لأول مرة منذ عام 1968، يزور بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الأراضي المحتلة، هذا ما أعلنته الكنيسة منذ قليل، حيث يرأس البابا تواضروس الثاني وفدًا كنسيًا يتألف من ثلاثة أساقفة وكاهن وشماس للسفر إلى القدس للصلاة على مطرانها الراحل الأنبا إبراهام الذي توفي أمس الأربعاء.
كسر لقرار المجمع المقدس
ويعتبر سفر البابا تواضروس إلى القدس كسرًا لقرار المجمع المقدس في جلسته بتاريخ 26 مارس 1980 الذي منع فيها المجمع سفر المسيحيين للحج في الأراضي المقدسة التزامًا بمقاطعة قطاعات واسعة من الشعب المصري زيارة فلسطين عقب اتفاقية كامب ديفيد، وفي أعقاب رفض البابا شنودة الراحل السفر إلى جوار الرئيس السادات في نهاية السبعينيات، الأمر الذي كان بداية الخلاف بين البابا والرئيس والذي انتهى بإبعاد البابا إلى دير وادي النطرون في سبتمبر 1971، كما أن البابا كيرلس السادس الذي سبق البابا شنودة كان له موقفًا مماثلًا، حيث رفض زيارة القدس عام 1967 بعد وقوعها في يد الاحتلال الإسرائيلي.
تأشيرة إسرائيلية برفقة السفير الإسرائيلي
وأنهى البابا “تواضروس” والوفد المرافق له والذي يضم 8 من كبار القساوسة إجراءات سفرهم من صالة كبار الزوار على رحلة طيران إير سينا رقم 054 والمتجهة إلى تل أبيب.
وغادر على نفس الرحلة، السفير حاييم كورين، سفير إسرائيل، متوجها إلى تل أبيب لقضاء عطلته الأسبوعية، حيث وصل السفير بصحبة طاقم السفارة والمكون من تسعة أعضاء في موكب سيارات من مقر إقامته بالمعادي، وأنهى السفير إجراءات سفره من صالة كبار الزوار على طائرة إير سينا المتجهة إلى تل أبيب.
غضب سياسيين ونشطاء
سفر البابا تواضروس إلى القدس أثار موجة من التعليقات المتباينة، التي جاءت أغلبها رافضا للزيارة ومعارضا لها، في حين أيد البعض قرار البابا.
من جانبها، قالت نيفين ملك -القيادية في حزب الوسط المصري وعضو في جبهة الضمير- إنها ترى أن قرار البابا تواضروس يتماشى مع تغير مزاج الشعب المصري والنظام الذي أصبح لديه عزوف على دعم القضية الفلسطينية، وأصبح يروج له الإعلام بأن إسرائيل ليست عدوا.
انقلاب على الثوابت التاريخية للكنيسة
وأوضحت ملك في تصريح خاص لـ”رصد”، أن هناك انقلابا على الثوابت التاريخية للكنيسة التي كانت منذ اللحظات الأولى للاحتلال الصهيوني ضد زيارة القدس، مشيرة إلى أن البابا شنودة أعلن أكثر من مرة أنه ضد التطبيع وأنه لن يدخل القدس إلا مع المسلمين بعد تحرير القدس.
وأضافت أن الموقف اليوم تجاوز الخطوط الحمراء وهو غير مقبول، مؤكدة أن إحياء القضية الفلسطينية في المقاطعة، وهي قضية حق ومقاومة احتلال والعالم كله يدرك ذلك، وأن التطبيع مع هذا الكيان والتعامل معه وإكسابه الشرعية فيه إماتة للقضية.
وأكدت علي أن العنصر المسيحي جزء لا يتجزء من الشرق الأوسط والعرب وفلسطين، ولن يقبل أبدًا بالتطبيع مع الاحتلال.
البعض يرحب بالقرار
وفي المقابل رحب الناشط السياسي مينا منسي بزيارة البابا تواضروس للكنيسة، حيث أكد أن الأنبا إبرام مطران الكنيسة المصرية بالقدس توفي، وهذا كان أستاذ البابا تواضروس في حياة الرهبنة وتربطهما علاقة شخصية وحميمية وأبوية.
وأوضح منسي أن مطران القدس توفي هناك وسيدفن هناك، وبحكم العلاقة الحميمية بينه وبين البابا تواضروس قرر الثاني أن يحضر الجنازة في القدس.
وأضاف أنه لا يعرف سبب رفض الإسلاميين سفر البابا، مشيرًا إلى أن الموضوع شخصي وهو حر في قراراته الشخصية.
وأوضح مينا: “أنا شخصيا ضد قرار منع الكنيسة للمسيحيين من زيارة الأماكن المقدسة بالقدس، ولما ظروفي تسمح ويكون لي مزاج أروح هروح وهخبط بقرارات الكنيسة عرض الحائط، واللي يعرف أبويا يروح يقوله”.
خروج وانتهاك للقرار الوطني
وفي المقابل، قال محمد سيف الدولة الباحث المتخصص في الشأن القومي العربي- إنه يرفض بشكل قاطع قرار البابا تؤاضروس بزيارة القدس تحت الاحتلال، كما رفض من قبل زيارة الشيخ علي جمعة.
وأضاف سيف الدولة في تصريح خاص لـ”رصد” أن هذه الزيارة هي خروج وانتهاك للقرار الوطني الذي اتخذه البابا شنودة بحظر السفر إلى فلسطين أو إلى القدس تحت الاحتلال، وتأكيده أن المسيحيين لن يدخلوها إلا بعد أن تتحرر وجنبا إلى جنب مع أخوتهم من المصريين المسلمين.
التمهيد للزيارة منذ وفاة البابا شنودة
وأوضح سيف الدولة أن هذه الزيارة يتم التمهيد لها منذ سنوات وبالتحديد بعد ثورة ويناير، وعقب وفاة البابا شنودة حيث بدأت جهات مشبوهة بترتيب زيارات حج دينية لبعض المسيحيين إلى القدس، ووقتها أعلن تواضروس أن الكنيسة لا تزال تلتزم بقرار الحظر إلا أنها ستسمح باستثناءات لكبار السن من المسيحيين الذين يخشون أن يتولاهم الله قبل أن يتمكنوا من زيارة القدس، ولكن ثبت الآن أنها لم تكن تصريحات أو مواقف جادة، بعد أن قرر البابا بنفسه زيارة القدس ودخولها بتأشيرة إسرائيلية.
التطبيع من بوابة الدين
أكد أنه موقف تطبيعي من الطراز الأول وخطورته أنه يتم من بوابة الدين والتطبيع الديني ومن رأس الكنيسة الأرثوذكسية ذاتها وهو ما سيفتح الباب على مصراعيه لمن يريد من الإخوة المسيحيين الذهاب إلى القدس، إذ سيعتبرون أن زيارة البابا بمثابة الضوء الخضر للجميع، وأنه قرار ضمني بإلغاء قرار الحظر الوطني الذي أصدره البابا شنودة.
وأضاف أنه لا يجب في هذا المجال أن ننسى أن هناك قرارا وطنيا قديما تم اتخاذه بالإجماع بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بعدم زيارة فلسطين تحت الاحتلال، واعتبارها بمثابة تطبيع يَصب في مصلحة الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني المسمى بإسرائيل، وهو قرار اتخذته كل القوى الوطنية بكثافة تياراتها بمسلميها ومسيحييها، بأحزابها ونقاباتها ومثقفيها ومفكريها وفنانيها، ولا نزال نتذكر الجرسة والعزل الوطني الذي تعرض له علي سالم حين تحدى هذا القرار وزار إسرائيل.
وأشار سيف الدولة إلى أن الحجة التي يبرر بها البابا زيارته إلى القدس بتقديم العزاء هي حجة متهافتة، فلكل منا أهل وأصدقاء وأخوة وأشقاء في الأرض المحتلة استشهد منهم الآلاف على امتداد العقود الماضية في جرائم العدوان الصهيونية المتكررة، ومع ذلك لم يكسر أي منا هذا الحظر بل تمسكنا فيه ورفضنا زيارتهم من أجل هدف أسمى وهو عزل إسرائيل وحصارها شعبيا ورفض الاعتراف بها والصلح والتطبيع معها.
وأضاف أنه لذلك تبذل السلطات الصهيونية أقصى جهودها لمحاولة اختراق هذا الرفض والحصار الشعبي المصري والعربي، ولكنها حتى الآن كانت تفشل دائما، ولا أحد يدعو ويحرض على مثل هذه الزيارات التطبيعية المشبوهة سوى أولئك الذين باعوا فلسطين واعترفوا بشرعية إسرائيل وبشرعية احتلالها لفلسطين ١٩٤٨، من جماعة وأنظمة وسلطات كامب ديفيد وأوسلو.
وشدد سيف الدولة على أولئك الذين يكذبون ويضللون الرأي العام بأن هذه الزيارات تدعم الشعب الفلسطيني، وأن يكفوا عن أكاذيبهم المفضوحة، فإسرائيل التي تدعوهم لزيارتها وتستقبلهم في مطاراتها وتعطيهم التأشيرات هي ذاتها التي تحرم وتحظر على الفلسطينيين أنفسهم زيارة القدس وتمنع الصلاة في المسجد الأقصى يوم الجمعة، إلا لمن هو فوق الخمسين من عمره، وتستبيح باحاته وتتآمر لتقسيمه زمنيا تمهيدا للاستيلاء عليه وهدمه وبناء الهيكل المزعوم.
تواضروس يقرر كسر الحصار والمقاطعة المفروضة على العدو
وأضاف سيف الدولة: “كنت أنتظر من البابا تواضروس أن يصدر مزيدا من القرارات الوطنية ومزيدا من التشديد والحظر على مثل هذه الزيارات، وأن يصدر بيانات بالإدانة للجرائم التي ترتكبها اليوم إسرائيل ضد الانتفاضة الفلسطينية، والتي أوقعت ١٠٠ شهيد في أقل من شهرين، لا أن يقرر كسر الحصار والمقاطعة المفروضة على العدو في ذروة ارتكابه لجرائمه”.
واختتم سيف الدولة حديثه مع “رصد”، قائلًا: “إننى أناشد البابا وكل الإخوة المسيحيين الذين نعلم أنهم لا يقلون وطنية عن أي مصري آخر أن يتراجع عن هذا القرار، حتى لا تكون فتنة وطنية يستخدمها المغرضون، كما أناشد وأدعو كل أصدقائنا وأخوتنا من المثقفين والشخصيات الوطنية المسيحية للضغط من أجل وقف هذه الزيارة، وأدعو الجميع أن نتكاتف جميعا مسلمين ومسيحيين مصريين وعرب من أجل الوقوف مع الشعب الفلسطيني ودعم نضاله وانتفاضته حتى النصر والتحرير بإذن الله”.