لا تكتفي الدولة اللصّة بالقرصنة على أصول مملوكة للأشخاص، ولا بالسطو المسلح على السلطة، وانتزاعها بالدم من نظام منتخب. الدولة اللصة تسرق الصور الشخصية للأفراد أيضاً.
تسرقها كما تسرق الفرحة والأمان والأحلام والأموال والمشروعات القومية والأفكار.
في اليومين الماضيين، عبّر شباب مصريون عن دهشتهم وصدمتهم من رؤية صورهم الشخصية، المسروقة من صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مستخدمة في ملصقات دعائية لترويج مشروعات الجنرال عبد الفتاح السيسي وأوهامه القومية، مثل مشروع تفريعة قناة السويس وخلافه.
لم تفاجئني أو تصدمني هذه الوقاحة، بل أثار انتباهي أكثر ردود أفعال “السيسيين الجدد والقدامى”، على تعبير المسروقة صورهم عن غضبهم، إذ لم تخرج التعليقات عن “انت تطول أصلاً؟ ده شرف لكم”، إلى آخر هذه القائمة المحفوظة من نصوص تلمود شعب السيسي المختار.
إن التلفيق والكذب والسطو، هم الثالوث المقدّس للسلطة الحالية، منذ قرر أصحابها أن يكونوا السلطة. لذا، لا يجدون غضاضة في السطو على الأصول المملوكة للأفراد، ممّن لا يسبّحون بحمد الزعيم، ومصادرتها، سواء كانت شركات أو مساكن أو أرصدة في البنوك، فكيف تتوقّع منهم أن يخجلوا أو يتورّعوا عن سرقة صور الناس، بعد أن سرقوا أصواتهم؟
بدأ عبد الفتاح السيسي طريقه إلى السلطة بسرقة فكرة الانقلاب من جنرال آخر أقدم منه، وأكثر اقتراباً من الدولة العميقة، هو أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء لنظام حسني مبارك، والمرشح الخاسر أمام الدكتور محمد مرسي.
في ما بعد، استولى على شريحة معتبرة من جمهور ثورة يناير، أو يمكنك القول باعها له، بأحلامها وهتافاتها وشعاراتها، عدد من تجار الغضب وسماسرة الحراك في ما عُرفت بجبهة الإنقاذ، على أمل أن يحصلوا على قضمة معتبرة من كعكة السلطة الجديدة، فرأينا وسمعنا هتافات ميادين ثورة يناير وشعاراتها تجري على ألسنة الثورة المضادة وشاشاتها، وتدوّي في حشودها، وكانت الصورة الأوضح دلالة، والأفدح تعبيراً عن المأساة، هي التي يمتطي فيها ضباط “الداخلية” ظهور محسوبين على “أهل يناير” داخلين، غزاة، فاتحين، ميدان التحرير.
بعد ذلك، استولى عبد الفتاح السيسي على مبادرة الرئيس محمد مرسي، للخروج من مأزق الثلاثين من يونيو، والتي أعلن فيها قبوله بتشكيل حكومة ائتلافية، تضم مختلف ألوان الطيف السياسي، وتشكيل لجنة لإنفاذ التعديلات المطلوبة في الدستور، وأخرى للمصالحة الوطنية، وإشراك الشباب في الحكم، والذهاب إلى انتخابات برلمانية.
وهذه الخطوات نفسها هي التي وردت في ما سُمّيت خارطة المستقبل التي أعلنها القائد العسكري. لكن، بدون وجود رئيس الجمهورية، ومع تعطيل العمل بالدستور، والمجيء برئيس المحكمة الدستورية حاكماً للبلاد، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك كلّه جرى في مقر وزارة الدفاع، بناءً على استدعاء القائد العام للقوات المسلحة قيادات سياسية ودينية.
بمضيّ الأيام، واصل السيسي الاستيلاء على خيال المخدوعين والمغيّبين بمجموعة من الصور المنقولة بتصرّف ركيك من ألبوم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فضلاً عن المشاهد المصنوعة بحرفية شديدة في الأعمال الفنية التي تناولت حياة عبد الناصر ومسيرته، ناهيك عن استعانته بحزمة من الأكاذيب الكبيرة عن مصر “قد الدنيا”، وعن أنه “لا والله ما حكم عسكر، ولا توجد لديه أطماع في السلطة، أو نية للترشح للرئاسة”.
إن موضوع قناة السويس نفسه مسروق بكامله من نظام الرئيس محمد مرسي وحكومة الدكتور هشام قنديل، وكونهم تلاعبوا في الأسماء والعناوين والأرقام، فهذا لا ينفي أنك بصدد مشروع مسروق، من الفكرة إلى التنفيذ.
قلت سابقاً، بمناسبة تزييف وسائل إعلام السيسي موضوعات مترجمة من الصحافة الغربية، وتحريفها للإشادة به، إننا “بصدد تصنيع حالة زعامة تفتقر لمؤهلات هذه الزعامة، ومن ثم تجري عملية “تجميع زعيم” قطعة من عبد الناصر، عندما تشدّ الرحال إلى الشرق، وقطعة من أنور السادات، كلما أبحرت السفينة غرباً، وكل أجزاء مبارك، كل الوقت”.
مرة أخرى، نحن نعيش أضخم عملية “فوتوشوب سياسي”، بطلها ما يشبه الحاكم، لما تشبه دولة اسمها مصر، أو قل “رئيس كارتوني لدولة فوتوشوب”.