معادلة عبد الفتاح السيسي بوضوح هي: كلما أردت الاقتراب من إسرائيل، عليك الابتعاد عن “الإخوان المسلمين”، وبالتالي، فإن إقصاء “الإخوان” يساوي إدماج إسرائيل.
هذا هو مضمون الرسالة التي يوجهها الجنرال، من نيويورك، ومفهوم “الإخوان” هنا يتعدى الدائرة المصرية الضيقة، ويمتد ليشمل كل أشكال العداء للاحتلال الإسرائيلي. ومن هنا، تأتي الصدمة من تلك المصادفة العجيبة التي يندلع فيها هذا الكلام، داخليًا، طلبًا لإبعاد “الإخوان” وإقصائهم من المشهد، مع انتعاش الجهر بضرورة إدخال إسرائيل إلى كل عاصمة عربية، والذي يجسد فحوى عرض السيسي بأهمية توسيع السلام المصري/ الإسرائيلي ليستوعب جميع الدول العربية.
وعلى ذلك، يصبح المعروض عليك، بكل صراحة ووقاحة، أن تكون مع توسيع علاقات التصالح مع الصهاينة، وتضييق مساحات التعايش مع “الإخوان” الذين يجري إحلالهم، تبعًا لهذه الكيمياء، في خانة العدو الاستراتيجي للمشروع السيسي، في مقابل نقل إسرائيل إلى خانة الحليف، أو الصديق على الأقل.
لا يوجد شيء مدهش في كيمياء الوقاحة هذه، فليست المرة الأولى التي يعبر فيها عبد الفتاح السيسي عن وفائه لهذا التصور، بل تأتي الدهشة الحقيقية من صمت القبور الذي خيّم على قصور الحكم في العواصم العربية، إذ لم تصدر ردود أفعال رسمية على دعوة السيسي إلى الذهاب، بشكل جماعي، إلى شواطئ العري السياسي.
لم نسمع أن من يسمون “سكان كوكب الممانعة” رفضوا، أو تحفظوا، أو فتحوا صنابير الاتهام بالتفريط والخيانة والعمالة، كما كان يحدث مع عروض أخفّ كارثية، وأقل وقاحة، ولم نر وسائل إعلام الممانعين تزأر بالهتاف ضد العدو، ومن والاه، لا دمشق زمجرت، ولا حارة حريك اهتزّت، ولا طهران انتحبت.
أيضًا، لم ينبس أحد من سكان “جزيرة نباتات الموالاة” ببنت شفة، وكأن الأمر لا يعنيهم، من قريب أو بعيد، ولا تفسير لحالة الصمت المخيمة على الجانبين سوى واحدة من اثنتين: إما أن الكلام من التفاهة، بما يجعل التعاطي معه نوعًا من قلة العقل.. أو أن النظام العربي بلغ من الضحالة ما يجعله يخشى التهور بإبداء الرأي، علانية، في شأنٍ تريده إسرائيل، وتطلق رجالها لترويجه.
يحدث ذلك، بينما الاعتداءات على المسجد الأقصى تتجدّد، إيذانًا بدخول تقسيمه زمانيًا حيز التنفيذ. وعلى الجهة الأخرى، تبدو كل عاصمة عربية مستغرقة، أو غارقة، في أزماتها الداخلية، ففي دمشق، لا صوت يعلو فوق صوت معركة بقاء الأسد في الحكم، حتى وإن تحقق ذلك من خلال دور تلعبه إسرائيل، بدعوة من روسيا الاتحادية. وفي أرض الحرمين، جاءت فاجعة موسم الحج لتربك كل شيء، وتضع السعودية في أزمة حقيقية، يجري استثمارها على نحو شديد السخف في الخارج، حيث تعزف طهران، وحارتها البيروتية، اللحن الشعوبي القديم المتجدد، بشأن تدويل موسم الحج.
على المستوى الشعبي، أو الجماهيري، داخل مصر، كذلك، يبدو كأن صقور مقاومة التطبيع قد تحولوا إلى عصافير ملوّنة، ارتضت أن توضع في قفص صغير، يتمايل مع الريح في شرفة الجنرال، فلم نسمع صيحة احتجاج واحدة على هذا الفعل الخادش للحياء القومي الناصري، باستثناء هذا التغريد المنفرد من الباحث العروبي المحترم، محمد عصمت سيف الدولة.
قامت قيامة الناصريين ومحترفي النضال القومي الممتد على مدار عقود من طرابلس إلى دمشق إلى بغداد، حين سرّبت وسائل الإعلام الصهيونية صورة خطابٍ من الرئاسة المصرية إلى شيمون بيريز، رئيس الكيان الصهيوني، في أثناء حكم الدكتور محمد مرسي، يتضمن تكليف سفير جديد، وحمل عبارة “عزيزي الصديق”، وهي صيغة ثابتة لا تتغير في كل المراسلات الدبلوماسية، واتهموا الرئيس”الإخواني” بالتفريط والخيانة، على الرغم من أن دبلوماسيًا ناصريًا وقوميًا محترمًا، هو السفير إبراهيم يسري، أعلن، في ذلك الوقت، أنه أمضى ما يراوح 40 سنة بالدبلوماسية، وتعامل مع إجراءات ترشيح السفراء وتعيينهم، مؤكدًا أن أوراق الاعتماد نسخة واحدة لا تتغير، منذ عهد الملكية في مصر، ومتفق عليها دوليًا، والصيغة واحدة مكتوبة بخط الكوفي باليد. ولا يتغير فيها إلا اسم الدولة ورئيسها وسفيرها، ويمكن لمن يريد الموضوعية الاطلاع عليها في مكتبة نكلسون.
أما الآن، فالجهد كله موجه إلى محاربة مشروع الاصطفاف مع “الإخوان”، في مواجهة سلطة لا تخجل من إعلان ولائها التام للعدو. واصلوا نضالكم حتى جلاء آخر إخواني عن مصر، وآخر حمساوي عن غزة.