شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

قانون مكافحة الصحفيين!!

قانون مكافحة الصحفيين!!
تنص المادة 33 من قانون الاٍرهاب الجديد، على أنه "يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمّد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية، عن أية عمليات إرهابية، بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال

تنص المادة 33 من قانون الاٍرهاب الجديد، على أنه “يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمّد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية، عن أية عمليات إرهابية، بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن”.

لم أحاول البحث عن موقف القانون الجديد من الدستور، تحديدًا هذه المادة؛ حيث ينص الدستور على ضرورة استئذان نقابة الصحفيين قبل إصدار أي قانون يتعلق بالصحافة، بالتأكيد لم يتم استئذان النقابة، ليس لأن هذا هو ما جرت به العادة في بلادنا منذ حكم السيد عبدالفتاح السيسي، إصدار القوانين بالمخالفة للدستور، وإصدار الدستور بالمخالفة للواقع، وإصدار البيانات بالمخالفة لأبسط قواعد المنطق والعقل، ولكن لأن صياغة هذه المادة تدل إلى أنها لم تمر على “عرضحالجي” أمام محكمة، أو نقابة صحفيين، أو حتى صحفي ديسك!!

القانون سيعاقب كل من “تعمد” نشر أخبار، أحاول دون جدوى أن أفهم معنى كلمة “تعمد” هنا، هل يمكن للصحفي أن ينشر دون أن يتعمد، ينسلت منه الخبر مثلًا، يسقط كبنطلون شاب “كووول”، ليبدو من تحته “بوكسر” الخبر بألوانه الزاهية، ربما، لكن حتى هذه “الرؤية” لا تتسق مع انعدام القصد، فما الذي يعنيه المشرع؟

ربما يقصد تعمد الخطأ، ذلك لأن أمة “محمد” مرفوع عنها الخطأ والنسيان، والمشرع مؤمن طبعًا، ولا يرضيه أن يحاسب الناس بما أخطأوا، بل بما تعمدوا، هذا أقرب للتصديق، ولكن كيف ستحكم الجهات المعنية على نية الصحفي؟، هل نشر متعمدا الخطأ.. أم أخطأ متعمدًا النشر؟ ما المعيار؟ ما الفيصل؟ من يقول هذا صحفي متعمد ويستحق السجن، والضرب بالجزمة على نافوخه، وذاك ابننا ويستحق أن يظهر مع أحمد موسى، ويبتسم للكاميرا؟ ثم ما معنى أن تقول المادة إن الخبر الكاذب أو غير الحقيقي هو ذلك الذي يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية؟ كيف يتسق ذلك مع واقع يقول إن كل بيانات الجهات المعنية لا تتسق مع ما يحدث على الأرض، ماذا لو أخبرتنا الجهات المعنية مثلا أن قواتنا تتوغل في سيناء، وأننا أسقطنا 90 من طائرات العدو، واستطاع الصحفي المجتهد أن يصل إلى الحقيقة، ورأى أن من واجبه إخبار الناس بدلًا من التسبب في صدمة من شأنها أن تضيع أجيالًا بأكملها وتلقي بهم في سراديب اليأس والمرارة، والعدمية، والبؤس؟ هل يعتبر هذا الصحفي إرهابيًا خائنًا يستحق العقاب فيما تعتبر الجهات المعنية التي بثت أخبارًا كاذبة مصدرًا صادقًا ومرجعًا وحيدًا للأخبار؟!!!

إن مجرد تسمية هذه السطور بالقانون هو في حد ذاته عمل إرهابي لا ينبغي للصحفي الشريف الاستجابة له، وإلا اعتبر مؤيدًا للإرهاب، ومعاونًا عليه، كما أن التورط في نقده لا يعني من وجهة نظر جنرالات القوانين الإرهابية إلا أنه عمل مخالف للقانون، وبناءً عليه يصبح التحول من مهنة الصحفي إلى مقدم برامج مقالب رمضانية، أسهل وأكثر ربحًا، وحفاظًا على الصحة النفسية!!

نقابة الصحفيين أصدرت بيانًا معقولًا واعتبرت القانون المعيب مخالفًا للدستور، ودعت رؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والخاصة لاجتماع عاجل مع النقيب يحيى قلاش، الخميس المقبل، لتدارس الأمر..

من جانبه، ظهر رئيس الوزراء إبراهيم محلب، بصوته على راديو مصر، أمس، وحاول التهدئة، مؤكدًا أن القانون لا يخص الصحفيين، الحمد لله، إنما يخص من ينشر فقط!!

محلب قال ذلك بالحرف الواحد، ليس الصحفي إنما من ينشر، أحد زملائنا الصحفيين علق قائلًا: لعله قانون لمكافحة اللاب توب!!

كلام “محلب” مهم، وكاشف، دون سخرية، أو محاولة للتسخيف منه، بالفعل كلام “محلب” هو التفسير الوحيد المعقول لهذه المادة، ثمة نوعان من الصحفيين: المخبر الصحفي، والصحفي المخبر، الأول هو التوصيف الطبيعي، وربما الوحيد لمهنة الصحفي، مخبر لدى الناس، وظيفته إخبارهم بالحقيقة كما هي، نوع نادر، لم يعرفه نظام مبارك إلا قليلًا، وحين كان أحدهم يصدق أنه مخبر لدى الناس بالفعل، كان النظام يطلق عليه من يخبرونه هو بحقيقة الدنيا وبلاويها، ويجلسونه مكان سليمان الحلبي، بعد أن يتهموه بكل ما شهدته المحروسة منذ قتل كليبر وحتى قيام الساعة.. أما النوع الثاني، فهو المعتمد رسميا، الصحفي المخبر، ذلك الذي لا يتلقى الأخبار من الواقع، إنما من رؤسائه في الأجهزة المعنية التي تتحدث عنها المادة القانونية الجديدة، لا دور له سوى كتابتها وتصديرها للناس بوصفها الحقيقة، واسطة بين الناس وأجهزة الأمن، أو المخابرات، أو الصرف الصحي، على حسب!!

بعد ثورة يناير، اكتشف النظام العسكري في مصر صحفيين كثيرين من النوع الأول، لسان طويل، و”صياعة” ميدانية في حواري الفساد، والانتهاكات الإنسانية، والحقوقية، والقانونية، والدستورية، وما تضيق به صفحات الجرائد تتسع له المواقع الإلكترونية وصفحات السوشيال ميديا، أي أنهم في كل الأحوال واصلون!!

حين يخبرك رئيس الحكومة أن القانون لا علاقة له بالصحفيين إنما بمن ينشرون فقط، فهو يتحدث عن الصحفيين الذين يعرفهم، عن الصحفي المخبر، الصحفي وفقا لتعريف الدولة، وليس الصحفي الذي ينتهك حقوق الدولة على الصحفيين تلك التي تتجاوز حقوق الزوج على زوجته!!

لقد أصدرت الدولة المصرية قانونا لمكافحة الصحفيين من النوع الأول، هؤلاء الذين أطلقتهم الثورة على عباد الله العسكريين، وهم الذين لم يتعودوا على هذه الأصناف من البشر الذين لا يوقرون الكبير، ولا يحترمون كونه يحميهم من أن يكونوا مثل سوريا والعراق، ويستكثرون عليه بضعة ملايين من الدولارات، والامتيازات، وبعض القتلى من المدنيين بشكل يومي، لزوم الحفاظ على الأمن والأمان!!

قانون الإرهاب الجديد، هو قانون مكافحة الصحفيين غير “الأمنجية”، هؤلاء الذين تسول لهم أنفسهم أن يتنفسوا خارج الهوى العسكري، وعلى المتضرر اللجوء إلى داعش، أو التحول من المخبر الصحفي إلى الصحفي المخبر، لأننا في حالة حرب!!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023