الأمل يولد من رحم الألم، مقولة جسدها الواقع الفلسطيني في غزة المحاصرة منذ سنوات، فضلًا عن تعرضها لثلاث حروب عدوانية إسرائيلية في غضون ستة أعوام، زرعت الموت في كل حارة وبيت وشارع فلسطيني.
فرغم الظروف الصعبة التي تعصف بالواقع المعيشي في غزة، إلا أن طلابًا وطالبات من الثانوية العامة حققوا تفوقًا أدخل إلى قلوبهم فرحة منقوصة بغياب الأهل والأحباب الذين قضوا في العدوان الإسرائيلي صيف العام الماضي على غزة.
وأعلنت وزارة التعليم الفلسطيني نتائج الثانوية العامة، مساء الجمعة الماضية، للعام الدراسي 2014-2015، وبلغت نسبة النجاح (61.9)%، وكانت العام الدراسي تأخر بسبب العدوان الإسرائيلي صيف العام الماضي.
الطالبة سجى العثامنة، من رفح أقصى جنوب قطاع غزة، حصدت المرتبة الأولى على مستوى فلسطين في الفرع الأدبي بمعدل 99.6%، انتصرت بذلك على الوضع الصعب الذي عايشه بعد قصف منزل العائلة في العدوان الأخير، وتشارك سجى فرحتها، ابنة عمها “سندن” التي حصدت المرتبة الأولى أيضًا قبل عام بمعدل 99.7%، لكنها لم تفرح حينها؛ إذ أعلنت النتائج خلال الحرب وكانت مشاهد الحزن وقتها فوق كل وصف لم تدع مجالًا للفرح.
لكنها اليوم تبكي دموع الفرح مع ابنة عمها التي أعادت إليها فرحتها الممزوجة الحزن والألم؛ إذ حصلت الطالبتان على نفس نسبة التفوق تقريبًا.
أما الطالبة، بسمة كوارع من خان يونس جنوب قطاع غزة، كانت وعدت والدها بالتفوق في الثانوية العامة، وقد أوفت بوعدها وحازت على معدل 96%، غير أن فرحتها كانت منقوصة بغياب والدها الذي ارتقى شهيدًا في العدوان الأخير.
وأهدت الطالبة نجاحها إلى والدها الشهيد، الذي ذهبت إلى قبره تخبره بتفوقها كما وعدته.
ويتجلى التحدي لدى الطالبة إيمان بدران، التي أصيبت وأفراد أسرتها الستة في قصف إسرائيلي استهدف منزلها في غزة، فيما ارتقى والدها شهيدًا، كانت التحقت في صفوف زميلاتها في ثاني فصل من العام الدراسي، الذي بدأ بعد انتهاء الحرب بثلاثة أسابيع، على إثر علاجها في الأردن من إصابتها الحرجة، غير أن إصابتها وتأخرها لم يحولا دون تحقيق الفوز والفلاح.
فقد حصلت ابنة الشهيد في كتائب القسام، على 93.6%، على الرغم من التشرد وعدم الاستقرار الذي خلفه الاحتلال بقصفه لبيت العائلة.
وتوضح الطالبة المتفوقة أنه “نتيجة إصابتي التي أعجزتها عن المشي جراء قصف استهدف منزلي لم أتمكن من الدوام في المدرسة ولا يوم بل ولا حصة، رغم ذلك تفوقت وتميزت”، مشيرة إلى أن استشهاد والدها وقصف بيتها لم يزدها إلا عزيمة وإرادة لتحقيق ما كان يطمح به والدها، الذي كان يوصيها بالتعلم والتفوق بالدراسة وحفظ كتاب الله”.
وأهدت الطالبة المتفوقة بدران نجاحها لشهداء الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم والدها الشهيد، وإلى والدتها في الخارج ومعلماتها اللواتي لم يدخرن جهدًا في تعليمها وتذليل العقبات أمام إصابتها ومعاناتها.
نموذج آخر، سجل تحديًا في سجل الصمود الفلسطيني في وجه المعاناة، تجسد في عقل الطالب ناصر البحيصي من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، والذي يعاني شللًا رباعيًا؛ حيث حصل على معدل 85.8% وهو على سرير الشفاء في مستشفى الأقصى في المدينة.
ويؤكد الطالب أنه لا عائق يقف أمام طموحي، لافتًا إلى أن “حلمي وهدفي في النجاح منحني الإصرار لإكمال مشروعي التعليمي الصغير”.
التفوق أيضًا كان من نصيب الطالبة عائشة النجار التي حصلت على معدل 90.4%، وهي ابنة مدينة خزاعة شرق خان يونس التي تعرضت لدمار كبير خلال العدوان الإسرائيلي، وقد تدمر منزل عائلتها بالكامل تسبب بتشريدها، وأصيب والدها فيما اعتقل جنود الاحتلال أخاها، ورغم كل ذلك كان تفوقها الذي أهدتها إلى أهلها وشهداء عائلتها التي قدمت أكثر من 40 شهيدًا وجريحًا.
ويتميز الشعب الفلسطيني بأنه شعب ولود، وأن نسبة كبيرة منه هم في فئة الشباب، إضافة إلى أن نسبة التعليم في فلسطين عالية جدًا.
ويعاني سكان غزة من سوء الخدمات العامة الأساسية وتدني جودتها مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي، ويحصل نحو 80% من سكان القطاع على شكل من أشكال الإعانة الاجتماعية ولا يزال 40% منهم يقبعون تحت خط الفقر.
وكان تقرير للبنك الدولي، مارس الماضي، قال إن حالة اقتصاد غزة هي الأسوأ في العالم مع ارتفاع البطالة إلى مستوى هو الأعلى عالميا وانكماش الإنتاج انكماشًا حادًا وإن توقعات المدى الطويل تبعث على القلق.
وقال التقرير، إن الحروب المتكررة والانقسامات والحصار المفروض على القطاع يضعه “على حافة الانهيار” وأن سكانه البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة يعانون من الفقر والعوز.
ويثبت الشعب الفلسطيني في غزة خاصة، ورغم قسوة الحياة، ومن خلال هذه النماذج الحية، أنه شعب حي، يتحدى الصعاب؛ يحث طلابه على الخطى نحو النجاح رغم العقبات في الطريق، يسجل صمودًا ونجاحًا في كل جانب، فكلهم على ثغر تمامًا كما المجاهد على ثغر الرباط والجهاد.