لجأ محمد حسن إلى العمل “كديسك” بعد التضييق عليه حتى فصله من جريدته التي عمل بها محررًا اقتصاديًا لمدة 5 سنوات، بسبب كتابة تقرير اقتصادي تحت عنوان “بيع الوهم للشعب”، والذي لم ير النور إلا في صحف إلكترونية تنشر خارج مصر فيما بعد.
وحالة محمد حسن تتشابه وقد تتطابق مع 1350 صحفيًا مصريًا مسجلين في نقابة الصحفيين، ويعملون في الصحافة الاقتصادية، في عدد الملاحق الاقتصادي، وأهمها العالم اليوم والمال والبورصة وصفحة الأهرام الاقتصادية.
كيف يتعامل الصحفيون مع الوضع الحالي؟
أجرت شبكة “رصد” استطلاعًا لرأي محررين بالقطاع الاقتصادي من صحف مختلفة؛ حيث يقول أحد المحررين بجريدة “الوطن”، رفض ذكر اسمه: إن الصحافة الاقتصادية في مصر أصبحت أداة أقوى من الصحافة السياسية، خاصةً أن 80% من معاناة الشعب حاليًّا فيما يخص الأحوال الاقتصادية والمعيشية اليومية.
وأشار إلى أنه إذا حدثت ثورة أخرى فستكون ثورة اقتصادية في المقام الأول اعتراضًا على القرارات الكارثية التي تتخذها الدولة بشكل متوالٍ، والتي كان آخرها قضية “سد النهضة الإثيوبي” الذي يهدد الأمن المائي للشعب المصري بأكمله.
وأضاف المحرر الاقتصادي حمدي شاهين أن محرري الاقتصاد خلال الفترة الماضية حاولوا إظهار الإيجابيات التي يتم الإعلان عنها بشكل موسع ومنتشر، آملين تحقيقها على حسب ما قالت السلطات الدولة، ولكنهم الآن يواجهون العديد من الأخبار السلبية والتي لا مفر من نشرها كما هي لتوضيح الحقائق من خلالها للشعب، وهو الأمر الذي يضع الدولة في مأزق؛ مما يعني أنها من الممكن أن تلجأ لأساليب القهر والمنع والحجب في الأجل الطويل.
وتضيف محررة بإحدى الجرائد الاقتصادية المعروفة أن الفترة القادمة من الممكن أن تشهد اعتقالات كثيرة للصحفيين، وذلك غير مستبعد عقب إلقاء القبض على الزميل حسام بهجت الصحفي بالمصري اليوم، بتهمه نشر أخبار كاذبة، وفقًا لأقوال النيابة.
وتابعت الصحفية التي رفضت ذكر اسمها: “إن الإعلام الواقعي غير المزيف أصبح في خطر الحجب، خاصة أن الإعلام المحابي للدولة يصر على عمليات التعتيم المتعمده للكوارث خوفًا من السلطات؛ الأمر الذي لا يترك فرصة أمام محرري القطاع الاقتصادي سوى إظهار الحقائق الاقتصادية كما هي دون تغيير”.
أسباب الوضع
ويرجع تدني مستوى الصحافة الاقتصادية ذلك إلى استغلال الحكومة المصرية الإعلام كأداة مطوعة لها، وذلك منذ بدأت رئاسة عبد الفتاح السيسي، خاصة في القطاع الاقتصادى والذي يقع على عاتقه نجاح أو فشل النظام بالكامل، حيث لا يوجد استقرار سياسي إلا في حالة وجود استقرار اقتصادي ورضا عام من الشعب.
وتلعب الصحافة الاقتصادية هنا دورًا بارزًا؛ حيث تتولى مسؤولية الإعلان والترويج لجميع الخطوات الاقتصادية التي تقوم بها الدولة من ناحية، وقرارات المستثمرين من ناحية أخرى، وبث وميض الأمل في صدور الأفراد نحو مستقبل اقتصادي أفضل.
وقامت الصحافة الاقتصادية خلال الفترة الماضية بعملية شحن إيجابية، وذلك من خلال متابعتها، والإعلان عن كل القرارات التي أصدرتها الدولة بالشكل الذي يصب في صالح الشان الاقتصادي للمواطنين.
وروجت الصحافة الاقتصادية مؤخرًا لأكبر المشروعات القومية التي ستقدم عليها الدولة، مثل مشروع المليون وحدة سكنية واستصلاح المليون فدان، ومشروع حفر تفريعة قناة السويس الموازية، ومشروع العاصمة الإدارية ومشروع المثلث الذهبي.
واستمرت القطاعات الاقتصادية في كل دور النشر المقروءة والمسموعة في الدول في ترديد تلك المشروعات على مسمع ومرأى من كل فئات الشعب بكل الوسائل؛ بهدف إظهار مدى إيجابية عبدالفتاح السيسي، والترويج لازدهار المستقبل القريب، حتى حدثت النتائج غير المحمودة والتي كان من الممكن توقعها، وهي أن أغلب هذه القرارات والمشروعات التي تم الإعلان عنها، ما هي إلا وهْم يباع للأفراد لدعم النظام الحالي وتثبيت قاعدته.
مستقبل الصحافة
وقال ممدوح الولي، الخبير الاقتصادي ونقيب الصحفيين الأسبق: إن المشهد العام من بعد أحداث الثالث من يوليو، أجبر الصحافة الاقتصادية خاصة على حظر كل لسان يتحدث عن الحقيقة أو يقول رأيه، فلا تستطيع أن تنشر رأيًا معارضًا للنظام، والمثال واضح من منع الكتاب من كتابة مقالات الرأي في صحيفة الأهرام على عكس ما كان سابقًا، ففي عهد الانقلاب لا نرى إلا صوت الانقلاب، على حد قوله.
وأضاف “الولي” في اتصال هاتفي مع شبكة “رصد”: “الصحفيون الاقتصاديون وغيرهم في باقي الأقسام في مصر لا يجرؤون على الاتصال بي، فهم لن يُنشر لهم سوى ما يحب أن يراه النظام المصري، وحينما أصدرت مؤسسة ستاندر تقريرها عن مصر، لم تفرد صفحات الصحف الحكومية أو الخاصة صفحاتها لهذا الخبر، وكذلك الحال مع تراجع قناة السويس”.
وأكد “الولي” أن الصحافة الاقتصادية ستستمرفي التجميل والتهليل وإخفاء الحقيقة ما دام هناك سيطرة سياسية عليها لا تقبل برأي معارض، بحسب ما قال.
الصحافة الإلكترونية هي الأمل
ويقول عبد الحافظ الصاوي، الخبير الاقتصادي، إن الصحافة الاقتصادية نوعان؛ الأول: الصحافة الورقية والمرتبطة بالمصالح بين القائمين عليها وأصحاب الإعلانات، وقلما ما تنشر موضوعات ذات موضوعية بسبب السيطرة.
وأضاف، في تصريحات لشبكة “رصد”: “على سبيل المثال تناول حدث انخفاض إيرادات قناة السويس التي قارنتها الصحف المصرية من شهر لشهر، بينما الأصح هو المقارنة بين عام والعام الذي قبله”.
وأشار إلى أن النوع الثاني هو الصحافة الإلكترونية، وفرصتها أكبر؛ لأنها غير مرتبطة بإعلانات أو حظر ومساحة عرض الحقائق.
وأوضح “الصاوي” أن الصحافة الاقتصادية الإلكترونية سيكون لها مستقبل جيد، لافتًا إلى أن القراء -خاصة الشباب- يلجؤون إليها بشكل أسرع لتعدد مصادرها، وللحصول على الأخبار الجيدة.
المستقبل مربوط بالانتعاشة
وربط مصطفى عبدالسلام، الكاتب الصحفي والخبير الاقتصادي، مستقبل الصحافة الاقتصادية بالحالة الاقتصادية لمصر، قائلاً: “إذا كان الوضع الاقتصادي منتعشًا فستنتعش الصحافة الاقتصادية، والعكس صحيح”.
وقال “عبد السلام” -في تصريح خاص لـ”رصد”-: “الظاهرة الصحية في الصحافة المصرية هي تنوع الصحافة خلال العشرين عاما الماضية، والتي أبرزت جيلاً متخصصًا أفاد الصحافة العربية، فلو نظرت في الصحف الخليجية فمعظم صحفيييها في الأقسام الاقتصادية مصريون، ولكن في النهاية الصحافة الاقتصادية ما زالت ضعيفة في التوزيع والتأثير بسبب سيطرة الإعلانات والمساهمين”.
وتابع “عبدالسلام” تصريحاته قائلاً: “إذا أردنا صحافة اقتصادية حرة فيجب فصل الإعلان والإدارة عن التحرير؛ حيث تضررت هذه الصحافة من تدخل المساهمين في السياسة التحريرية”.
وشدد على ضروة تدريب الصحفيين المصريين منذ بدايتهم، لافتا إلى أنه يجب تدريب الصحفيين وتزويدهم باللغات الأجنبية وتقنيات الصحافة، قائلاً: “أنا أستغرب أن صحفًا اقتصادية كبرى ليس لها موقع اقتصادي محترم”.
وأضاف: “من ضمن انتقاداتي للصحف الاقتصادية في مصر أنها تركز على الاقتصادي الكلي الفني، ولا تركز إطلاقا على الاقتصاد المجتمعي أو السياسي، ولا تنافش مسألة انعكاس الوضع الاقتصادي، وتتجاهل رجل الشارع العادي، وتوجه سياساتها التحريرية نحو شريحة محدودة، وهم رجال الأعمال، وبالتالي رجل الشارع العادي لا يعير لها اهتمامًا”.
واستبعد “عبدالسلام” أن يتعرض الصحفيون الاقتصاديون للمضايقات الأمنية، مبررًا ذلك بأن غالبية هؤلاء الصحفيين يتحدثون عن الاقتصاد الكلي الذي يخدم الحكومة خاصة في الصحف الحكومية.
واختتم “عبد السلام” قائلا: “هناك انتكاسة في آخر سنتين ونص؛ لأن صانع القرار السياسي لا يريد أن يسمع انتقادًا، سواء من الصحف الحكومية أو الخاصة”، مؤكدًا أن حالة الصحافة الاقتصادية تؤثر في نسبة التوزيع بسبب عزوف المواطن عنها جرَّاء ضعف مصداقيتها؛ الأمر الذي ينعكس على الإعلان، فالجريدة الآن تخسر القارئ والمعلن؛ مما يجعلها ترتمي على رجل الأعمال أكثر؛ لأنه سيكون البديل عن الإثنين من خلال تمويله.