شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

لماذا سدّ “الإخوان” البالوعات؟

لماذا سدّ “الإخوان” البالوعات؟
أغمض عينيك، وسافر بالزمن إلى عامين وأربعة أشهر مضت، وتخيّل أن كارثة غرق الإسكندرية وقعت في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، فماذا ستجد من ردود أفعال، في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي؟

أغمض عينيك، وسافر بالزمن إلى عامين وأربعة أشهر مضت، وتخيّل أن كارثة غرق الإسكندرية وقعت في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، فماذا ستجد من ردود أفعال، في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي؟

في المجمل، ستجد عنوانًا عريضًا “ارحل يا مرسي”، وفي الحيثيات: أنت نحس.. “مش قد الشيلة ما تشيلش”، و”طول ما الدم المصري رخيص، يسقط أي رئيس”، وسيأتي الخبراء الاستراتيجيون، وعكسهم، ممن أكملوا تعليمهم، يعطون دروسًا في أن للإدارة ناسها، وللحكم رجاله، وأن السمكة تفسد من رأسها، لذا سيصبح مسكينًا ذلك الوزير أو المحافظ الذي يطاح من منصبه، بينما الخلل فوق، في رأس الدولة.

ربما كنت ستجد قصر الاتحادية محترقًا، بعد محاولة اقتحامه بالمعدات الثقيلة، والعبوات الحارقة، مع دعوة إلى الاعتصام حتى يرحل النظام، والعصيان المدني العام، حتى يرحل الرئيس “النحس”، ويسلمها لمن يعرفون إدارتها، الذين هم في رواية وحيدة، أهل الضبط والانضباط، حضرات السادة الضباط.

أمس، كتبت تعليقًا ساخرًا يقول “أحمّل الإخوان المسؤولية كاملة عن سوء الأحوال الجوية”، على سبيل الأسى على منهجهم القائم على استغفال الجمهور واستحماره، وقبل أن يروّجوا هذه الشماعة. غير أن ما تصورته سخريةً تنتمي إلى اللامعقول، تحوّل بعد ساعات إلى واقع، وانتشرت رواية أن “الإخوان” سدّوا بالوعات صرف الأمطار في الإسكندرية، لصناعة الكارثة.. ليس هذا فحسب، بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، وانهال بالسباب على منكري مؤامرة المجلس الأعلى للعالم، الذي وُجد خصيصًا لإلحاق الأسى بمصر، ومنعها من الحركة إلى الأمام، وقفزها إلى الأعلى.

غرقت الإسكندرية، فقرروا ردم منصب المحافظ فيها بجنرال جديد، لواء آخر يضاف إلى ثمانية ألوية آخرين، يهيمنون على حكم أحيائها وإداراتها، وتهيئتها لاستقبال كارثة الغرق منذ شهور طويلة، ليصبح الشعار “الجنرال ينعى شعبه ويعين لواءات”، والحجة أن الكارثة وقعت، لأن حاكم الإسكندرية مدني، فلا مناص من عسكرتها التامة.

قبل 14 شهرًا، كتبت في هذا المكان إنه “الزعيم الملهم لدولة الخرافة” الذي لا يحكم مصر بالحديد والنار فقط، بل يحكمها أيضًا “بالبيضة والحجر”، هذه الثنائية الخالدة في أدبيات الشعوذة، الممتدة عبر قرون من الجهل واحتراف الاستثمار في اللاوعي.

نعم، هي مرحلة حكم مصر بالخرافة، بدأت منذ ما قبل الثلاثين من يونيو 2013، حيث نشطت جرافات الوعي وحفارات الضمير في شقّ قنوات للكذب والوهم، مرت فيها كل أنواع الأكاذيب، بمشاركة جيش هائل من مثقفين، زعموا طويلًا أنهم فرسان الاستنارة، فلما أفلت شمس 30 يونيو، تبيّن أنهم مقاتلون في جيوش الخرافة.

رأسمال هذا النظام هو عوائد احتراف الشعوذة السياسية، والاستثمار في الجهل. لذا، تنشط كل أدواته في استئصال مراكز الإدراك عند الجماهير، بوسائل عدة، أهمها تجريف البلاد من كل عقل ناقد، أو فكر مخالف، أو صوت مختلف، سواء بالتهجير الإجباري، أو الإسكات والمنع من الكلام ومن الظهور ومن الكتابة، وبموازاة ذلك التمكين للمشروع القومي للتجهيل والإسفاف والهلوسة.

ولم يكن غريبًا في هذا السياق أن يصدر القرار بتخفيض رواتب أساتذة الجامعات، من دون مسوغ دستوري أو قانوني، في وقت يتم فيه الإنفاق بسخاء على عسكر الحكم، وعسكر الإعلام، وعسكر الدعوة، في إطار التحكم والسيطرة والحفاظ على الدماغ خاملًا ومظلمًا ومستجيبًا لكل ما يلقون فيه من خطابهم المُغرق في لا إنسانيته، ليصبح كل من ينتقد صنمهم المقدس كافرًا بالوطن، وكل من يعارض فاشيته ودمويته وتعثره في فشله وبلادته خائنًا وعميلًا، وكارهًا للوطن، يستحق اللعنة، والطرد من نعيمهم العسكري، أو ما أسميته سابقًا، هذا الجحيم السعيد الذي صنعه قائدهم، واستفادوا منه، وأدمنوه، فقرّروا أن يكتبوا على أبوابه “ابتسم أنت في الجنة”.

في بلد ينادي فيه المذيع الذي تربى في كنفهم على معاونيه، لكي يحضروا له حزمة من البرسيم، لتناول غدائه على الهواء مباشرة.. لا مستقبل، مع الاعتذار لصلاح عبد الصبور.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023