على مقياس عبد الفتاح السيسي، فإن 717 خطراً على العالم تم التخلص منهم دهساً بالأقدام في منطقة الجمرات بالمشاعر المقدسة.
لماذا نغضب، إذن، من الصحافية المجرية، حين ركلت اللاجئ السوري وطفلته، وطرحتهما أرضاً؟
فعلها عبد الفتاح السيسي قبلها، وركل ملياراً وستمائة مليون مسلم، بنظريته المفرطة في جهلها، أو على أقل تقدير، حرّض على ركلهم، حين تحدث، قبل عام تقريباً، عن خطر المسلمين، وخصوصاً المهاجرين منهم، على العالم.
لماذا نغضب من اليمين الإسباني، حين يعلن: لا نفضل اللاجئين المسلمين؟ ولماذا نعتب على صربيا أو اليونان، أو قبرص، أو أي دولة أوروبية تعلق لافتة: أهلاً باللاجئ السوري، إذا لم يكن مسلماً.
هؤلاء ينفذون حرفياً وصايا عبد الفتاح السيسي التي أطلقها في خطبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حين تحدث عن خطورة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم على العالم، بسبب حملهم الفكر الإسلامي الذي “يدفع بالأمة كلها لتكون مصدراً للقلق والقتل والخطر والتدمير في الدنيا كلها، هؤلاء قادمون من بيئة تحمل فكراً يجعلها تعادي الدنيا كلها. يعني الواحد وستة من عشرة مليار هيقتلوا الدنيا كلها اللي فيها سبعة مليار عشان يعيشوا هم”.
تلك كانت، وما زالت، رسالة القائم على بستان الدم في مصر لأوروبا والعالم كله، فلا داعي، إذن، للشكوى من معاملة سيئة للمهجرين قسراً إلى القارة العجوز من الشعب السوري، ولا مجال للاحتجاج أو الاعتراض على بعض الممارسات العنصرية من أحزاب وأشخاص، مبعثها الخوف والقلق من أولئك الغزاة الهمجيين الذين أتوا من بيئة معادية للدنيا كلها، كما وصفهم رئيس أكبر دولة عربية إسلامية، الدولة التي يوجد على أرضها الأزهر الشريف.
يعرف عبد الفتاح السيسي أن كل مهاجر عربي ينجح في العبور إلى أوروبا، هرباً من جحيم الانقلابات والأنظمة الفاشية، يشكل خطراً على كل ديكتاتور فرّ منه. لذا، قرّر مبكراً زراعة الطريق إلى الشمال بالألغام والفخاخ، فيعلق في رقبة كل راحل شهادة تقول “قادم إليكم مشروع إرهابي محتمل”، وقبل ذلك، يشن أوسع حملة في الداخل لتسييد مفهومه الخاص للدين وللعقيدة وللفكر، أو قل إنه قام بما يمكن أن تطلق عليه “عسكرة الدين الإسلامي”، من خلال تطويع النصوص والأفكار، وحتى الشخصيات الدعوية، للتبشير بالمذهب السيسي الجديد.
ويوماً بعد يوم، تتبدى مظاهر عسكرة الخطاب الديني، لكن أوضحها كانت صباح عيد الأضحى، حيث يصلي المشير في مسجد المشير، تحت حراسة عسكرية، لا شرطية، وكسراً للبروتوكول تجد رئيس أركانه وصهره مقدماً على رئيس الوزراء والوزراء، بمن فيهم وزير الداخلية، ثم يبلغ العبث مداه، بأن يتراجع الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، ومفتي الجمهورية، لكي يتقدم المستشار الديني للرئيس العسكري، خطيباً وإماماً لصلاة العيد، في سابقة غير معهودة في تاريخ الجنرالات الذين تعاقبوا على حكم مصر منذ يوليو/ تموز 1952.
لقد أدرك عبد الفتاح السيسي، وكذلك بشار الأسد، ما هو المطلوب، لكي تضطر أوروبا إلى رفع قيمها المعلنة، ومبادئها المدونة في دساتيرها وأدبياتها، من الخدمة مؤقتاً، إذ يتفق كلاهما على أن شعبيهما مجموعة من الفاشلين حضارياً الذين يوفرون البيئة الحاضنة للإرهاب، في بلادهم، أعلنها كلاهما في غير مناسبة، وألحا عليها كثيراً، حتى صدرا للعالم تلك الصورة الشائهة عن الثورات والربيع العربي، وقدّما أوراق اعتمادهما خادمين مطيعين في مشروع الحرب على الإرهاب.
أيضاً، أدرك ثنائي الدم والقمع أنه لا بقاء على سدة الحكم لمن لا ترضى عنه “إسرائيل”، فقدم السيسي كل المطلوب منه إسرائيلياً، كما تحدده واشنطن، وخضع “بياع الممانعة” السوري لتصور الدور الإسرائيلي في الحرب على الإرهاب، كما تريده موسكو.
وعلى ضوء هذه المعطيات، لا مفاجأة على الإطلاق في أن يعلن النظام المصري حرب المياه على الفلسطينيين، في اللحظة الذي يعلن فيها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن ثلاثة عشر ألف سائح إسرائيلي، إضافي، قفزوا بمعدلات الوجود الإسرائيلي في سيناء من 72 ألفاً، إلى 85 ألف سائح، بفضل الضربات الساحقة التي وجهها عبد الفتاح السيسي للشعب المصري الشرير الذي تجري، الآن، عملية تهجيره من سيناء.