بداية من تصريح وزير العدل عن أبناء عمال النظاف، وليس نهاية بطلاب الأقاليم.
نعم إنها عقلية تمييزية عنصرية تتفنن في صناعة الطبقية المريضة من جديد، وتحاصر -تمييزيًا- فئات من أبناء هذا الشعب، في الوقت الذي كنا نحسب فيه أننا قد تجاوزنا فيه كل تلك الأفكار البدائية الرجعية ولو ظاهريًا.
جاء قرار السيد وزيرالتعليم العالي المصري، السيد عبدالخالق، بتطبيق ما يسمى بالتوزيع الإقليمي على الطلاب الراغبين في الالتحاق بكليتي الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، فاضحًا وكاشفًا لممارسات أضحت فجة وظاهرة بقسوة في المشهد المصري، دون أدنى خجل.
وحصْر القرار الالتحاق بتلك الكليات في طلاب القاهرة الكبرى وإقليم القناة (الإسماعيلية- السويس- بورسعيد) وسيناء.
هذه القرارات الإدارية، ترقى جزءًا من الممارسات اليومية لجريمة العنصرية، التي تأخذ أشكالًا عديدة بداية من التحريض على فئات معينة من المجتمع بكل وسائل التحريض والتنكيل، وليس نهاية بالحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية؛ كالتي حرمهم منها السيد وزير التعليم العالي بجرة قلم، ليضرب بقراره هذا كل الحقوق الأساسية ومبادئ المساواة بين المواطنين عرض الحائط.
ومثل تلك القرارات الظاهرة تعتبر نقلة نوعية في تكريس المشهد العنصري، وختمه بخاتم ملهاة الحرب التي يرسخ تحت نيرها المجتمع، خاصه بعد أن كانت تلك الممارسات تمارس في الخفاء وعلى استحياء، أصبحت الآن تمارس في الظاهر وكأنها الصح المطلق كالحقيقة المطلقة، التي لا يملكها إلا هؤلاء ممن نصبوا أنفسهم أولياء على العباد، وكأنهم بعد دخلوهم لوليمه الملك وعرس 3 يوليو قد أغلق الباب خلفهم ولا مجال لفتحه أمام العامة والدهماء من باقي فئات الشعب، وخاصة من الأقاليم البعيدة، المحرمين من جنة الميلاد بالمحروسة، فميلادهم وسكنهم بالأقاليم المحرومة من كل شيء جريمة يجب أن يتم معاقبتهم عليها طوال العمر وربما حتى بعد الموت.
وواقع الطبقية في مصر الذي تفاقم في عصور ما قبل ثورة 25 يناير هو من الأسباب الرئيسية لتفاقم الغضب الشعبي، وإحساس الناس بالتمييز السلبي والظلم والقمر من واقعهم المرير، الذي يتوشح باستبدادية وطبقية كريهة، تكرسها ممارسات السلطة ومؤسساتها التابعه وطبقة رجال الأعمال المقربين وأصحاب المصالح والمنتعين وترسم الواقع المصري لخريطه تمييزية، تتسع فيها الفجوة الطبقية، وتتلاشى أمامها أحلام البسطاء والضعفاء لواقع تتضاءل فيه فرص تحسين الأوضاع الاقتصادية والتعليمية، التي استطاع عدد ليس ببسيط من أبناء تلك الطبقة الكادحة من بقايا الطبقة الوسطى، وعبر فرصة تعليم حصلوا عليها بشق الأنفس أن يعبروا بعض تلك الجدران القاسية، وها هي الآن تتجه الإرادة السياسية لغلق تلك النافذة شبه الوحيدة أمام هؤلاء، وتوضع العراقيل الطبقية التمييزية المريضة، التى ترسم حدود مجتمع السادة والعبيد وإدارة الأبعدية من جديد.
وحتى وإن كان الهاجس الأمني أو التعليمات الأمنية هي المحرك في هذا القرار للحد من التظاهرات الطلابية، التي بحسب الجهات الأمنية يحركها ويتفاعل معها طلاب المدن الجامعية من الأقاليم وخاصة من شباب التيارات الإسلامية.
فلا يلفت نظر صناع القرار بجانب تقاريركم الأمنية تلك، أنكم فشلتم في التعامل أمنيا مع طاقات الشباب المصري المغيب عن المشهد تمامًا.
وآن الآوان أن تسمعوا أصواتهم بدلًا من تغيبهم وظلمهم والتمييز ضدهم، شباب مصر ليسوا أعداء الوطن؛ فقط حرروا عقولكم وآذانكم لتسمعوهم جيدا، فهم حاضرون في لحظة تاريخية هي الأخطر على واقع ومستقبل بلادنا.