نحن في أزمة اقتصادية طاحنة.. لم يعد هناك أدنى شك في هذا، حتى بالنسبة للرجل العادي الغلبان، الذي لا يقرأ ولا يكتب، أو ربما ليس لديه الوقت الكافي كي يقرأ أو يستمع! وإذا فتح التلفاز سمع “خابور إستراتيجي” يتفنن في إقناعه أن تفريعة جديدة في قناة الشويس ستدر على مصر 100 مليار دولار سنويًا!
بدا أن ارتفاع أسعار بعض السلع -كالطماطم مثلًا- ليس مجرد مشكلة مؤقتة أو عارضة، فارتفاع الأسعار طال كل شيء ولا سيما أسعار الغذاء، التي للمفارقة تنخفض عالميًا، بينما تزيد أسعارها في مصر!
“مصر اقتصادها ريعي!”
______________
مشكلة مصر الاقتصادية الأساسية -غير الفساد طبعًا- أن اقتصادها “ريعي”.. بمعنى أن الدولة تعتمد على ما يدفعه السياح، أو السفن العابرة في قناة السويس، أو المصريون العاملون في الخارج، من عملة صعبة، بينما الدولة ذاتها لا تقوم بشيء تقريبًا!
لا تُصنّع مصر تقريبًا أي شيء، وتعتمد على الاستيراد تقريبًا في كل شيء، مما يعني أنا نعتمد على موارد غير ثابتة في الدخول، (السياحة وقناة السويس) ولا نصنع أي شيء يشتريه العالم منا، بينما نستورد معظم ما نحتاجه، ويذهب هذا بمعظم الدخل القومي!
“أبواب الموازنة”
__________
هناك أبواب رئيسية في الموازنة العامة لمصر؛ أهمها الرواتب والدعم والمعاشات والقطاع الأمني (الجيش والشرطة)، والضرائب. هذا غير الفساد الذي يلتهم القدر الأكبر من الموازنة في كل باب من أبوابها، فكثير من الجهات السيادية مثلًا لا تدفع ما عليها من ضرائب، ومؤخرًا أعفى السيسي نوادي وفنادق القوات المسلحة من دفع أي ضرائب!
ليس أمام السيسي إلا اللعب في أحد ثلاثة أبواب: 1- الدعم، 2- الرواتب والمعاشات، 3- الضرائب. وبما أن السيسي سبق وأن رفع الدعم جزئيًا عن البنزين والغاز والكهرباء، فإن أي رفع جديد للدعم يبقى مستبعدًا على الأقل في المستقبل القريب!
1- فرض ضرائب جديدة:
بقى أمام السيسي الرواتب والمعاشات، والضرائب، وهو ما توجه إليها بقوة. عزف السيسي عن أي زيادة في الرواتب رغم زيادة الأسعار، بل على العكس، فرض ضريبة جديدة على الدخل تبدأ بمن يتقاضى 6500 جنيه سنويًا (!!) أي 500 جنيه في الشهر!! ويذكر أنه قد رفض اقتراحًا لخبراء بوزارة المالية برفع حد الإعفاء إلى 18 ألف جنيه سنويا؛ بحيث يكون الحد الأدنى للدخل المعفي من الضرائب 1500 جنيه شهريًّا!!
الضرائب الجديدة شملت أيضًا فرض ضريبة على المسافرين، وهو ما أثار موجة سخرية شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي رفعت شعار “شخلل يا بلدينا علشان تعدي!”.
2- أموال المعاشات:
لكن ما يقلق بحق، هو تصريحات الحكومة عن عدم الاستمرار في دفع المعاشات بالصورة الحالية!
فقد صرحت غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، أن حجم مخصصات أموال المعاشات والتأمينات ارتفع خلال العام الحالي ليصل إلى 110 مليارات جنيه، مقابل 43 مليار جنيه خلال عام 2010، موضحة أن الخزانة العامة تتحمل منها وفقًا للقانون 55 مليار جنيه، وتتولى الصناديق تدبير باقي المبلغ.
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن عدد أصحاب المعاشات في مصر يقارب 9 ملايين، وأن هناك نحو 22 مليون مواطن مؤمن عليه سيخرجون إلى المعاش يومًا ما!
هذه الملايين تتقاضى معاشًا يقارب الألف جنيه شهريًا أو أقل؛ لأن من تنطبق عليهم شروط الحد الأقصى للمعاش، وقدره هو 1300 جنيه، (أقل من مائتي دولار أميركي) شريحة ضئيلة!
***
ربما لم يأت إلى مصر حاكم أكثر صراحة من السيسي! قالها بكل وضوح، لو شفت مني جنيه يبقى لك الكلام! أنا نار.. أنا عذاب.. ومع ذلك فإن البعض هللوا له، وانتظروا انتخابه!
لا أعول هنا على ثورة اقتصادية، فمن لم يثُر للهجوم على الدين والطعن في السُنة، أو للقتل والدماء التي تراق، والأعراض التي تنتهك، أو لموالاة أعداء الله من اليهود والكنيسة والشيعة بل حتى الملحدين، أو لتهجير أهالي سيناء، فهو غالبًا لن يثور لارتفاع الأسعار أو ضيق في العيش!
كل ما هنالك أن السيسي يفقد كل من آمن يومًا أنه سيحل مشكلات مصر، التي تحتاج حاكمًا عسكريًا! وكأن ناصر والسادات ومبارك كانوا مدربي كرة ماء! بدأ هؤلاء يفهمون أن هذه العقلية هي ما سببت استشراء الفساد وتراجع الاحتياطي الأجنبي وانخفاض سعر الجنيه أمام الدولار، رغم مليارات دول الخليج التي وصفها السيسي بأنهم أنصاف دول عندهم فلوس زي الرز! هذه المليارات لا يعرف عنها أحد شيئًا الآن، حتى رئيس الوزراء الصايع الضايع -حسبما وصفه عباس كامل- من كثرتها أخطأ في حسابها!
ها هو السيسي الآن يتجه نحو الرواتب ليفرض عليها ضرائب جديدة، ولمعاشات الغلابة ليضع يده عليها! بينما معاشات العسكريين في ازدياد مستمر، ووكلاء النيابة والقضاة يتحصلون على حوافز وبدلات تحت أسماء غريبة، مكافأة لهم، وضمانًا لولائهم! لقد تم سحق طبقة الغلابة بعد أن سحق مبارك الطبقة المتوسطة بنجاح!
حتى الصراخ بالدعاء على الظالمين ممنوع، فهل يا ترى لا تزال مصر بتفرح؟؟ وبكره تشوفوا مصر؟؟ هل ما زال أحد يغني تسلم الأيادي؟؟ أشك في ذلك!