قال الباحث السياسي، إتش إيه هيلر، “يوجد شبه إجماع في أوساط شبكات السياسة الأميركية، داخل الحكومة وخارجها، على أن اختيار الجيش المصري إزاحة الرئيس محمد مرسي بالقوة، في صيف عام 2013، كان نهاية التجربة الديمقراطية الهشة التي بدأت في عام 2011”.
وأضاف الخبير بمركز بروكنجز الأميركي، أنه “يمكن القول إن مصر مهمة للغاية في المنطقة، من منظور تحليلي وموضوعي بحت، لكن في المقابل هناك عدد غير قليل من المخاوف الأخرى، الملحة والمثيرة للقلق؛ ذلك أن صعود “داعش” بدءًا من العام 2013 فصاعدًا، احتل الكثير من اهتمام واشنطن الذي كان يمكن تكريسه بدلا من ذلك للتعامل مع الملف المصري”.
ورأى “هيلر”، في مقاله المنشور بالإنجليزية على موقع قناة العربية، أن “تنامي الإرهاب، وتورط دول مثل العراق وسوريا وليبيا في هذا الصدد، أدى إلى تأخير القضايا الداخلية المصرية- خاصة ما يتعلق منها بالحكم- على قائمة الأولويات الأميركية”.
واستبعد الباحث حدوث تغيير جذري في مصر قريبًا، قائلًا: “لا توجد توقعات تُذكَر بأن النظام السياسي الحالي في القاهرة في مراحله الأخيرة، أو على وشك لفظ أنفاسه. ذلك أن التحالفات والترتيبات السياسية في مصر ذاتها يجعل ذلك مستبعدًا على المدى القصير”.
“أما على المدى البعيد -بحسب “هيلر”- فهناك عدد من القضايا التي ينبغي التعامل معها، سواءً كانت اقتصادية أو سياسية، وعدد قليل في واشنطن هم الذين يعتبرون أن اتجاهات السياسة في القاهرة تحرز نجاحا في معالجة تلك القضايا الملحة”.
وأردف: “لكن الأكثر إلحاحًا، هي: القضية الأمنية، التي ستهيمن غالبًا على جزء كبير من الحوار الإستراتيجي المصري-الأميركي (المقرر انعقاده يوم الثاني من أغسطس المقبل في القاهرة). وإن كانت التجربة أثبتت صعوبة النقاش حول هذا الملف”.
وذكر الخبير بمركز بروكنجز، أن “المسؤولين الأميركيين -بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من نظرائهم الأوروبيين- يدركون أن القاهرة تواجه مجموعة من التهديات الأمنية الخطيرة، المتنوعة والمنتشرة في أجزاء مختلفة داخل الدولة”.
موضحًا “ليس فقط في سيناء، التي تشهد معركة بين الدولة والجماعات الإسلامية المتطرفة التي أعلنت الولاء لداعش. لكن هناك أيضًا مجموعات عنيفة أخرى تحرص على انهيار الدولة. وقد أوضح عدد كبير من المسؤولين الغربيين المنتمين لعدد كبير من الدول أنهم يتوقعون تصاعد العنف والصراع”.
ورغم ذلك كله، يرى الباحث أن الوضع في مصر أبعد ما يكون عن الانهيار التام، لكن مع ذلك، “يعرب كبار المسؤولين من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، ومن بينهم من يتمتع بعلاقات ودية جدا مع القاهرة، بانتظام ولو سرًا، عن مخاوفهم بشأن التكتيكات والإستراتيجيات التي تتبعها القاهرة في التعامل مع التهديدات الأمنية المحلية والإقليمية”.
واستكمل قائلًا: “على نحو متزايد، يسري انطباع في أوروبا وأميركا الشمالية أن الحل الأمني في القاهرة لا يحقق النتائج المطلوبة لمصر. ويتعاطف البعض في واشنطن وأماكن أخرى مع القول القائل: دون إعادة هيكلة جوهرية للأجهزة الأمنية والقضائية المصرية، إلى جانب الإصلاحات الحكومية، لن تستطيع القاهرة معالجة العنف السياسي داخل حدودهها بصورة شاملة”.
وفي رأي “هيلر”، لا أحد يتوقع أن تشهد مصر في المدى القريب اضطرابًا جديدًا كالذي شهدته المنطقة مؤخرًا، “لكن لا ينبغي للمرء نسيان أن أفضل طريقة لبناء نظام الحكم المستدام في مصر، هي: الاعتراف بالمشكلات المزمنة في الداخل، ووضع خطة حقيقية للإصلاح من أجل معالجتها”.
وختم تحليله بالقول: “هذا سيجعل مصر أكثر مرونة في خضم الأزمات المتكاثرة التي برزت وستظهر في الشهور المقبلة. وينبغي على واشنطن أن تُذَكِّر مصر بكل ذلك خلال الحوار الإستراتيجي. لكن للأسف، يُرَجَّح أنها لن تفعل ذلك، وهذا في الواقع ليس تصرفًا إستراتيجيًا على الإطلاق”.