلئك المؤمنين بنظرية المؤامرة -وأنا منهم- إذا تذكرنا تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، والتي قالت في وقت سابق إن الجيش يعمل في سيناء “وفق الخطة”، فأي خطة هذه التي يجرف فيها الجيش أرض سيناء ويهجر أهلها ويكرر فيها سيناريو انفصال جنوب السودان حسبما قال السيسي نفسه! وهل لتصريح جورج إسحاق عقب هجوم الأربعاء بضرورة تدخل دولي في سيناء علاقة بهذه الخطة؟؟
المشكلة في أحداث سيناء عند أتباع السيسي أنها أتت من “ولاية سيناء”، وهو فصيل لم يتم تجييش أتباع الانقلاب للحقد عليه ولا تحميله أي مسؤولية من قبل الإعلام، منذ الثورة وأثناء حكم الرئيس مرسي وفيما بعد الانقلاب. بل إن قضاء الانقلاب وضعهم على لوائح الإرهاب في مراحل متأخرة للغاية!
الإعلام المصري تعود أن يحمل الرئيس مرسي والإخوان مسؤولية كل شيء، وليس ولاية سيناء، فكان لا بد بعد أحداث سيناء من زج جماعة الإخوان في المشهد بأي شكل، فحدثت مجزرة السادس من أكتوبر واغتيال 13 قياديًا من جماعة الإخوان المسلمين! فهذا ما تعود إعلام الانقلاب على ترديده، وهؤلاء من تعود أتباع الانقلاب أن يتهموهم، وهذه الدماء هي التي تروي ظمأهم!
أعتقد أنه ستحدث عدة مجازر أخرى بحق بعض قيادات الإخوان، للضغط على قواعدهم أكثر للانجرار إلى العنف، كما أعتقد -كما قلت في مقال سابق- أن السيسي يمهد لإعدام مرسي. وهناك هدفان في ذلك؛ محاولة اختزال مسألة الشرعية في شخص مرسي لإنهاء هذا الفصل من الصراع، فتذهب الشرعية مع ذهاب مرسي. والهدف الثاني محاولة جر الإخوان إلى الحرب الظاهرة الدائرة الآن بين السيسي وداعش.
نصيحتي للإخوان المسلمين، ألا ينجروا إلى المربع الذي يريدهم السيسي أن ينجروا إليه. استمسكوا بالسلمية، والتمسك بالسلمية يعنى ألا تبادروا إلى العنف، فعسكرة الثورة مرفوضة، والمواجهة المفتوحة مع النظام مفتوحة، وإن كان لا يستطيع أحد أن يمنع أحدًا أو يسيطر على أحد من أولياء الدم ويريد القصاص لشهيده أو لعرضه، وهذا كا اشار إليه بيان الإخوان أمس.
اثبتوا فإنكم على الحق، وما زلت أعتقد أن السيسي أضعف من ذي قبل، ما يحدث مهما كانت تفسيراته هو علامة ضعف وليس علامة قوة. وإذا كانت المرحلة الأولى من الحرب الأهلية قد بدأت، فالخبر الجيد أنها حتى الآن مرتبط وجودها بوجود السيسي في المشهد، ومن الممكن جدًا أن تزول آثارها بزواله. الخبر الجيد الآخر أن المعركة داخل جماعة الإخوان تحسم الآن بهذه الأفعال لصالح تيار الشباب الأكثر راديكالية وأكثر رغبة في مقاومة النظام وعدم القبول بحلول وسط، فلعله خيرًا، للإخوان وللثورة!