قال المهندس المعماري الفلسطيني، يحيى الإستانبولي، إن حادثة سقوط الرافعة في الحرم تذكر بإشكالية قديمة حديثة متعلقة بشكل التوسعة في مدينة مكة المكرمة.
وقال “الإستانبولي” -في منشور له على صفحته بـ”فيس بوك”-: “مع انتهاء القرن الفائت ومع مطلع القرن الحالي تمت استشارة مجموعة من معماريي العمارة الإسلامية عن فلسفة التوسعة في الحرم، وكان على رأسهم المعماري الأردني راسم بدران، الذي كان واضحًا بإشارته إلى أن قداسة المدينة تفرض على المصمم أن تكون توسعة الحرم مقتصرة على جعله ساحة كبرى في وسطها الكعبة وكفى، ولكن كان الرد حاسمًا وقتذاك: “This is too late Rasem”.
وتابع: “فكرة القداسة لها بعد نفسي دومًا، عند بدران وعند أي معماري يحترم الخصوصية الإنسانية، فالرغبة بالاحتفاظ بحيز روحاني ما عند الإنسان، ينبغي أن تدفع المصمم إلى أن يتبنى فلسفة معمارية تقف ضدًا على عمارة الرفوف؛ ففي مدينة برلين مثلًا يُمنع أن ترتفع المباني فوق الشجر”.
وأكمل “الإستانبولي”: “أذكر أيضًا أنني سجلت لبدران مقولة في الملتقى المعرفي الثاني بعمان تبرز هذه النزعة عنده؛ وهي أن “العيش في مدينة أثرية “مقدسة” تحاط بالمادة، يعطيك رغبة نسفية”..
كذلك نجد نفس الإشكالية المؤرقة عند معماري آخر، هو المصري علي عبدالرؤوف، في كتابه “من مكة إلى لاس فيجاس.. أطروحات نقدية في العمارة والقداسة”، مؤكدًا أن التغيير العمراني الضخم والأعمى والأهوج لوجه المدينة المقدس لا يماثله شيء في العالم كله إلا ذلك التغيير في عاصمة القمار “لاس فيجاس”.. وكتابه هذا يستطيع أن ينقل إليك ذلك الانطباع المؤسف بأن مكة مدينة لا تتوسع، بل تتورم”.
وأضاف “هنا يعلو تساؤل مهم؛ في هذا العالم المُنهك بالحداثة، أليست مكة تستحق أن تكون حيزًا روحانيًا وحيدًا نخلع عند عتباته من أقدامنا عدتنا التكنولوجية، وندخل إليه خاشعين أمام الله؟
من اسمها؛ بيوت الله، وليست قصور الله.. ومن اسمه؛ بيت الله الحرام، وليس مستعمرة الله الإنشائية.. فبين كل أكوام هذا الإسمنت المقدس، نجد أنه حتى أهل مكة لم يعودوا أدرى الناس بشعابها.. وبين كل هذه الأبنية الخرسانية التي تطاول السماء حول الكعبة، ألسنا نجد أننا نقف “إذا اردت أن أدفع بنقدي إلى أقصى مدى له” أمام أصنام جديدة”.
واختتم “الإستانبولي” حديثه قائلًا: “فقط ما أود قوله إن خبر سقوط رافعة على حجاج بيت الله الحرام ينبغي أن يذكرنا بألم مكة نفسها؛ كيف تتسمم المدينة المقدسة من داخلها “تحت غطاء ديني/سلطوي” وبأدوات جرّاح ماهر ولكن بعدة ملوثة، رحم الله الموتى وتقبلهم شهداء عنده، وأحسن عزاء أهليهم؛ لهم الرحمة، ولنا التفكر والعبرة”.