“اقتل الطلاب في قلب الحرم الجامعي واعتقل من بقي على قيد الحياة ثم افصل من خرج مطالبًا بحق زملائه ثم قم بإجراء انتخابات طلابية بين من تختار بلائحة لن تسمح بوجود صوت معارض لتثبت للجميع أن الوضع مستقر، واحرص على أن تكون نزيهة!”.
هكذا كان السيناريو وهكذا رُسِمت الخطة في محاولة من النظام المصري لاحتواء المشهد الطلابي المعارض للحكم العسكري القائم في مصر عن طريق إجراء انتخابات شكلية وادعاء استقرار الأوضاع داخل الجامعات وأن شريحة الطلاب تقف يدًا بيد مع النظام.
إلا أن الطلاب كعادتهم كانوا على قدر كبير من الوعي بتلك المسرحية المزمع إقامتها في الجامعات المصرية، وتبين ذلك من خلال العزوف عن الترشح في العديد من الجامعات بعد إدراك الطلاب أن مهام الاتحاد قد فرغت من مضمونها وأن المناخ السياسي المخنوق لا يتيح الفرصة لأي نشاط طلابي داخل الجامعات المصرية ويأتي ذلك في أعقاب العزوف الشبابي الملحوظ عن انتخابات البرلمان أيضًا.
كانت قد أعدت وزارة التعليم عدتها للانتخابات الطلابية ومحاولة تمريرها بداية من إصدار لائحة طلابية معدلة قبيل فتح باب الترشح بالجامعات بأيام دون إشراك الطلاب في وضعها وأصبحت لائحة مفروضة على الطلاب بقوة الأمر الواقع، وصولًا إلى وضع تعديلات كارثية داخل اللائحة تفرغ مهام الاتحاد من مضمونها وتجعله اتحادًا على هامش العمل الجامعي.
تمثلت الكوارث اللائحية في بعض المواد؛ أولها إضافة شروط فضفاضة في المادة الأولى من اللائحة تسمع لرعاية الشباب باستبعاد المرشحين دون وجود معاير منضبطة، فتم وضع شرط بأن يكون الطالب ذا نشاط ملحوظ، كما وضع بندًا يمنع المنتمين إلى كيانات “إرهابية” من الترشح دون إبراز آلية وضوابط ذلك مما يفتح الباب على مصراعيه من جديد لعودة تقييمات أمن الدولة للمرشحين واستبعاد أصحاب الرأي السياسي، وجاء آخر متمثلًا في إنهاء دور الاتحاد الرقابي مما يسمح بعودة الفساد المالي والإداري برعايات الشباب بكل قوة وبرز ذلك في المواد 15 و 24 و27 و28، وكذلك عدم قدرة الاتحاد على التحكم في ميزانيته بشكل مباشر. كذلك تم إلغاء نفاذ قرارات الاتحاد وعادت الكلمة العليا من جديد بيد وكلاء الكليات.
ومع نشر الكشوف المبدئية للترشح للانتخابات بالجامعات يوم أمس، تبين أن ما وضع في اللائحة كان مبيتًا ليستخدم وليس من أجل صالح العمل الطلابي، فحدث عديد من عمليات الاستبعاد للطلاب المرشحين استنادًا للمادة الأولى من اللائحة، وكان أبرز عمليات الاستبعاد تلك التي حدثت داخل كلية الصيدلة بجامعة القاهرة؛ حيث تم استبعاد أكثر من عشرين مترشحًا وتركت المقاعد المتبقية لمن تخطوا مقصلة رعاية الشباب بالجامعة وفقط!
وبمطالعتي بعض كشوف الترشح تبين عزوف الطلاب عن الترشح في العديد من الجامعات فتركت بعض اللجان خاوية دون مرشحين والبعض الآخر لن يتم إجراء أي انتخابات به؛ فقد حسمت المقاعد بالتزكية، ولكي نستطيع قراءة الواقع بشكل صحيح، فإن عزوف الطلاب لا يمكن قراءته فقط في اتجاه العوار والفساد في اللائحة الطلابية فربما لم يسمع بها البعض، إلى أن جميع الطلاب رأوا بأعينهم قوات الأمن تقتحم الجامعات وتقتل الطلاب وتعتقل البعض الآخر، كما شاهدوا الإدارات تحيل للتحقيق وتفصل كل طالب ذي رأي سياسي فأدرك الجميع أن المجال العام يعاني حالة من الاختناق لا يصح معها الانخراط في العمل العام وتحمُّل المسؤولية في ظل حالة المواجهة للطلاب من قبل النظام.
وما يتضح لنا أن الحرم الجامعي سيظل معبرًا عن آمال وأحلام الثورة وما نادت به من حرية وعدل وحياة كريمة وعدم الرضا بسياسة الأمر الواقع المفروضة بالقوة، فالطلاب تمرسوا على الحلول الجذرية والشاملة وهو لب ما تنادي به أي ثورة، فالجيل الحالي رفض أن يسير على نهج أجيال سابقة قبلت سياسة الأمر الواقع التي أدت إلى تكبيل البلاد بحكم عسكري فاشل استمر ستة عقود ممتالية.
جاء عزوف الطلاب عن تلك المسرحية ليؤكد لنا أنه ربما هدأت وتيرة الاحتجاج داخل الجامعات بفرض القبضة الأمنية، إلا أن الطلاب أكدوا أن الراية البيضاء ليست ضمن خياراتهم.