اليوم يبدأ العام الدراسي الجديد، مُحمَّلًا بكل فساد المنظومة التعليمية في مصر، دون أي تحرك من الدولة ضد محاربة هذا الفساد، أي أننا نستعد لعام جديد من الفساد التعليمي ومشكلات لم تحل؛ حيث مشكلات التصحيح والرشاوى والواسطة، خاصةً بالنسبة للمرحلة الثانوية التي لا نستطيع التغاضي عن فسادها أو تجاهل الوزارة للاحتجاجات والتحركات الطلابية وبكل وقاحة مع ضحاياها، مثل مريم ملاك وغيرها ممن ظُلموا على حساب حياتهم ومستقبلهم.
كان الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم الجديد، قد صرَّح أن الوزارة استقرت بشكل نهائي على تطبيق الـ10 درجات للسلوك والحضور، وأن بعض القرارات الأخيرة للوزارة ستُراجع وسيتم إقرار البعض الآخر، قائلًا: “أنا مش جاي أبدأ من أول وجديد”. كما شدد على ضرورة تكاتف الجميع من أجل النهوض بالعملية التعليمية قائلًا: “هي قضية مجتمع بأكمله وليس وزارة أو وزير”.
بالفعل هي قضية مجتمع بأكمله، فسادكم وإهمالكم وظلمكم هي قضية المجتمع بأسره وأجيال كاملة يُبطش بها لأجل مصالح سيادتكم ودولتكم وأبنائكم. أنتم تتحدثون عن طبقتكم ومنظومتكم التي تريدون النهوض بها وتقومون بكل ما هو ضروري للحفاظ على الفارق بينكم وبين الشعب من قرارات تخدم مصالحكم وليس مصالح الشعب، من استثناء في التوزيع الجغرافي للجامعات لأبناء الضباط والقضاة والمستشارين، وقرارات تعليمية تضع ضغوطات على عامة الطلاب ولكنها لا تمثل مشكلة أو حاجز بالنسبة لأبناء الكبار والمسؤولين.
المرحلة الثانوية في مصر هي المحدد الرئيسي لمستقبل الطلاب الجامعي، وإجبار الطلاب على الحضور في المدارس ما هو إلا وضع ضغوطات أكثر عليهم. أغلب طلاب الثانوية في مصر يعتمدون بشكل أساسي على الدروس الخصوصية أو على مجهوداتهم الشخصية، والغالبية العظمى من معلمي المرحلة الثانوية في المدارس غير مؤهلين بالشكل الكافي لتدريس مناهج الثانوية العامة الثقيلة، وليس لديهم القدرة الكافية على توصيل المعلومات الدراسية لعدد كبير من الطلاب مما يضع عبئًا على كاهل الطلبة والمدرسين أيضًا.
الطالب بين الحضور الإجباري في المدرسة واستقبال كم كبير من المعلومات من مدرس غير مؤهل بالشكل الكافي لتدريس هذا الكم، ثم الذهاب لدروسه الخصوصية، ثم مذاكرته الشخصية، تقتصر حياته على الحياه الدراسية فقط ولا وقت لدى بعضهم ممن يعمل ليساعد أسرته ونفسه أو الطلاب الموهوبين والمبدعين لإظهار تلك الإبداعات. وإذا كان الأمر صعبًا لطلاب الشعبة الأدبية، فالأمر ربما يكون أكثر صعوبة لطلاب الشعبتين العلمية والرياضية، لأن مناهجهم أصعب بكثير وتحتاج تركيزًا واستيعابًا لن يحظوا به بعد إنهاك اليوم الدراسي، والمعلم بين ضغوطات اليوم من تدريس لعدة مراحل عمرية بأعداد كبيرة في اليوم الواحد ومجموعات التقوية المدرسية أو الذهاب لإعطاء دروس خصوصية لتلبية احتياجاته واحتياجات أسرته. ومن المعلمين من يعمل في وظائف أخرى لتلبية متطلبات الحياة اليومية التي تزداد غلاءً يومًا بعد يوم، والمرتبات الحكومية لا تكفي أن تضع الطعام على طاولة الأسرة العادية كل يوم، فيأتي المعلم يوميًا إلى المدرسة كل صباح مُحمَّلًا بكم كبير من الضغط والإرهاق والتوتر مطالبًا بالتدريس، والطالب أيضًا مُحمَّلًا بضغط الدراسة والمذاكرة وواجبات المدرسة والدروس الخصوصية معًا.
في النهاية يصبح الطالب منعزلًا عن أي نوع من الحياه الشخصية أو الاجتماعية أو الإبداع بكل أشكاله أو هواياته الشخصية، ويصير المعلم في ضغوط أكبر بمراحل لتلبية حد الكفاية لنفسه وأولاده الذين هم أيضًا في نفس المنظومة التعليمية بفسادها وضغوطاتها ومصاريفها التي تقسم ظهر أي إنسان يريد أن يوفر تعليمًا جيدًا مستقبلًا لأولاده.
هذا بالضبط ما تريده الدولة؛ أن تعزل الشباب عن أي شكل إنساني يسمح لهم في التفكير في مشكلات المجتمع أو إيجاد مجرد الوقت للاستماع لأفكار أخرى غير الأفكار السائدة التي تضخها تلك الدولة في أجهزتها الإعلامية أو في المدارس، ولا وجود لأي شكل من الإبداع خارج نطاق الدولة، لكي تصدر أجيالاً من المسوخ الذين يفكرون كما تفكر الدولة ويعملون داخل نطاقها فقط.
ومن الناحية الأخرى، دفن العاملين، سواءً داخل المنظومة التعليمية أو خارجها، تحت كم رهيب من الضغوطات اليومية لتوفير لقمة العيش والحياه المستقرة لنفسه أو أسرته، فلا فرصة لديهم للاعتراض بأي شكل على أي فساد أو إهمال، بل تجبرهم أيضًا على أن يصبح جزءًا في تلك المنظومة الفاسدة، فلا يعيش الشرفاء كثيرًا وسط هذه المنظومة الفاسدة، إما أن تصبح فاسدًا ناجيًا داخلها، أو أن تصبح شريفًا عاطلًا مقهورًا مشوهًا من كل من فيها.