على من يضحك عبد الفتاح السيسي هذه المرة، حين يقول إن “الإخوان المسلمين” جزء من الشعب المصري، وأحكام الإعدام لن تنفذ؟
يبدو أن جملة “أحكام الإعدام لن تنفذ” صارت بندًا أساسيًا في حقيبة سفر جنرال الدم إلى أوروبا، للاستعمال خارج القطر المصري فقط، وحين يعود ينسفها، ويعلن خطابًا آخر دمويًا واستئصاليا.
في زيارته إلى برلين، وقف الجنرال بين يدي أنجيلا ميركل، والصحافة الألمانية، يتصبب عرقًا، بمواجهة سيل من الأسئلة عن المناخ الذي تعيش فيه مصر، على وقع أحكام الإعدام الجماعية، فقال القولة نفسها التي يستخدمها في لندن اليوم “الأحكام لن تنفذ”، ثم حين عاد، استعاد وجهه العنيف، وأعلن على الهواء مباشرة أن أي حكم بالإعدام يجب أن ينفذ فورًا، وبلا هوادة، معطيًا الإشارة لتعديلات في قوانين التقاضي، تتيح تسريع وتيرة التصفية بأحكام القضاء المسيس.
الأكثر مدعاة للعجب هو كلام السيسي الناعم عن أن “الإخوان جزء من الشعب”، وهو ما يضع البريطانيين في ورطة حقيقية، إذ تحاول حكومة ديفيد كاميرون منذ فترة طويلة، وتحت تأثير إغراءات وضغوط إماراتية، تمرير تقرير يصنف “الإخوان” جماعة إرهابية ويدينها، ويحظر نشاطها، الأمر الذي يصطدم بقرار محكمة النقض المصرية باعتبار قرار النيابة العامة إدراج قيادات الإخوان ضمن الكيانات الإرهابية لغوًا منعدم الأثر.
ولا يخفى على أحدٍ، هنا، أن نظام السيسي أسس خطابه الموجه للغرب، تبريرًا لانقلابه على الحكم المنتخب في مصر، على أنه اضطر لقتل الديمقراطية، لكي يخلص العالم من الإرهاب “الإخواني”، وكان أول ما فعله هو ونظامه العسكري أن صنفوا “الإخوان” جماعة إرهابية محظورة، بقرار من الحكومة التي عينها الجنرال، عقب الانقلاب العسكري مباشرة.
وبالتبعية، كان هذا القرار الأساس الذي انطلقت منه حكومة ديفيد كاميرون لإعداد تقرير عن “الإخوان”، جرى تسريب معلومات بشأنه تفيد بأن هناك إصرارًا من كاميرون على تبني الرؤية الإماراتية، وبالتبعية، السيسية، للجماعة، ومن ثم حظر أنشطتها.
الآن، يبدو الجنرال ومضيفه في تناقض صارخ مع أقوالهما ومواقفهما السابقة، فمن يصدّقهما الآن من الشعبين، البريطاني والمصري؟
كذب عبد الفتاح السيسي على شعبه، وعلى العالم، حين صنع هذه الحالة من الاحتراب المجتمعي، منطلقا من حشد الجماهير ضد “كيان إرهابي” مسبغا الحماية، والإعفاء من العقوبة، على كل من يقتل “الإخوان” خارج القانون، بل إنه هو شخصيًا متهم بقتل نحو ثلاثة آلاف مواطن مصري في مجازر جماعية، بذريعة أنهم “إرهابيون إخوان”، كما استولى على ممتلكاتهم ومدخراتهم، واعتقل نساءهم وأطفالهم، باعتبارهم أعداء الشعب الذين يشكلون خطرًا على العالم بأسره.. ثم حصل على معونات ومنح بعشرات مليارات الدولارات، وصفقات طائرات و قطع بحرية، بزعم بناء دولة خالية من الإرهاب، توفر الأمن والأمان للأوروبيين.
وعلى هذا المنوال، استفادت عواصم أوروبية مأزومة ماليًا، حين مول داعمو الانقلاب ورعاته الإقليميون صفقات تسليح بعشرات المليارات، لصالح “الحارس الخاص” لجنوب المتوسط، وهي الصفقات التي تسيل لعاب حكومات غربية، منها الحكومة البريطانية، فتتخلى عن قيمها الديمقراطية ومبادئها الإنسانية، معتمدة “دبلوماسية المبالغ” على حساب المبادئ.
وبهذا التصريح الذي يرتد فيه السيسي على السيسي، ويعلن فيه أن “الإخوان” جزء من الشعب، وما سبقه من قرار محكمة النقض إلغاء إدراج قيادات الجماعة على قوائم الإرهاب، فإنه يكون قد ضرب مصالح ديفيد كاميرون في مقتل، وقطع عليه الطريق للحصول على قطعة من “تورتة الأرز” المخصصة لتعويم نظام الانقلاب، والتي حصلت باريس وروما وبرلين على أنصبة وافرة منها.
أخيرًا، يجدر بالسيد ديفيد كاميرون العودة إلى كتاب المؤرخ البريطاني جيفريز الذي فضح فيه المؤامرة البريطانية على فلسطين، والتي توجها “وعد بلفور”، ويقرأ هذه الفقرة المقتبسة من كتاب “روح الإنسان” لروبرت بريدجز، والتي يقول فيها:
“ربما نتبين أن حماقاتنا وآثامنا القومية قد استحقت العقاب.. وإذا كنا لا نستطيع، نحن أنفسنا، أن نبدو في هذه التعرية للعفونة أبرياء تمامًا، فإننا مازلنا أحرارًا وصادقين مع أنفسنا. وفي وسعنا أن نطمع في تكفيرها عنا من خلال الندم”.