مرة أخرى، أنت بصدد انتخابات مشفّرة في مصر، يقولون إنها لاختيار برلمان، بينما هي، في واقع الأمر، أشبه بانتخابات فاتن حمامة، في الفيلم السينمائي الشهير “إمبراطورية ميم”، ميكروفونات ودعاية، وأكروبات على الفضائيات، و”بيان بعد قليل” من الحاكم إلى الأمة، إمعانا في حبك المسرحية، واشتباكات بين “أولاد العميقة”، بينما النتيجة محسومة ومعروفة حسب السيناريو: الفائز هو “ماما”، سواءً كانت هذه “الماما” فاتن حمامة في سبعينيات القرن الماضي، أو سلطة عبدالفتاح السيسي الآن.
هذه انتخابات أكثر عريًا سياسيًا من انتخابات برلمان 2010 التي كانت المشهد الأخير في دراما سقوط حسني مبارك وأولاده، والتي وصفت، في ذلك الوقت، بأنها أشبه بالتقسيمة الودية داخل الفريق الواحد، إذ كان هناك حضور ديكوري زائف لما كان يطلق عليها معارضة.. أما هذه المرة، فلا حضور ولا وجود لمعارضة على أي نحو، فأحزاب السيسي، ذات اللحية والنقاب، تنافس أحزاب السيسي ذات القشرة العلمانية أو الليبرالية أو العلمانية الزائفة، كلّهم أبناء إمبراطورية فاتن حمامة في الفيلم، وإن حاولوا تمثيل أدوار المتصارعين المتحاربين.
طوال الفترة الماضية، كان إعلام السيسي يزيد ويعيد في حدّوتة أن حزب النور السلفي ضد الدولة وضد النظام، محاولة بائسة لاختراع معارضة، من خلال الزعم بأنه حزب ذو مرجعية دينية إسلامية، بينما الحقيقة أنه مثل باقي الأحزاب في نظام السيسي، كلها ذوات مرجعيات أمنية عسكرية، تلهو في المساحة التي حددها لها الحكم العسكري، وتتنافس في إظهار الولاء والانتماء لجنرال الحكم.
إذن، هو الحزب الوطني ينافس الحزب الوطني. في الماضي، كان جمال مبارك يخطط الملعب، ويختار اللاعبين والحكام والجمهور. والآن، ابن السيسي يقوم بالدور نفسه، من دون أي تطوير، مع إضافة أكبر عدد ممكن من الجنرالات المتقاعدين، مقابل استبعاد رجال الأعمال أصحاب الوزن الثقيل، مع الاحتفاظ بمن يسمعون الكلام ويتقنون ترديده، بلا اجتهاد أو محاولة للخروج على النص.
هي حفلة رقص أخرى فوق جثة ثورة 25 يناير، يطلقون فيها صيحة الغزاة العائدين “ها قد عدنا”، محفوفين برجال الكهنوت والبنكنوت، مستخدمين أجهزة إفتاء مبارك ودعايته الدينية، فيأتي عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، ورجل دين أمانة سياسات جمال مبارك وفكره الجديد، ليقطع بأن الممتنع عن التصويت مثل تارك الصلاة. هكذا، مرة واحدة يقولها الشخص الذي استدعاه إعلام مبارك يومياً، أثناء حرب الكرة مع الجزائر، ليفتي على صفحات جريدة الجمهورية بأن الجزائريين شعب من الكفار، لأنهم تجرأوا على المشيئة المباركية، وانتزعوا بطاقة الصعود إلى كأس العالم، على حساب “منتخب النجلين علاء وجمال”.
ثم يخرج السيسي موجّهًا الدعوة للمشاركة في الانتخابات “من أجل الشهداء”، لم يحدد أي شهداء يقصد، رابعة والنهضة والسادس من أكتوبر 2013؟ أم الذين يتساقطون واحدًا تلو الآخر في معتقلاته؟ ومن أجل “طفل ينتظر مستقبلًا واعدًا”، في سجون السيسي الآن مئات من الأطفال دون السادسة عشرة من عمرهم، هل يقصدهم أم يقصد أطفال الشهداء والمعتقلين والمحبوسين ظلمًا؟
يقول إنها انتخابات من أجل المستقبل، ربما يقصد “جمعية المستقبل” الموروثة من زمن مبارك، أي مستقبل بينما كل ما يحدث في مصر منذ يونيو 2013 يستهدف استعادة الماضي، بكل قبحه وظلمه وظلامه؟
كل التقديرات المنصفة تذهب إلى أن انتخابات برلمان السيسي لا تجد اهتمامًا وتفاعلًا من السواد الأعظم من المصريين، ليس فقط لهزلية المشهد، وإنما لأنهم يدركون أنه لن يكون هناك مجلس تشريعي بالمعنى الحقيقي، إذ يريد فقط أن يستكمل ما يسميها “خارطة مستقبل” لانقلابه. لذا، يجدر بالعقلاء أن يوفّروا على أنفسهم التعب والمشقة، والمشاركة في مهرجان للدجل والخداع.