شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

مقدمات الهروب الكبير

مقدمات الهروب الكبير
لماذا يسافر المنقلب بينما برلمانه القرطاسي يتشكل وسط عزوف شعبي منقطع النظير، وخيبة عريضة وفضيحة مدوية شاهدها العالم بأجمعه، يسافر ليتجول بالخارج والإسكندرية غارقة في سيول قاتلة وأهلها لا يجدون من يغيثهم أو يقف بجانبهم.

لماذا يسافر المنقلب بينما برلمانه القرطاسي يتشكل وسط عزوف شعبي منقطع النظير، وخيبة عريضة وفضيحة مدوية شاهدها العالم بأجمعه، يسافر ليتجول بالخارج والإسكندرية غارقة في سيول قاتلة وأهلها لا يجدون من يغيثهم أو يقف بجانبهم، يتفسح في شوارع دبي ويركب السيارة الشخصية لحاكمها والجنيه غارق تحت أقدام الدولار والاقتصاد في حالة نزيف وضمور، والأسعار تقتل المصريين والغلاء يطحنهم، والمرتبات في الجامعات والأوقاف تتناقص تحت مقصلة الخصم، والشباب يحرق شهاداته ويحرق نفسه في ميدان التحرير، وسيناء تعود للانفجار بين حادثة هنا ومقتلة هناك..؟ لماذا يترك البلد ويذهب بعيدًا في هذا الأتون المحموم؟

هل هو الاطمئنان على سير الأمور في البلد على ما يرام طالما السلاح مشهر والقمع على قدم وساق، ولم يعد قاعدًا على تلها إلا مخربوها، ولم يعد في الحلبة معه إلا طراطير الحكومة وقراطيس البرلمان المنتظر وبهاليل المعارضة الكاذبة الخاطئة ومهابيل الإعلام المبتذل وقضاة الأجور المتدنية (؟!) أم هي اللامبالاة والاستخفاف الفرعوني الذي يملأ كيانه وينضح به حاله ولسانه، والاستهانة بشعب يظن أنه عاد للاستكانة وقبول المهانة؟ أم أنه هروب من المواجهة وفرار من الحقيقة والواقع: أنه فشل، وينتقل من فشل إلى فشل؟ الأقرب عندي أنه مقدمة من مقدمات سبقت وأخرى لاحقة للهروب الكبير، فإن هذا المنقلب المغرور لم يعد أمامه سوى الهروب بعد أن خرب البلد وفقد كل معنى للشعبية فوق ما هو فاقده من الشرعية، وعصاه الشعب حين ناداه بالنزول عشية الانتخابات الزائفة، ولم يعد له في هذه البلد إلا أعداؤها ومن هم داؤها وبلاؤها، ولم يعد له سوى الخارج الذي يهرب إليه عند كل مصيبة.

الخارج عنده هو الوطن، والداخل عنده هو مكمن الخطر ومحل العدو ومصدر الإرهاب. أليس منقلبا وقائد انقلاب؟ فما له لا يقلب هذه حقيقة الوطن والغربة وحقيقة الخارج والداخل؟ ألم يتسول الشرعية من الخارج سنة الطرطور ويجعل من وزارة الخارجية وزارة شرح وتصحيح صورة ما يجري في مصر أمام الشرق والغرب؟ ألم يلجأ إلى أئمة الاستبداد في الخليج لكي يمولوا انقلابه ثم يسندوا خرابه ثم يملؤوا جرابه بالرز والحبايات؟ لذلك حين يفرغ الصندوق ويأبى الشعب الكريم أن يضع عليه بصمته تراه يذهب يملأ الجوال (الشوال) بالرز من كفيله. ألم يردد أكثر من مرة أنه ملتصق بأمريكا مهما فعلت فيه ومهما أدارت له ظهرها.. ولذا من العجيب ألا ينزل هذا المنقلب لكي يتجول في مقار الانتخابات بينما يفعلها القنصل الأمريكي في الإسكندرية!

لقد ضيق المنقلب الخناق على نفسه من حيث أراد أن يضيقه على الشعب، فطارد أهل البلد وطردهم وقتلهم واعتقلهم ونكل بهم، لكي لا يجد حوله أحدا إلا من لا يعتمد عليه من طامع منشغف أو خائف مرتجف، أو متلاعب مخادع، وكثر كارهوه والناقمون عليه والراغبون في الانتقام منه والداعون عليه بأن ينتقم الله منه وممن أيده أو أعانه، وما دعاء رمضان منا ببعيد. أصبح يرى الشعب برمته عدوا مكتملا وإرهابا محتملا، ويبحث عن كل سبيل لإضعافه وإيقافه عهن التفكير في التغيير، ويعمل كل شيء من أجل أن يصيب الشعب في مقتل، فيفرض الضريبة على كل داخل وخارج، ويرفع الرسوم في المياه والكهرباء والغاز والمواصلات والمصاريف المدرسية والجامعية والقضائية، ويضاعف الحقد بين الناس والدولة بالأموال التي يغدقها عيانا بيانا على قضاته وزبانيته وعسكره وكأنه يقول للشعب: إن كان عاجبكم!

ومن ثم فهو يهرب من اللقاء المباشر مع الناس، ويهرب من اللقاءات المفتوحة، ويهرب من الحقائق التي يكتوي الناس بنارها، ويهرب من الأسئلة والمساءلة والمسؤولية، ويهرب من المعارضة أو حتى المناقشة، ويهرب من المواطن، ويهرب من وعوده الفنكوشية الكاذبة، ويهرب من شعوره بالغدر والخيانة الذي تكاد تنطق به كل خلجة من خلجاته.. يهرب من الصدق إلى التهتهة والهرتلة، ويهرب من الهدوء الذي يطرح الأسئلة بافتعال الانفعال والحماس في الخطاب والتواصل، يهرب من الكوارث بإحداث غيرها حتى يتلهى الناس عن الأولى بالثانية والثالثة وغيرها.. يهرب من الفشل وانكشاف الفشل بمزيد من الفشل والهطل.

المنقلب يهرب من الكارثة الإقليمية التي سعرها انقلابه ويهرب من مسافة السكة بعد أن نطق بها بكل سهولة وتظاهر بالثقة، يهرب من “بكرة تشوفوا مصر” إلى “مافيش وماعنديش”، يهرب من “يحنو عليه” إلى “عايزين تكلوا مصر يعني؟”. يهرب من “قد الدنيا” إلى “قد الكفتة” وتقطيع الرغيف أربع قطع وعربة الخضار.. يهرب من صناديق الانتخابات إلى صناديق التبرعات، ومن الشوبكي إلى السبكي، ومن حسن مالك وهشام جعفر وحسام السيد إلى ساويرس وبكري وعبدالرحيم وبانجو وبرايز.

انفعل السيسي المنقلب، موجهًا حديثه للإعلاميين “أحد الإعلاميين قال إن السيسي إزاي يقعد مع سيمنز وشايف إسكندرية بتغرق.. حاجة صعبة أوي، عيب ميصحش كده.. إيه الشغل ده والأمر ده لا يليق، إنتو بتعذبوني إني جيت وقفت هنا، بحس إن الناس مش عارفة وبتتكلم وتنشر جهل وعدم وعي بين الناس وقطاع الإعلام مفهموش كارثة ولا إيه؟.. المرة الجاية هتشتكي الشعب المصري منكم”، كلام غير مترابط ولكنه يشير لشخص مأزوم مأفون.

إن المنقلب المضطرب تحاصره أفعاله، وتحاصره غدرته وفشله، ولن ينفع تهديده كما في خطابه الهزيل “انتو بتدورا على مشكلة ويا ريت ما نختلفش مع بعض، أنا بطبطب على كله دلوقتي”، هذا التهديد أيها الهارب من شعبه ومن قضاياه ومطالبه، تهديدك لم يعد له معنى، وتعقيبك على بعض كلام الإعلام الذى اكتشف أو كشف أو إن شئت الدقة فضح تهربك وهروبك، السفر لن يحل المشكلة والهروب اليوم مقدمة لهروب كبير ونهائي في غد قريب، وعلى كل الذين حجزوا مقاعدهم في طائرة المنقلب حزم الحقائب وربط الأحزمة قبل الإقلاع إلى مزبلة التاريخ.. (فأين تذهبون؟).



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023