نصحني أحد الفاهمين أن أكتب سلسلة مقالات أحطم بها أصنام الثورة.. ففكرت أن أبدأ بتحطيم صنم الثورة نفسه.. أتمنى أن يتسع صدركم لتحمل وجهة نظري…
كنت من غير المهتمين بالسياسة.. وكل ما أعرفه عن حكم مصر يتلخص في اسم مبارك الرئيس.. أما نظيف فكنت لا أفرق بين إذا ما كان مسحوقًا للغسيل أم رئيسًا للوزراء.. لم يكن الأمر يعنيني حقًا.. فقد كانت لدي قناعة أن لا شيء سيتغير يومًا..
شعرت يومًا بالملل وبحكم حبي للقراءة اشتريت بعض الكتب الدينية والأدبية.. لم يخطر ببالي أن أمد يدي يومًا إلى رف للكتب السياسية.. إلا أن كتابًا صغيرًا استوقفني عنوانه “بروتوكولات حكماء صهيون”.. اشتريته وقرأته.. ففتح أمامي أبوابًا لم أتخيل أن أفكر فيها يومًا.. لم أره كتابًا معجزًا وقتها ولكني رايته خططًا لليهود صبروا عليها حتى آتت أكلها.. نحيت الكتاب جانبًا.. واستمريت في تجاهل أمور السياسة فهي لم تكن ضمن دائرة اهتماماتي بالأساس..
ويومًا.. انتشرت دعوات على موقع تواصل اجتماعي تنادي فيه الشباب لنزول ميدان التحرير.. نزل الشباب.. تصنعت عدم الاهتمام وتابعت أول يوم بفتور.. ولكن كان هناك أمل في نفسي يعافر ليتحرر من قبضة لا مبالاتي.. وبالفعل نجح.. وجدت نفسي لا شعوريًا أبحث عن كل قناة تنقل الحدث.. عربية كانت أم أجنبية.. أبحث على شبكة الإنترنت عن تاريخ كل شخصية تظهر أمامي على أي شاشة منها.. أبحث عن معنى المصطلحات السياسية.. أعيد قراءة التاريخ.. أشاهد سيلًا من مقاطع الفيديو في محاولة لتكوين وجهة نظر سليمة.. شعرت مع كل معلومة كأني أولد من جديد.. اكتشفت أني كنت جاهلة لدرجة تبعث على الحزن.
تابعت بشغف تطور الأحداث على الأرض.. ولكن في لحظة قفز إلى ذهني ذاك الكتاب الصغير.. كتاب البروتوكولات.. حيث تذكرت عبارة هي غاية في الخطورة “نحن من نصنع الثورات”.. فبحثت عنه وأعدت قراءته.. وبعد أن انتهيت.. شعرت أنه لا بد أن يكون له تكملة.. فكل ما فيه حدث بالفعل.. كنت أريد أن أفهم.. ماذا يحدث الآن؟! فعدت أبحث على الإنترنت.. حتى هداني الله إلى خطة تقسيم الشرق الأوسط الجديد.. حينها وفقط.. بدأت أفهم.. وحينها بدأت أنظر للثورة بشكل مختلف.
أريد قبل أن أكمل أن أؤكد أني كنت وما زلت داعمة للثورة من كل قلبي.. فهي كانت تمثل لي ميلادًا جديدًا لإنسانة مختلفة تتعرف على نفسها وعلى كل من حولها للمرة الأوبى.. كنت أريد للتجربة أن تنجح.. لأني كنت أراها من منظور إسلامي قبل كل شيء.
وإليكم في نقاط ما كان يريبني وقتها..
أولًا.. كانت هناك أوقات كتيرة يستطيع الجيش ببساطة أن يفض فيها الميدان ولم يفعل.. بل إنه فعلها مرتين بالفعل لمدة ربع ساعة في كل مرة ثم انسحب؛ حسب شهادة الشيخ صفوت حجازي.. إذًا لماذا انسحب؟!
ثانيًا.. التظاهرات في بدايتها كانت ضعيفة، ومع ذلك لم يتصد لها أحد بشكل قوي كما كان في السابق..
ثالثًا.. كلما كان يصدر رد فعل من جانب النظام يهدئ الجمهور.. كانت تعقبه كارثة تعيد شحن الثورة، ولعل أوضح مثال ما حدث يوم جمعة الغضب.
رابعًا.. حملت الثورة مشاهد كثيرة تكررت كنسخة الكربون في بلاد الربيع العربي جميعها.. فلا يمكن أن يكون لدى هذه الثورات توارد أحداث إلى هذه الدرجة !
خامسًا.. لم أصدق أن مبارك الذي يملك مؤسسات الدولة كلها لم يستطع أن يفض جمهرة ضعيفة في بدايتها وأن ينتهي به الأمر بهذا الشكل المأساوي.
سادسًا.. وسامحوني.. نحن شعب مهلهل الفكر.. كيف لنا أن نستوعب ثورة.. ونحن لم نشترك في أي فعل سياسي من قبل.
سابعًا.. كاميرات كل القنوات العالمية المثبتة على ميدان التحرير.. حتى إنها كانت تستطيع أن تصور حادثة كسحل فتاة في الميدان من كل الزوايا !
ثامنًا.. نظرات أعين طنطاوي وهو يطمئن جنوده.. ألا تخافوا سيكون كل شيء على ما يرام.. تلك النظرات الخبيثة التي تشبه نظراته الغادرة يوم وقف إلى جانب مرسي في سيناء وقت اختطاف الجنود.
تاسعًا.. بعد تنحي مبارك.. تصرف الجيش بشكل منظم جدًا وغير مرتبك وكأنه يدري جيدًا ما يفعل.
عاشرًا.. نقل محتويات مقرات أمن الدولة في سيارات الجيش وهو من تولى عملية فرم الأوراق.
الحادي عشر.. انبهار العالم المبالغ فيه بشكل زائد على الحد وتلك الجملة التي انتشرت مثل النار في الهشيم.. أننا فاجأنا العالم.. وفاجأنا الجميع!.. كيف وأجهزة مخابراتهم تعلم كل صغيرة وكبيرة عنا.. كيف وهم يعلمون عنا أكثر مما نعلم عن أنفسنا.
توقف العالم وقتها عن التنفس وكأنه يراقب أكبر عملية جراجية تحدث في المنطقة.. ليس انبهارًا وإنما للتأكد من أن كل شيء يسير حسب الخطة الموضوعة.
الثاني عشر.. عندما قرأت عن الثورات وجدت أنها لا بد أن تكون عنيفة.. ولا بد أن يكون لها رأس؛ لأنه من غير المنطقي أن وقوف مليون من تسعين في ميدان بكل سلمية سيسقط نظام أو سيتسبب في إضراب شامل عن العمل في جميع المحافظات.. حتى إن أعمال العنف التي قام بها الثوار في يناير لم تكن كتلك التي قرأت عنها.
الثالث عشر.. ذلك الأسلوب الذي أدار به المجلس العسكري الأمور ما بعد الثورة وما بعد انتخاب رئيس مدني.
كل ذلك وتفاصيل كثيرة غيرها.. كانت تؤكد لي وجهة نظري يومًا بعد يومًا..
ما حدث باختصار.. أن حامي الحمى استطاع بكل مهارة بالاتفاق مع مموليه من الغرب التلاعب بتسعين مليون مصري وخداعهم.. هو لم يصنع الثورة بيديه.. جل ما فعله هو أن ترك الباب “مواربًا” لحدوث التظاهرات التي كان على علم بالدعوات لها.. والتي أطلقت شرارتها من قبل في تونس.. هو حمى تلك التظاهرات بحياديته التي أظهرها حينها والتي كان باطنها ضرب وسحل وقتل واختفاءات قسرية لا نعلم عن أصحابها إلى اليوم شيئًا.. ثار على مبارك القديم ونظامه ليتمكن هو من تنفيذ خطط الغرب المستقبلية فينا.. حتى إنه ثار على طنطاوي قائده ليتمكن من تغيير عقيدة الجيش إلى الحرب على الإرهاب.. تلاعب بنا وبعواطفنا وبأبنائنا وشبابنا.. إلى أن وصل إلى أهدافه…
والآن أستطيع أن أجيب عن السؤال الذي طرحته ..
ترى.. هل كانت ثورة؟!
بلى كانت ثورة.. ثورة على مؤامرة حيكت منذ عقود طويلة.. مؤامرة ارتدت ثورة في وجوههم ..
جل ما أتمناه.. أن نبدأ في تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية.. أن نفيق ولا ننحت صنمًا لثورة يناير نقدم له القرابين كأيام الجاهلية.. ألا نرتعب من كشف الوجوه أيا كانت.. ألا نصبغ الجميع بالصبغة الملائكية.. ألا نخشى من أن نشير بأصبعنا إلى الخائن لنقول له اخرج من بيننا.. أن نكف عن ترقيع ثوب مهلهل وأن نجمع ما يكفي لشراء ثوب نظيف سليم…
نريد لمرة في حياتنا أن نحكي لأبنائنا تفاصيل أحداث تاريخية دون زيف أو مبالغة.. أن نقف بهم على آخر سلمة ارتقيناها ونودعهم ليكملوا هم بعد أن نتثبت من صلاحية السلم للصمود أمام عواصف الظلم…
ترى يمكن أن يحدث هذا أم أنني ما زلت أحلم بالأبيض والأسود !!!