شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

من يقود السيناريو الأسود في مصر؟

من يقود السيناريو الأسود في مصر؟
مقتل الطالبين، أنس المهدي وإسلام عطيتو، مقتل الضابط وائل طاحون، مقتل النائب العام هشام بركات، مقتل عشرات الجنود والضباط في سيناء للمرة الكم (لا أدري)، مقتل العناصر التكفيرية كما يسميها المتحدث العسكري

مقتل الطالبين، أنس المهدي وإسلام عطيتو، مقتل الضابط وائل طاحون، مقتل النائب العام هشام بركات، مقتل عشرات الجنود والضباط في سيناء للمرة الكم (لا أدري)، مقتل العناصر التكفيرية كما يسميها المتحدث العسكري، مقتل التسعة من قيادات الإخوان المسلمين، مقتل قيادي إخواني في مطاردة، والآخر الذي عثر عليه مصادفة في ثلاجة المشرحة مقتولاً جراء التعذيب، وقنص وقتل ضباط وجنود في كمائن في سيناء… وغير ذلك كثير مما نذكره في آخر شهرين، تنبهنا جميعاً لمقتل النائب العام ولكارثة سيناء ثم فاجعة مدينة 6 أكتوبر، وتناثرت مظاهر الشماتة والتشفي، ثم المظاهر المضادة لها. أليس كذلك؟ ثم الاتهامات والاتهامات المضادة على طريقة (أنت القرد.. لا أنت القرد)، وخرج علينا المنقلب المغوار يتظاهر بالغضب، لكي يزيد الطين بلة، ويخاطب القضاء المسيس، أو المسوس، بلغة العسكر مع عساكرهم، أو أسوأ، وبرسالة (شوفوا شغلكم)، قولوا: إعدام وأنا أقول: تمام.. أنت تقول وأنا أنفذ على طول. 

أهكذا هي المسألة؟ أوهذا هو السؤال الأهم والأولى اليوم؟ أهذا هو حق الدم؟ السؤال الأول اليوم هو: من القاتل؟ وكيف يقتل؟ ولماذا؟ هذا هو سؤال الحال والواقع، قبل أن يصعب طرحه في المستقبل. من قتل النائب العام؟ وكيف قُتل؟ هل هم “الإخوان” كما يردد ببغاوات الإعلام، ومن على شاكلتهم؟ فمن منهم هؤلاء “الإخوان” بالاسم؟ هل هي مجموعة أخرى غير “الإخوان” تتبنى العنف والاغتيال؟ فمن هم؟ ما قصة ضابط الصاعقة السابق الذي خرج علينا لتصبح له قصة وحكاية طويلة عريضة؟ وما قصة السائق الذي خرج من حادثة النائب العام كالشعرة من العجين؟ وما قصة الإصابة الحقيقية التي أدت إلى موته والبيانات المتضاربة؟ أم هي فرق موت وقتل تابعة لأجهزة سرية، قررت التخلص منه، لإشعال الأوضاع؟ 

من قتل؟ من القاتل؟ بل من المقتول؟ نعم، إلى هذه الدرجة، وصل الغموض والعماء: من المقتول؟ 
قد يقول بعضهم: إن المقتول معروف، وهذا ليس حقيقياً. فالجنود والضباط المقتولون في سيناء غير معروفين عدداً ولا شخصيات، والبيانات التي تتضارب حولهم في صحف قومية، وخصوصاً انقلابية، فضلا عن وكالات الأنباء العالمية، والقلق الذي شمل الانقلابيين في تحديدهم في كل حادثة، حالية أو سابقة، لا يدع مجالا للثقة في هذه البيانات. 

معركة المعرفة في مصر هي أكبر معارك الشعب التي يجب خوضها بلا تردد ولا تأخير. حق المعرفة أعظم حقوق اليوم؛ حقوق الوطن والمواطن، وحقوق الإنسان: الفرد والمجتمع، وحقوق الأحياء والذين قتلوا. من حقنا أن نعرف: من المقتول؟ ومن القاتل؟ وماذا يجري في هذه الحوادث المتتالية منذ أكثر من عامين، بل منذ 25 يناير 2011. لا يملك هذا الحق أحد، مثل القابعين في مكاتب الأجهزة الأمنية، وهم وحدهم المسؤولون عن حالة الجهل الكبرى التي تملأ جنبات الوطن، وهم لا يفعلون ذلك عجزاً ولا غفلة، بل قصداً، وهم قادرون.. فلماذا؟ 

لدى المحايدين شكوك كبرى في هذه الأجهزة وقياداتها القائمين عليها: لديهم نيات غير معروفة، ومخططات غير معروفة، وعمليات وأدوات وممارسات غير معروفة. وهم لا يخفون ذلك وحسب، بل يخفون حقائق ما يقوم به الآخرون، ويقدمون إلى النيابات والمحاكم أوراقـاً هزلية، ولا يكترثون بقتلى كثيرين هنا وهناك. من المستفيد من تغييب المعرفة، خصوصاً في ظل تضارب الروايات وتبادل الاتهامات وانقسام المجتمع على النحو المشهود؟ 

ثمة اتهامان كبيران في مصر هما الأخطران والأجدران بالبحث والتحرّي: الأول، اتهام لجماعة الإخوان المسلمين بتشكيل مجموعات تستعمل العنف من القتل والتفجير؛ هي المسؤولة عن قتلى الجيش والشرطة خارج سيناء، وعن تفجيرات كثيرة في جهات أمنية أو مدنية، وعن اقتحامات للسجون. يكمل ذلك اتهام بتعاون أو تنسيق أو تحالف مع ولاية سيناء (أنصار بيت المقدس) في سيناء، وحركة حماس من غزة؛ سواء بالتدريبات أو التسليح أو التمويل أو بالعمل المشترك. الأمر الذي لا تكف الجماعة عن إنكاره واستنكاره والدفع بأنها جماعة سلمية وخيارها الثوري سلمي، وإن رفعت سقف السلمية إلى ما دون الأرواح، أو ما تسمى الأعمال النوعية؛ من قطع طرق أو تخريب محطة كهرباء أو إحراق مبنى حكومي خال من الموظفين، لكنها تتهم قوات الأمن والجيش والبلطجية بقتل أبنائها وأنصارها في الشوارع أو البيوت أو مقار الاحتجاز أو السجون. 

لكن، من أخطر ما يوجّه لـ “الإخوان” من اتهام، وإن كان إعلاميا ودعائيا أكثر منه جدياً، أنهم يقتلون أولادهم لكي يتاجروا بدمائهم سياسيا. وهذه تعني قيام “الإخوان” بعمليات حرب قذرة، لتوريط خصومهم في دماء أنصارهم. 
الثاني، اتهام الجهات الأمنية العادية، وأخرى سرية وخاصة، تم تشكيلها خصّيصًا من الجيش والشرطة بعد الثورة، وتطويرها بعد “3 يوليو” بارتكاب جرائم القتل، ليس فقط في حق المتظاهرين في الميادين والمسيرات، وفي البيوت وفي المزارع والشقق السكنية والجامعات، فضلا عن أقسام الشرطة والسجون. ولكن، أيضًا، أن هذه الجهات تقوم بعمليات حرب قذرة، فتقتل وتفجر وتنفّذ عمليات ضد أهداف مدنية وأمنية وعسكرية، ولقتل جنود وضباط وقضاة، ومنهم النائب العام، ولكي تلصقها بالإخوان المسلمين وأنصارهم؛ ومن ثم تستكمل خطتها في القمع والتحكم من جديد، تحت مظلة (الحرب على الإرهاب). 

أخطر ما في الأمر الجزء الأخير؛ أن تصدق تكهنات محللين بأن ثمة عمليات حرب قذرة في مصر، على غرار ما عرفت الأنظمة العسكرية والبوليسية عبر التاريخ. فحكاية أن “الإخوان” يقتلون أولادهم ضعيفة ومستبعدة، أما أن الأنظمة تقتل أولادها، مع ضوضاء وأضواء عالية من ادعاء الوطنية والتهييج ضد أعداء الجيش والشرطة، فوصفة مجربة ضمن استراتيجيات صناعة العدو، وتأجيج الصراع والاستدراج نحو العنف وتصنيع الوحشية لدى مجموعات الموت التي يتم تشكيلها في مثل هذه الفترات. 

هذه هي الجزئية المخيفة في المشهد، والجديرة بالتفتيش عنها، والتأكد من مدى صحتها. فلا يستبعد أن ضباطاً قتلوا ولم تكترث الجهات الأمنية لقتلهم، لا تحقيقا ولا انتقاماً، بخلاف آخرين، أنهم قتلوا على يد هذه الجهات لأسباب غير معلومة، يتكهن بعضهم بأنها تتعلق بموقفهم من الوضع السياسي والممارسات القمعية والوحشية. ومن مراجعة سجل الضباط الكبار الذين تم اغتيالهم يمكن أن تشتم رائحة غير عادية، ومن مراجعة تفجيرات لمواقع شديدة التحصين والبيانات الصادرة بخصوصها وطريقة تعامل الإعلام الموالي للمخابرات معها، تجد الرائحة نفاذة ومستفزة. 

من قتل هؤلاء؟ هل قتلتهم مجموعات موت تم تشكيلها وتخصيصها لعمليات الحرب القذرة؟ وبتعليمات من قيادات أمنية عليا مستقرة في سدة إدارة المعركة الراهنة على من يربح الوطن؟ وهل تم بالفعل تشكيل مجموعات الوحشية في مصر لهذه الأغراض؟ وأين هي ومن عناصرها؟ ومن يقودها؟ ومن يدربها؟ ومن يسلحها؟ وما علاقتها بالخارج، وخصوصاً المتعهد التدريبي والتسليحي للجيش والشرطة في مصر (الولايات المتحدة، وضم إليها اليوم: إسرائيل)؟ وما أهم العمليات التي يمكن أن تنسب إليها؟ وهل هي التي فضّت الميادين المختلفة بمنتهى القسوة، وبلا أدنى رحمة؟ ومن يقود هذا السيناريو الأسود في مصر؟ وكيف؟ ولمصلحة من؟ 
من حقنا أن نعرف، أن نسأل، أن نبحث، أن نشكك، أن نجد إجابة صادقة شفافة شافية وافية. 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023