تاريخ روسيا مع المسلمين تأريخ إبادة استعماري دموي متوحش، سواءً في زمن القياصرة أو في عهد الشيوعيين أو الآن مع روسيا الحديثة، وفي هذا السياق جاء التدخل العسكري الروسي في سوريا فخلط الأوراق وأحدث زلزالًا في المنطقة ويمكننا تناول الموضوع من خلال الجوانب الآتية:
أولاً- الموقف الغربي من التدخل الروسي في سوريا ويمكن تلخيصه في النقاط التالية:
١- الذي يبدو أن الغرب موافق على التدخل الروسي في الجملة وأن الخلاف بينهم هو في بعض التفصيلات وليس في الخطوط الرئيسة لهذا التدخل.
٢- الغرب يرغب في إيقاف تدفق المهاجرين لأوروبا وهذا يستدعي فرض حل في سوريا والحل المطروح غربيًا لا يمكن أن يتحقق مع وجود الجماعات الإسلامية المسلحة وظروف الغرب السياسية والاقتصادية والعسكرية لا تسمح له بكسر شوكة هذه الجماعات فكان البديل هو أن تقوم روسيا بهذا الدور.
٣- انتصارات الثوار المتزايدة على الأرض ضيقت الخناق على نظام بشار وأصبح سقوطه متوقعًا ومحتملًا، وهذا لو حصل فسيفرض واقعًا جديدًا قد يشكل خطرًا أو إزعاجًا على الأقل على إسرائيل وعلى ترتيبات الغرب في المنطقة، ولأن دول أوروبا الرئيسة وأميركا مقبلة على انتخابات ولن تجازف بالتدخل في مغامرة عسكرية في سوريا، وكذلك لأن الحصول على موافقة البرلمانات الغربية على التدخل العسكري سيكون صعبًا جدًا، فكان البديل هو الموافقة على التدخل الروسي حتى لو كان مؤقتًا ولمهمات محددة.
٤- قدم الغرب تنازلًا قد يكون مصيريًا لروسيا وإيران ويتمثل في القبول ببقاء بشار رئيسًا في مرحلة انتقالية غير محددة وتقودها حكومة وحدة وطنية من المعارضة (المعتدلة) والنظام، وصرح كيري أن هذا محل اتفاق بين فرنسا وبريطانيا وأميركا ومصر والأردن والإمارات، وأكد ذلك رئيس وزراء بريطانيا مع التذكير أن الجيش والأمن والدولة العميقة كلها بيد بشار حتى لو كان خارج السلطة والتدخل الروسي إن نجح -ولن يكون بإذن الله- فسيسهم في تحقيق المتفق عليه بشأن بشار ثم لكل حادثة حديث، ومع هذا التنازل ما زالت روسيا ترفض بحث مصير الأسد حتى بعد الفترة الانتقالية.
٥- حل القضية السورية وفق الرؤى الغربية -والمتمثل في دولة علمانية تحفظ فيها حقوق الأقليات كما كرر ذلك كيري مرات- لن يتحقق إلا بعد إنجاز العديد من الخطوات السياسية والعسكرية على الأرض، والغرب غير مهيأ لذلك لحسابات داخلية لديه وبسبب علاقاته مع بعض دول المنطقة فليترك إنجاز هذه المهام القذرة للدب الروسي.
٦- أخيرًا في الموقف الغربي سيكون التدخل الروسي فرصة أمام الغرب لاستنزاف روسيا وإرهاقها وربما إذلالها وهزيمتها فتتدمر جميع الأطراف المتصارعة ليأتي الغرب بعد ذلك ويرتب الأمور بينهم كما يريد.
ثانيًا- موقف إسرائيل من التدخل الروسي العسكري ويتمثل في النقاط الآتية:
١- إسرائيل تريد مزيدًا من التدمير لسوريا لينشغل السوريون بعد ذلك عن إسرائيل لعقود ببناء ما دمروه والتدخل الروسي يسهم في ذلك بصورة كبيرة.
٢- إقامة نظام إسلامي حقيقي أو حتى نظام وطني مستقل القرار والإرادة في دول جوار إسرائيل وبخاصة في سوريا خط أحمر بالنسبة للصهاينة وروسيا تشاركها هذا الهدف.
ثالثًا- موقف الدول العربية من الغزو الروسي ويتمثل في النقاط الآتية:
١- دول أيدت الغزو إما صراحة وإما حسب ما سرب ونشر، وهي مصر والعراق والأردن والإمارات.
٢- دول عارضت الغزو إما صراحة وإما وفق ما سرب لوسائل الإعلام، وهي السعودية وقطر ثم البحرين والكويت واليمن.
٣- ودول سكتت وهي البقية والمتوقع أن الأكثر منها يعارض الغزو الروسي.
رابعًا- الموقف التركي من الغزو الروسي ويتمثل في النقاط الآتية:
١- تركيا مقبلة على انتخابات وستبقى مكبلة نسبيًا عن اتخاذ أي موقف قوي وصريح حتى تنتهي الانتخابات.
٢- أكثر من ٨٠٪ من الغاز الذي تستهلكه تركيا يأتيها من روسيا وإيران، وأكثر من ٦٠٪ من النفط الذي تستهلكه تركيا يأتيها من إيران والعراق وروسيا، والتجارة الروسية التركية أكثر من ١٠٠ مليار دولار سنويًا، والتجارة بين تركيا وإيران والعراق نحو ٣٠ مليار سنويًا، وكل هذا سيؤثر على القرار التركي تجاه الغزو الروسي.
٣- أكثر الدول تأثرًا بهذا الغزو العسكري الاستعماري هي تركيا؛ لاحتضانها أكبر عدد من اللاجئين السوريين ولوجود أطول حدود لها مع سوريا.
٤- أعلنت تركيا معارضتها لهذا الغزو بشكل صريح سياسيًا.
خامسًا- كيف سيقاوم الشعب السوري وحلفاؤه الغزو الروسي:
باختصار شديد، لا يمكن أبدًا أن تقوم أي دولة ولا مجموعة الدول المعارضة لهذا التدخل، وهي السعودية وقطر وتركيا، بالمواجهة العسكرية مع روسيا لأسباب كثيرة.
فما الحل؟
أفضل خيار ممكن وسيكون مجديًا -بإذن الله- وسيؤدي لهزيمة روسيا وحلفائها هو:
١- توحيد الجماعات الثورية المقاتلة والسياسية المعارضة في مواجهة الغزو وعدم القبول به تحت أي ظرف.
٢- تسليح المعارضة بأسلحة نوعية وبخاصة المضادة للطيران والمضادة للدروع.
٣- الاستفادة من إستراتيجية هزيمة السوفيت ثم الأمريكان في أفغانستان والأحداث الأخرى المشابهة.
وأخيرًا فكما أن الغزو الروسي لسوريا جلب للمنطقة من المخاطر الكثير، فإنه أيضًا يمكن أن يكون فرصة تاريخية أمام شعوب المنطقة والدول المقاومة للغزو لإسقاط عدة مشاريع تدميرية للمنطقة دفعة واحدة متمثلة في المشروع الصهيوني ومن ورائه داعموه من الغربيين والمشروع الصفوي وامتداداته في المنطقة والمشروع الروسي المتوحش والمبارك من الكنيسة الأرثوذكسية.
إذًا ستهزم روسيا في بلاد الشام بوحدة الثوار المجاهدين وبتسليح الثوار بأسلحة نوعية.