“فشلت جميع القيود التي تضعها الحكومة الإسلامية في إيران على لباس المرأة في حمايتها من التحرش والاعتداءات الجنسية؛ فالمرأة تعاني من التحرش حتى لو ركبت تاكسي لمسافة قصيرة”.
هذا ما كشف عنه تقرير في صحيفة “الجارديان” أعده مكتبها في طهران؛ حيث روى قصة فتاة تحدثت عن التحرش بها في شوارع طهران، حيث لاحقها المتحرش وحاول النظر إلى جسدها وقوامها، وأطلق تأوهات وكلامًا بذيئًا، وهو يمشي وراءها، فيما كانت تحاول الفتاة أن تشد “الجاكيت” حول جسدها؛ لحمايته من نظرات الرجل، الذي كان مصرًّا على ملاحقتها ودعوتها إلى بيته أو يصفها بالعاهرة.
وروت الصحيفة نقلاً عن الفتاة أنه في مرة ثانية كانت بصحبة فتيات في حي ويلنجاك الراقي شمال العاصمة طهران، وبدأت سيارة تلاحقهن، واستمرت بالملاحقة، رغم اللعنات والشتائم التي أطلقنها، أصرّ صاحبها على تحرشه ولمدة 10 دقائق، إلى أن قررن دخول مقهى، مبينة أن السيارات ليست الوسيلة الوحيدة للتحرش، فهناك الدراجات النارية والـ”سكوتر”.
ويشير التقرير إلى أن التحرش الجنسي في الأماكن العامة في إيران يعد واقعًا يوميًا، وفي البداية شعرت كاتبة التقرير بأن ملامحها الأجنبية واختيارها لنوع اللباس الملون جعلها هدفًا لعيون الشبان، ولكنها عندما اشتكت إلى صديقاتها، وجدت أنها حقيقة واقعة للشابات الإيرانيات من طبقات المجتمع كلها، وبأي طريقة ارتدين فيها ملابسهن.
وتنقل الصحيفة عن فتاة غير إيرانية واسمها سحر وعمرها 26 عامًا، قولها: “نشأت في بلد مسلم يفرض فيه الحجاب، وقيل لي إن الحجاب هو من أجل حماية المرأة من نظرات الرجل الشهوانية؛ لأن أجسادنا عورة وقد تنشر الفتنة بين الرجال”، وتضيف: “عندما وصلت إلى إيران، حيث الحجاب إجباري، تعرضت للتحرش في الشوارع، ولم أنج من نظرات الرجال الحادة، الذين حاولوا الحديث معي وإطلاق الكلام البذيء، ما أشعرني أنني عارية ولا قيمة لي”.
ويلفت التقرير إلى أن قيام سحر بتغيير طريقة ارتداء ملابسها لم يغير الموقف، وتقول: “اعتقدت أن ارتداء الشادور سيحل المشكلة، ولكنني شاهدت في ذات يوم امرأة أخرى تلبس الشادور، وتعرضت للتحرش، واكتشفت أنه مهما لبست فسيظل الرجال يلاحقونني؛ لأنني امرأة”.
وتورد الصحيفة أن عائشة 23 عامًا، وهي طالبة تدرس الكيمياء، تقول: “يفصل الأولاد عن البنات في المدارس الابتدائية حتى الثانوية، وليست لديهم الفرصة للتواصل، وعندما تتاح لهم الفرصة فإنهم لا يستطيعون الحديث مع البنات، فكل حديث معهم يلمح إلى الجنس”، وتساءلت عما يدور في عقول الرجال: هل هي متعة اللعبة، أم توقعات بالحصول على لقاء مع الفتاة التي يلاحقونها؟.
وتقول عائشة للصحيفة: “أتذكر عندما كنت صغيرة كان الأولاد يلاحقوننا من أجل لقاء البنات”، وتتابع قائلة: “لأننا نعيش في مجتمع لا يعطي مساحة للرجل والمرأة للقاء والتواصل بحرية، فوجد الشباب في الشوارع الحل، وفي البداية أعجبت الفتيات بالموضوع، وشعرن أن حديث الرجل بهن هو تعبير عن إعجاب، وبعدها أصبحت مشكلة خاصة، بعد أن أصبح الأولاد والرجال يعبرون عن مشاعرهم الجنسية بصراحة، وهو ما جعلنا نشعر بالخوف، ولم يكن هناك مجال للهروب”.
وتواصل عائشة بأن هذا هو ما سمعته من الرجال، ففي غياب الحانات والنوادي أو أي مكان للقاءات، أصبحت الشوارع والمتنزهات والأماكن العامة هي الأماكن التي يستخدمها الرجال للتغزل بالفتيات، بحسب الصحيفة.
ويذكر التقرير أن هدف الرجال هو أكثر من التغزل؛ حيث تتحول الشوارع والأماكن العامة إلى ساحة كبيرة يتصيد فيها الرجال النساء، ما يجعل تجربة المشي في الشوارع مخيفة.
وتنقل الصحيفة عن سحر قولها: “أشعر أنني محرومة من أفضل الأشياء لي وأنا في إيران، وهي التمشي وحيدة”، وتضيف: “في كل يوم أغادر فيه البيت أتمنى شيئًا واحدًا، وهو أن أترك لشأني، ولهذا السبب بدأت أستخدم السيارات العامة، مع أن الرحلة لا تستغرق خمس دقائق، وذلك تجنبًا للتحرش”.
ويفيد التقرير بأن الرجال في إيران يتعاملون مع أي امرأة تجلس وحدها في المتنزه على أنها تدعوهم إلى الحديث معها.
وتقول طالبة فرنسية جاءت إلى إيران قبل مدة وتدعى لوسيل: “ذات مرة، كنت أجلس أتنعم بالهدوء تحت ظل شجرة في المتنزه؛ فجاء رجل وطلب الجلوس معي، وشعر بالدهشة لاستجابتي لأنه سأل واعتقدت أنه كان صادقًا في نيته، وأنه لا يريدني أن أكون وحيدة في هذا المكان، وكنت مخطئة في اعتقادي، وعندما جلس بدأ يمطرني بآلاف الأسئلة، وطلب رقم هاتفي عندما قلت له إني أريد أن أترك وحيدة لم يستمع. وفي النهاية وقفت وتركت المكان”.
وينوه التقرير إلى أن تصيد النساء يحصل كل يوم وفي العلن، وبدعم تكتيكي من الجميع، بما فيهم السلطات، التي من واجبها حماية المرأة، وهو ما يترك شعورًا بالعجز والحصار لدى المرأة، وتقول لوسيل: “إنه يعطيك شعورًا بالعجز؛ لأنك لا تستطيعين عمل شيء تجاه التحرش، خاصة أن لا شيء جسديًا يحصل”.
وتبين الصحيفة أنه في الوقت الذي تذهب فيه السلطات بعيدًا لفرض القيود على المرأة، وتعتقل من يرتدين “الحجاب بطريقة سيئة”، يترك المتحرشون وهم يلاحقون المرأة ويطلقون الكلام البذيء.
ويؤكد التقرير أنه لا توجد طريقة لحماية المرأة نفسها من تحرش الرجال إلا بمرافقة رجل آخر لها، وكما تقول عائشة: “الرجل على ما يبدو هو السلاح لحمايتك، فهو أداة ردع، ومن يحاول التحرش يعتقد أن الرجل الذي يرافقك يملكك، صديق أو حتى جار، وعندها لن يتعرض أحد لك”.
وتذكر الصحيفة أنه عندما كان يمشي مع معدة التقرير رجل لم يكن أحد يهتم بها، وتقول سحر: “من المحظور على المرأة السير دون رجل يحميها. ومن تسير وحدها فكأنما تبحث عن الرذيلة”.
ويتساءل التقرير: ماذا يقول الرجال بخصوص هذا الأمر؟ تقول لوسيل: إن الرجال ينتظرون في الشوارع، وهم لا يعرفون آثار ما يقومون به، فهم لا يعرفون أن ملاحقة المرأة والتكلم معها ومحاولة لمسها تعد “تحرشًا جنسيًا”.
وتختم “الجارديان” تقريرها بالإشارة إلى أنه عندما تتحدث مع رجال تعرفهم فإنك تواجه بعدد من الردود: الشعور بالخجل أو التبرير والاعتراف بالذنب.. مشيرة إلى أنه في الوقت ذاته تفضل المرأة الصمت، فمن المحرم عليها الشكوى، وتقول عائشة: “عادة لا نناقش التحرش حتى مع أقرب صديقاتنا”.