لأنه انقلاب على السنن الإلهية وقوانين الاجتماع الإنساني وانقلاب على طبائع الأشياء؛ انقلبت عليه الأشياء وثار في وجهه ما بين الأرض والسماء.
ظن المنقلب كما يظن كل متفرعن مغرور أن الأمور ماضية إلى استباب، وأنه قد كسب معركته ورهانه بالكذب والخداع والقمع والإرهاب، ونسي أنه إذا خيل إليه انتصار هنا أو هناك فإن سنن العاقبة أن كيد الطاغين في تباب، “وأن الله لا يصلح عمل المفسدين”.
في الوقت الذي تدير الثورة معركتها بالمراجعات لا التراجعات، وتعديل الصفوف وتجديد الاصطفاف لا تبديل المواقف ولا التنازل عن الحقوق، في الوقت الذي تهدأ وتيرة المقاومة في موضع لتتأسس في مواضع أخرى.. ويرى المتعجلون أن المنقلب قد نجح في مخططه الإرهابي وأسس دولة عسكره وبنى برلمانا من قراطيس معسكره.. تنقلب عليه الأشياء من كل صوب؛ فيخذله الاقتصاد، وتفضحه العملات وإيرادات القناة الفنكوشية التي صدع بها رؤوس العالمين وقدمها على أنها الفتح المبين والكنز الدفين، وتهدده نار الأسعار وما وراءها من كبت وضيق لدى المواطنين الذين عرفوه كثير الوعود كثير الخلف فيها، وتكشف زيفه الاستقطاعات من الأجور والمرتبات للعمال والموظفين والأساتذة والأئمة لا القضاة ولا الضباط من أعوانه فضلا عن أجور الإعلاميين، ثم انتفاضة السيول والأمطار في الإسكندرية وأخواتها التي أظهرت عجزه وضعفه وقلة حيلته وهو الذي قدم نفسه لهم على أنه المنقذ المخلص البطل الذي جاء به القدر لينتشل مصر من الإرهاب المحتمل فإذا به يوقعها في الوحل الشامل.
هذا الموحول الذي أوحل البلاد والعباد لا يستوعب ما يفعل ولا ما ينتج عن سياساته العمياء.. فترى عقله وقد طار ما بين فضيحة الطائرة والمطار وخيبته أمام السيول والأمطار.. البلد تنهار في كل شيء وهو لا يهمه إلا أن يتحدث إعلامي من هنا أو هناك في فلتات لا تتكرر أو تكون متعمدة من باب تزويق عمليات غسيل المخ.. لا يقلقه إلا أن يخرج إعلامي ويعاتبه على تركه الإسكندرية تغرق والناس تموت صعقا بالكهرباء أو غرقا في الماء بينما هو يجتمع بمدير تنفيذي لإحدى الشركات للمرة السابعة أو أكثر ولا يبالي بمن يموت أو من تنهدم بيوته ولا بقرى تنمحي من الوجود فضلا عمن خسروا الأبيض والأسود جراء إغراق الأمطار لبيوتهم أو محلاتهم وبضائعهم.
ها هي الأشياء تنتفض في وجهه، فتعاقبه القناة بتراجع الإيراد بينما هو يكذب بكل بجاحة ويعلن بكل صلافة أنه قد استرد قيمة ما أنفقه في ترعته خلال أسبوع أو أربعة أيام.. وليس ممن حوله من يملك ذرة رجولة ويقول له: أنت كذاب مفضوح، كف عن الكلام ولو يوما واحدا إذا كان الصدق عندك من المستحيلات. ثم يدخل في دائرة الإخفاء والتمويه، فمنسوب مياه النيل أصبح سرا من أسرار الأمن القومي، فماذا عن منسوب الأمطار في الإسكندرية والدلتا والبحر الأحمر والغردقة ومرسى مطروح؟ وإذا كان الإخوان وتنظيم البلاعات هم المسئولين فماذا عن البحيرة وقتلاها وقراها التي أغرقت بالكامل؟ وماذا عن المنوفية والشرقية وكفر الشيخ والدقهلية..؟ ألم يأتك خبرها؟ وماذا عن سد النهضة الذي يعلو بناؤه ومفاوضاته الخائبة الخاسرة أهي أيضا سر من أسرار الأمن القومي؟ وماذا عن مطار شرم الشيخ وما جرى فيه؟ أتكون المخابرات الأجنبية هي مصدر معلوماتنا عن بلدنا ويشكو وزيرك الضعيف بخزي وضعه أنهم لم يعطوه المعلومات في السر وأخرجوها إعلاميا؟ أوصل بك الحال والأوحال أن تستدعي الأجانب ليراجعوا أمنياتنا في المطارات ويشرفوا علينا في أخص واجباتنا.. ماذا تركت لنا من أبواب الخزي ولم تطرقه؟ وماذا تركت لنا من مساحات الوحل ولم ترتع فيها؟
لقد ثارت بوجهك الأشياء كل الأشياء، ولم يعد يبقى إلا انتفاضة الأحياء وهي قائمة وعودتها قادمة بلا شك.. إن انتفاضة الأشياء في ربوع البلاد تفتح الباب لتجدد ثورة الأحرار ضد الانقلاب والاستبداد والفساد.. ما الذي يثنينا عن الثورة وكل ما في بلادنا يصرخ بالثائرين انه لا بديل عن الثورة، ولا بديل عن توحيد الصفوف ورص الجبهات والاستعداد ليوم قريب ينقض فيه الحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق..،
ثورة الأشياء تشد أزر الأحياء تساندهم وتدعم ثورتهم القادمة، تمد الغضب مدا في ساحاته ومساحاته.
أيها الأحياء الأحرار.. ثارت الأرض وألقت السماء على المنقلب ببعض ما عندها، وما تزال المعايش تضيق الخناق عليها كما ضيقها هو على أهلها، ولا يزال الإقليم الثائر من حوله يقذف عليه بالتحديات التي لا قبل لقصر نظره وضيق أفقه بها، وها هي تحالفاته الآثمة تتفكك وتتناحر ويتحول مناصره إلى عدو مكبوت أو محبوس، وها هي صورته تتكامل وتتشكل بكل وضوح بين المشروعات الفنكوشية والبرلمان القراطيسي وحكومة الكلينكس وقضاة الزور وإعلام الزيف وجنرالات عسكر يجرون إلى مخازي الكفتة والكعك والعك وزبانية الشرطة الذين أظهروا أسوأ ما في جعبتهم فضلا عن مشايخ الافتراء على الله ومثقفي الاستبداد والفساد.. فأكملوا طرقكم فلا يمهده أحد لكم كما يمهده هؤلاء الأشقياء..
ثارت الأشياء فأين أنت يا ثورة الأحياء؟!.