شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

ماذا حدث للمصريين (2)؟ الثقافة الإباحية

ماذا حدث للمصريين (2)؟ الثقافة الإباحية
تحدثنا في المقال الأول من هذه السلسلة "ماذا حدث للمصريين"، أنه لا أحد تقريبًا يتناول الطفرات الاجتماعية التي تعصف بالمجتمع المصري، وتغير وجه هذا المجتمع بشكل خطير يصعب علاجه حتى مع أي نصر سياسي منتظر!

تحدثنا في المقال الأول من هذه السلسلة “ماذا حدث للمصريين”، أنه لا أحد تقريبًا يتناول الطفرات الاجتماعية التي تعصف بالمجتمع المصري، وتغير وجه هذا المجتمع بشكل خطير يصعب علاجه حتى مع أي نصر سياسي منتظر!

قررنا أن نتناول ثلاثة أوجه فقط؛ رأيناها أثرت في طباع المصريين بشدة، في سلسلة من ثلاث مقالات تحت عنوان “ماذا حدث للمصريين”، كان الجزء الأول منها عن “الثقافة الاستهلاكية”، ونخصص هذا المقال للحديث عن “الثقافة الإباحية”.

***

خرجت علينا صحيفة “اليوم السابع”، منذ أيام، بتقرير عن العلاقات خارج نطاق الزواج في مصر، تحت عنوان “نحن في زمن الشقط”، والكلمة لغير المصريين تعني التقاط فتاة لإقامة علاقة خارج نطاق الزواج! وتحدث التقرير عن أشهر سبعة شوارع عرف عنها ذلك!

كان التقرير صادمًا؛ لأنه خرج من صحيفة علمانية وموالية للانقلاب، وليس من صحيفة تابعة للإخوان مثلًا، ولأنه يتحدث عن شعب وصف طويلًا بأنه “متدين بطبعه”!

***

1 – هل الشعب المصري “متدين بطبعه”؟

مصطلح “متدين بطبعه” بدأ يفقد بريقه لدى الكثيرين، خاصة بعد ماسورة الفضائح الجنسية التي انفجرت في وجه المصريين، وتفاجئوا بها في العامين الماضيين (خصصنا مقالًا بعنوان: “حال مصر بعد الانقلاب: بلد الألف راقصة” لرصد أشهر هذه الفضائح).

ولطالما رأيت أن مصطلح “متدين بطبعه” غير دقيق لسببين:

1- أنه مصطلح فيه تعميم، وكل تعميم غالبًا خطأ.

2- أنه لا توجد دراسة علمية موثوق فيها يمكن الركون إليها في هذا الأمر.

ومع ذلك، فأنا أميل إلى وصف الشعب المصري كغيره من الشعوب الشرقية وشعوب حوض المتوسط، أنه شعب “محافظ” Conservative والفارق بين المصطلحين كبير.

ففي مصر مثلًا، كان يمكن بسهولة حتى وقت قريب أن تجد شخصًا غير ملتزم دينيًا، قد لا يواظب على الصلاة، أو يفتح درج مكتبه في المصلحة الحكومية التي يعمل بها لتلقي رشوة، ولا يمانع من النظر إلى فتاة عارية في التلفاز أو الشارع. ومع ذلك فتجده غيورًا جدًا على نسائه، لا يقبل أن ترتدي ابنته أو أخته أو زوجته زيًا ضيقًا أو عاريًا، أو أن ترقص في فرح أو مناسبة أمام أغراب، فضلًا عن أن يكون لها علاقة مع رجل آخر! ولا شك أن هذا الوضع تغير كثيرًا الآن!

صحيح أنه حتى الأربعينيات كانت بيوت الدعارة مقننة في مصر، حتى استطاع حسن البنا إلغاءها بصفقة مع النحاس باشا، تنازل البنا بموجبها عن ترشحه للبرلمان مقابل إلغاء تقنين هذه البيوت، وصحيح أنه في فترة الستينيات كان الحجاب غير شائع، حتى خروج الإخوان من المعتقلات في السبعينيات، إلا أن أخلاق المجتمع ككل لم تكن لتسمح بوجود علاقات خارج نطاق الزواج، ومن ناحية أخرى كان ارتداء أزياء غير محتشمة واردًا أكثر في العاصمة والمدن الكبيرة، أما الأقاليم فكان الوضع محافظًا إلى حد كبير!

***

2- فيلم الحفيد.. نموذج رسم للمصريين!

لا شك أن الإعلام لعب الدور الرئيسي في تغيير ثقافة المصريين من “ثقافة محافظة” إلى “ثقافة إباحية”، وكان فيلم “الحفيد” يمثل النموذج والمثال الذي يراد أن يصل إليه المصريون، من ارتداء واسع النطاق من الفتيات للجيب القصيرة، وعلاقات في الجامعة بين الشباب والفتيات، إلى الحد الذي تذهب فيه الفتيات إلى الشباب في بيوتهم ليذاكرن معهم في غرفهم الخاصة!! من باب أن يتقابلوا أمامنا خير من أن يتقابلوا في الخارج!

أما عن قضية الغيرة على العرض، فقد هدمها الفيلم تمامًا، باصطحاب الزوج زوجته كل ليلة إلى ملهى ليلي بملابس فاضحة للرقص والسُكر، أو إلى حمام سباحة للهو والاستجمام، بمايوهات شبه عارية أمام الرجال ولا غضاضة في ذلك!

الفيلم تحدث أيضًا عن موضوع الإنجاب، وأن مشكلة مصر في الزيادة السكانية، وهي قيمة أميركية خالصة يراد تصديرها للشعوب العربية المسلمة، ولكن لهذا قصة أخرى.

***

3 – تأثير محدود للإعلام، ورغبة في هدم قيم قطاعات أوسع من المجتمع:

ورغم ذلك بقي تأثير الإعلام على القطاعات الأوسع من المصريين محدودًا، وبقي تأثيره محصورًا في طبقة ضيقة شديدة الغنى، وملتفة غالبًا حول السلطة.

وهذا الأمر الذي أشار إليه القرآن الكريم في سورة يوسف؛ حيث بين أن سوء الأخلاق لم يكن مشكلة فردية خاصة بامرأة العزيز، وإنما في كل نساء الحاشية اللاتي لا هم لهن ولا يشغل بالهن إلا الحديث في أمور الجنس: “وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا”. (يوسف)

كما أن النسوة طلبن منه نفس ما طلبته امرأة العزيز، مما يؤكد أنه داء يصيب الطبقة الحاكمة المترفة ككل، “وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن”. (يوسف)

ومن الواضح أيضًا، إشارة القرآن إلى “المدينة” التي غالبًا ما تكون أكثر انفتاحًا وتكون أقل محافظة من الريف أو البدو، الذي غالبًا ما يستتر طالب الفاحشة فيها.

***

وإذا كان الفساد والانحلال قد ضرب الفئة الحاكمة المترفة، فماذا عن بقية الشعب؟

حتى وقت قريب، كانت التلفزيونات الحكومية التي يراها غالبية الناس مقتصرة غالبًا على قناة أو اثنتين، وكانت تركز بشكل رئيسي على هدم القيم، باسم حرية المرأة، أكثر من تركيزها على عرض مشاهد إباحية، مع ضرورة أن يحتوي الفيلم على رقصة أو اثنتين وقبلة غالبًا في نهاية الفيلم، هذا غير حفلات ليالي التلفزيون التي كانت تستضيف مغنيات متبرجات.

ومع دخول الإنترنت عرف الشباب ظاهرة “الفيديو كليب” التي قد تتحرج التلفزيونات الرسمية في عرضها، ومع انتشار الكمبيوترات بدأت بعض المقاهي الإليكترونية تشتهر بتخصيص أفلاما إباحية لراغبي المتعة من المراهقين والشباب!

ومع ذلك فقد ظلت هذه أدوات ووسائل مقصورة على الراغبين في السير في هذا الطريق وهم قلة، بينما ظلت القطاعات الأوسع من المجتمع محافظة على حالها كما هي، لذا كان لا بد من وسيلة تدخل بها الثقافة الإباحية كل بيت؛ “الدش”.

***

4- الدش.. فتنة تدخل كل بيت.. وفتاوى فاسدة!

المصريون يعشقون التلفاز، والقنوات الحكومية كانت غير فعالة في نشر قيم الإباحية كما فصلنا، فكان لا بد من وسيلة ناجعة نافذة تفرض نفسها على الراغبين في الفساد وغير الراغبين! وتجسدت هذه الوسيلة في الدش!

لا يوجد بيت في مصر تقريبًا لا يوجد فيه دش، وبعد أن كان تركيز الفضائيات الحكومية على هدم القيم، بدأ الدش يركز أكثر على عرض مشاهد إباحية، تفتن الناس بحق، وترسخ قيما جديدة غريبة عن المجتمع، حتى وصل الأمر إلى علاقات شبه كاملة تعرض في بيوت المصريين جميعًا!

ومع إلقاء مزيد من الحطب في نار الفتنة، تم التضييق على كل من يحاول إطفاء هذه النار، من علماء الدين الثقات، الذين تم اعتقالهم أو تشويه صورتهم، مع إطلاق عدد من علماء السلطان، لينبحوا بعدد من الفتاوى التي تفتن الناس، مثل أن النظر للمتبرجة ليس حرامًا (علي جمعة)، وأن على الزوج إخبار زوجته قبل رجوعه إلى البيت خشية أن يكون معها أحد ليدع له فرصة للخروج كي لا تحدث مشكلة (علي جمعة أيضًا)، وأن الزوج إذا رأى زوجته تتعرض للاغتصاب عليه أن يتركها إذا كان دفاعه عنها يؤدي إلى مقتله (برهامي)، وحرمة أن يمس الرجل زوجته وعشيقها إذا ضبطهما عاريين في السرير. (برهامي)، وأن تقبيل غير الزوج للزوجة لا يعد من حالات الزنا، ولا يوجد قصاص في تلك الحالة!

وصدق رسول الله -صلى الله عليهم وسلم- إذ يقول: “أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون” رواه ابن حبان.

***

5 – انفجارات جنسية: مصر الثانية عالميًا في التحرش!

وحيث إن الحكومة عامدة متعمدة تصعب من الزواج، بارتفاع أسعار العقارات بصورة فوق طاقة الشباب على التحمل، وغرس قيم فاسدة عبر الإعلام للمغالاة في المهور وتكاليف الزواج، فقد بدأت ثمار هذه الإستراتيجية تظهر في ارتفاع معدلات التحرش في الشوارع، بدأت في البداية في المتنزهات في الأعياد، وانتهى الأمر بمصر كواحدة من أسوأ دول العالم في التحرش!

فوفقًا لتقارير منظمات الدفاع عن حقوق المرأة العالمية لعام 2015، احتلت مصر المركز الثاني في نسبة التحرش الجنسي على مستوى العالم، وبنسبة 64% من السيدات يتعرضن للتحرش والاعتداء الجنسي، كما احتلت مصر المركز الثاني في قائمة الاتجار بالنساء، وفقًا لتقرير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، وبيان الأمم المتحدة الذي أكد على تصدر مصر مرتبة متقدمة من الاتجار بالنساء!

والغريب أنهم لم يكتفوا بذلك فقط، بل نسبوا هذه الممارسات الشاذة الغريبة عن المجتمع، لا إلى الإعلام الذي شكل ضغطًا جنسيًا غير مسبوق على الشباب المقدر عددهم بالملايين، بل إلى الحجاب!

***

ختامًا: علاقة الإباحية بالاستبداد!

إن صناعة السينما الإباحية في مصر وثيقة الصلة بالاحتلال الصهيوني غير المباشر لمصر، الراغبة في تدمير الخزان البشري الذي انتفض لنجدة الأمة في أدق لحظاتها وأسوأ مصائبها!

كما أن الأنظمة الاستبدادية داعمة ومستفيدة من هذه السينما الإباحية، وأن العلاقة بينهما متبادلة، فترى معظم الفنانين الحاملين لهذه القيم الفاسدة مؤيدين للاستبداد، ويستعين النظام به ويستغل شعبيتهم، كما ترى معظم الفضائح الجنسية تأتي من شخصيات مؤيدة للنظام (الضابط فهمي بهجت، المتحدث باسم ائتلاف ضباط الشرطة “30 يونيو”- عنتيل المحلة مسؤول حملة السيسي- عنتيل حزب النور- المستشار رامي عبدالهادي نجل عضو المجلس العسكري- مدير أمن ميناء دمياط- القاضي ناجي شحاتة)… إلخ.

ومن الواضح أن الخطى مرسومة ومرتبة لإفساد هذا المجتمع، وكانت الإباحية سلاحًا رئيسيًا في ذلك، إلا أنهم في سعيهم احتاجوا لسلاح مساعد لتدمير هذا المجتمع كليًا، واستحالة أن يتم استنفاره يومًا لحرب ضد إسرائيل، وهذا السلاح هو المخدرات… ولهذا قصة أخرى!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023