“إهمال طبي، ومحاكمات عسكرية، وتعذيب بالسجون، وانتهاك بدني، وحرمان من الطعام، ومنع من الزيارة، وسجن دون تهم، وتجديد حبس متواصل” كل تلك الانتهاكات القمعية وغيرها العديد أيضًا يتعرض له أكثر من 4 آلاف معتقل داخل سجون سلطات الانقلاب العسكري في مصر من أبناء محافظة دمياط.
“دمياط” تلك المحافظة التي تتعرض كغيرها من باقي محافظات مصر، إلى تضييق شديد في الحريات العامة، واعتقال عشوائي طال الآف منذ الانقلاب على الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في الثالث من يوليو 2013 وحتى اليوم.
وبحسب تقارير حقوقية، فإن شرائح المعتقلين من أبناء محافظة دمياط، ما بين أساتذة جامعات وعمداء كليات ورجال أعمال وطلاب منهم من لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره وعدد من البرلمانيين السابقين، وشيخ أزهري كفيف تم اعتقاله في يناير 2014 ووجهت له تهم قطع طريق وحيازة خرطوش وترويع المواطنين وحمل سلاح أبيض وهو كفيف يحتاج من يأخذ بيده حتى يعبر الطريق.
شبكة “رصد” حاولت في هذا التقارير لقاء عدد من أسر المعتقلين؛ للوقوف على أسباب الاعتقال، ومصير المعتقل في الوقت الراهن، وجانب من معانتهم اليومية وعرض جزء من المأساة التي يعشيشها المعتقلون داخل سجون الانقلاب، أو تلك المعاناة التي تعيشها أسرهم خارج أسوار السجون، ليجسد الأمر واقعًا مريرًا تعيشه آلاف الأسر بمحافظة دمياط..
“البيلي” محافظ ونقيب رهن الاعتقال
في البداية، أشارت أسرة الدكتور “أحمد البيلي” محافظ الغربية السابق في عهد الرئيس محمد مرسي، والطبيب الصيدلي المعروف والذي شغل منصب نقيب الصيادلة بدمياط لعدة دورات، إلى أن الدكتور البيلي خرج من الغربية عقب 30 يونيو متوجهًا إلى القاهرة ولم يرجع إلى دمياط، وظل هناك إلى أن قبض عليه بصحبة الدكتور هشام قنديل، ووجهت له تهمة التستر عليه، ولكن المفاجأة أن الدكتور قنديل حصل على البراءة وظل البيلي في الحبس.
كما كشفت أسرة البيلي، أنه تم ترحيله إلى دمياط ووجهت له تهم في قضايا كلها يفترض أن أحداثها وقعت وهو خارج المحافظة تمامًا.
وأكدت الأسرة أنهم تقدموا بعدة بلاغات تثبت أن كل الوقائع المتهم فيها الدكتور البيلي وقعت وهو خارج المحافظة، ولكن لم يستمع إليهم أحد.
والبيلي -بحسب أسرته- رجل يقترب من الخامسة والستين من العمر، ويعاني من عدة أمراض وتتعرض صحته للخطر؛ بسبب ضعف الرعاية الصحية للمعتقلين في السجون.
“سيف الإسلام” أصغر معتقل يحاكم عسكريًا
أيضًا من ضمن المعتقلين بمحافظة دمياط، الطفل سيف الإسلام أسامة محمد شوشة، والذي لم يتجاوز عمره 16 عامًا أثناء اعتقاله؛ حيث تم اعتقاله في أغسطس 2014 ويسكن خلف مسجد المظلوم بحي أول دمياط.
وبحسب والده، “فإن سيف تم اعتقاله في شهر أغسطس 2014، وكان بصحبة أصدقائه بمدينة دمياط الجديدة، بعد أن اعتدى عليه بلطجية بحجة مشاركته في مظاهرات معارضة للسلطة”.
وأوضح والده، أنه أثر الاعتداء عليه أصيب سيف بجرح قطعي في رأسه ونزيف، وتم أخذه إلى قسم شرطة دمياط الجديدة.
وأضاف والد سيف “في البداية ظننا أن النيابة بمجرد معاينتها لسيف الذي ظل ينزف طوال الليل ولم يحصل على أي رعاية طبية، حتى إنه كان يقف أمام وكيل النيابة وجرحه ينزف، كنا نظن أنه سيطلق سراحه ويتم التحقيق مع من أصابه، ولكن المفاجأة التي أذهلتنا أن وكيل النيابة لم يسأله حتى من الذى أصابك وأمر بحبسه خمسة عشر يومًا وظلت تجدد إلى أن فوجئنا أن سيف محال إلى المحكمة العسكرية في الإسماعيلية”.
وبحسب والده، “فإن سيف يعد أصغر محال للمحكمة العسكرية”، مؤكدًا “أن سيف كان من المتفوقين بالإعدادية وكان ضمن فصل الفائقين في الصف الأول الثانوي ولكنه قضى العام كله في الحبس وأدى الامتحانات الخاصة بالصف الأول الثانوي وهو قيد الاعتقال وإلى الآن لم يصدر بحقه أي أحكام، بل لا يوجد أي دليل إدانة واحد ولا أية أحراز، ولا نعلم فيما يحاكم نجلنا أمام المحكمة العسكرية وهو حتى لم يبلغ سن الحصول على البطاقة الشخصية.
القناص الكفيف
ومن أعجب حالات انتهاك الحريات في دمياط، الشيخ ربيع إبراهيم أبو عيد، هو أزهري كفيف، وكان المتحدث باسم رابطة علماء الأزهر بدمياط وأحد مؤسسيها.
وأشارت “رويدا” ابنته، إلى أن والدها اعتقل في 15 يناير 2014، وكان والدي بصحبة أحد أصدقائه ذاهبًا إلى طبيب الأسنان ليلًا حينما استوقفه كمين على طريق الخياطة مسقط رأسه وعزبة البرج، وقام أحد المخبرين في البلد بتحريض ضباط الكمين عليه فتم احتجازه.
وأضافت، “عندما علمنا هذا النبأ قلنا سرعان ما سيعرفون أنه كفيف وسيخرج، ولكن المفاجأة الكبيرة أنه تم حبسه، وقال لنا، عقب أول لقاء معه، إن النيابة وجهت له تهم قنص المتظاهرين أمام قصر الاتحادية في أحدث ديسمبر 2012، وبعد مداولة القضية حصل فيها على براءة، ولكن يوم أن كان يفترض أن يخرج تم تلفيق قضية جديدة، ووجهت لأبي تهم حيازة خرطوش وحمل سلاح أبيض وقطع طريق الشارع الحربي وترويع المواطنين والاعتداء على ضابط شرطة.
وتتابع ابنته: “كل هذه التهم وأبي رجل كفيف يحتاج من يعبر به الطريق، ولكن ضباط المركز رأوه وهو يحمل الخرطوش والسلاح الأبيض ويجري خلف المواطنين ويهدد أمنهم، وتضيف “على الرغم من كون أبي رهن الاعتقال من منتصف يناير 2014، إلا أننا فوجئنا بحصوله على حكم بالسجن خمسة عشر عامًا لنفس التهم وغيابيًا؛ لأن الأمن يبدو أنه خاف أن يراه القاضي كفيفًا فيفرج عنه”.
وتضيف “زهرة” الابنة الثانية للشيخ ربيع -في تصريحات لـ”رصد”- “أنهم لم يكتفوا باعتقال والدنا الرجل الكفيف، بل اعتقلوا شقيقي محمد، الطالب في الصف الثالث الثانوي، في شهر يوليو 2014، أي بعد اعتقال والدي بستة أشهر وما زال قيد الاعتقال هو ووالدي، وقام محمد بأداء امتحانات الصف الثالث الثانوي خلف القضبان وهو يقترب من العام في الاعتقال ولم تتم محاكمته أو صدور أية أحكام قضائية ضده حتى الآن.
الإهمال الطبي يحاصر معتقلي دمياط
وبحسب أهالي المعتقلين، فإن الاعتقال والقمع وحبس الحريات ليست فقط هي ما يتعرض له الكثير من المعتقلين بدمياط؛ حيث يتعرضون كذلك إلى إهمال طبي وضعف شديد في الرعاية الصحية وتعنت واضح في تحويل الحالات الحرجة إلى مستشفيات متخصصة لتلقي العلاج اللازم.
جمال طافح، مدرس بالثانوية العامة، أشار إلى أنه تم اعتقاله في شهر ديسمبر 2013، وظل رهن الاعتقال إلى أن أفرج عنه في شهر فبراير 2015، أي ما يقرب من العام وثلاثة أشهر قضاها طافح رهن الاعتقال.
وأضاف -في تصريحات لـ”رصد”- “أنه يعاني من ارتفاع في ضغط الدم ومرض السكري وأمراض بالقلب أجرى على إثرها سبع عمليات في القلب وتركيب دعامات، ويقول إنه تعرض لإهمال طبي وتعنت في تحويله إلى مستشفى وحجزه به لتلقي العلاج اللازم، على الرغم من حصول زوجته على موافقات المحامي العام لنيابات دمياط بعلاجه في مستشفى متخصص”.
ويقول “طافح”: “في كل مرة كان يتم ترحيلي من سجن جمصة إلى مستشفى دمياط التخصصي ليتم توقيع الكشف علي ثم إعادتي في اليوم نفسه دون حصولي على أي أدوية أو رعاية صحية حتى إنني أشرفت على الموت من شدة الألم وما أعانيه داخل السجن”.
“الفلاحجي” شهيد في الكلابشات
ولعل أبرز حالات انتهاك الحريات والصحة العامة للمواطنين في دمياط، حالة البرلماني “محمد الفلاحجي”، الذي وافته المنية في الخامس والعشرين من مايو الماضي والكلابشات الحديدية في يده بأحد أسرة مستشفى الأزهر بدمياط الجديدة؛ حيث تؤكد “أم عمار” زوجته، أن الفلاحجي اعتقل في 26 أغسطس 2013 ووجهت له عدة تهم على الرغم من اعتقاله من مقر عمله؛ حيث كان يشغل منصب مدير عام بالتربية والتعليم بدمياط.
وتقول “أم عمار”: “حصل زوجي على البراءات في كل التهم التي وجهت له وكل مرة كان يحصل على براءة ليخرج كانت توجه له تهم جديدة بقضايا جديدة، حتى إصابة المرض، وقد دخل السجن صحيحًا معافى لا يشكو من أية أمراض مزمنة، وأصيب وهو في السجن بحصى في الكلى ولم يحصل على العلاج المناسب، وتطور الأمر بسرعة مذهلة إلى فشل كبدي وفشل كلوي وتوقف الطحال وأصيب باستسقاء وتضخمت بطنه وتعنتت السلطات في علاجه في مستشفى متخصص، بحسب ما أوصى الأطباء، وقبل وفاته بأربعة أيام تم تحويله إلى مستشفى الأزهر بدمياط الجديدة، وأصر ضباط الحراسة على أن يظل القيد الحديدي في يده وهو لا يستطيع أن يتقلب على جنبه الآخر حتى فاضت روحه والقيد يحبسه في حديد سرير المستشفى”.
إخفاء قسري
أيضًا بجانب الاعتقال، والحبس دون تهم حقيقية، والإهمال الطبي، توجد حالات تم اعتقالها وإخفاؤها ولم يحصل ذووها على أية إجابات عن مكان تواجدهم أو حتى أسباب احتجازهم.
وأبرز هذه الحالات، الدكتور الجامعي محمد والي، الذي تم اعتقاله من معمل كلية العلوم بجامعة دمياط، منتصف مايو الماضي، أثناء تحضير الامتحانات العملية لطلابه، أشارت ابنته إلى أن شهود عيان قالوا لها إن رجال أمن بزي مدني اقتادوا والدها من المعمل الخاص بالكلية إلى مكان غير معلوم ومنذ أكثر من عشرين يومًا لم تستطع أسرته معرفة مكانه أو التواصل معه أو حتى الحصول على أية معلومات عن اسباب احتجازه ولماذا لم يعرض على جهات التحقيق.
وبحسب مراكز حقوقية، فإن هناك أيضًا عددًا كبيرًا ما زال قيد الإخفاء القسري؛ كان آخرها الدكتور عادل محمد أبو العينين، وهو استشاري حميات على المعاش شغل منصب وكيل مستشفى حميات دمياط، وشغل أيضًا مدير وحدة فيروسات الكبد بمستشفى حميات دمياط، بعد أن أسسها منذ عدة سنوات.
ويؤكد أحمد مفرح، مسؤول الملف المصري في منظمة الكرامة لحقوق الإنسان، أن المنظمة قامت بتوثيق عشرات الحالات من انتهاك الحريات بدمياط والاعتقالات والإخفاء القسري، ومن ضمنها اعتقال 13 فتاة من دمياط وتوجيه تهم حمل سلاح وقطع طريق وبينهن طالبات في الثانوية العامة وطالبات جامعات.