قبيل نهاية شهر رمضان بسويعات، تداولت أنباء عن زيارة خالد مشعل للمملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة، وفي الوقت نفسه سمح لعدد من قيادات حماس في غزة بعبور معبر رفح للسفر إلى السعودية وذلك لتأدية الغرض نفسه، وكانت المفأجاة أن الزيارة ليست لغرض ديني فحسب؛ بل كان لها أيضًا هدف سياسي تمثل فيما بعد بعقد لقاء بين قيادات حماس والملك سلمان وولى العهد ووزير الدفاع، هذا اللقاء كان بمنزلة نقلة محورية في تاريخ السياسة السعودية.
من المعروف في عالم السياسة، أنه لا توجد عداوات أبدية ولا صداقات دائمة، ولكن هناك مصالح ثابتة، وانطلاقًا من هذا المبدأ عمدت المملكة إلى تكوين ظهير سني لها، من خلال حشد الحركات الإسلامية السنية الوسطية، كما أن المملكة تسعى إلى إبعاد تلك الحركات وخاصة أصحاب المقاومة منها من الدخول ضمن المشروع الإيراني الذي بات يهدد المنطقة بأسرها، خاصة بعد إتمام الاتفاق النووي، فضلًا عن تناميه في الدول العربية المجاورة للمملكة، كما تهدف المملكة إلى الحفاظ على تلك الحركات من الدخول في طور التشدد الذي لجأت إليه بعض التنظيمات كالقاعدة سابقًا وداعش حاليًا، وتحاول المملكة الآن أن تحدث دورًا إيجابيًا لها في القضية سواءً عن طريق تخفيف الحصار عن قطاع غزة إن لم يكن إنهاؤه، وإتمام المصالحة الفلسطينية بين الأطراف المختلفة.
منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، وسياسات المملكة آخذة في التغيير، فقديمًا كانت للمملكة مبادرة تسعى فيها إلى شرعنة تطبيع العرب مع العدو الصهيوني، وقد رفضته المقاومة وحماس آنذاك وظلت متمسكة بالرفض إلى يومنا هذا.
أما اليوم، فنجد العاهل السعودي يجهز مشروعًا عربيًا سنيًا لمواجهة الهلال الشيعي الذي يتمدد في كل أرجاء الوطن العربي، ولمحاربة تنظيم “داعش” الذي يريد تدمير الأوطان، وهذا المشروع أيدته حماس على لسان خالد مشعل؛ حيث دعا إلى مشروع عربي تتزعمه السعودية.
هذا المشروع لن يكتب له النجاح إلا بحشد كل الحركات السنية الوسطية، وهذا ما تسعى إليه المملكة الآن؛ فالقيادة السعودية عليها واجب يفرضه التاريخ والجغرافيا والدين يتمثل في أن تكون قاطرة الأمة لحمايتها من الأخطار التي تهددها سواءً كانت الصهيونية أو الداعشية أو الشيعية.
السياسات الواقعية التي أعلنتها المملكة واجهتها أحلام واهية في صورة اعتراضات، وقد تنوعت صور الاعتراض منها ما كان بنشر أكاذيب كما فعلت وكالة فارس الإيرانية بأن حماس اتفقت مع المملكة بإرسال مقاتلين لليمن، وهو ما نفته حماس جملة وتفصيلًا. أما “داعش” فكان اعتراضها فعليًا على أرض غزة؛ حيث قامت بإحراق سيارات لقيادات عسكرية بحركتي حماس والجهاد.
والمؤسف حقًا، ظهور أصوات عربية معترضة على تلك المقابلة؛ ففي الإمارت نشط مدير شرطتها السابق على مواقع التواصل الاجتماعي في مهاجمة المملكة على تلك المقابلة، أما القاهرة فقد أعلن أحد قيادات أقباط المهجر أن لقاء العاهل السعودي بقيادة حماس هو تحدٍ للجيش المصري، وادعت صحف مقربة من النظام المصري أن القاهرة ترفض أي تقارب للرياض مع حماس، ولكن هذا الرفض لا مجال له على أرض الواقع؛ فقد رضخت الحكومة المصرية منذ فترة وجيزة لضغط المملكة، وأوقفت حكمًا قضائيًا باعتبار حماس منظمة إرهابية.
إن المملكة العربية السعودية إذا أرادت أن تواجه الهلال الشيعي المتمدد، وتنظيم “داعش” المنتشر، فليس عليها سوى تكوين مشروع عربي سني تكون له قاعدة شعبية ثابتة، تمثل نواته الحركات الإسلامية السنية الوسطية، ولذلك فلقاء القيادة السعودية بقادة حماس هو لبنة قوية في هذا المشروع السني الجديد، وعلى المملكة أن تتبع هذا اللقاء بلقاءات مماثلة مع مختلف الحركات الإسلامية السنية الوسيطة الموجودة على الساحة العربية؛ حتى يكتب لهذا المشروع النجاح.