شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

شهر يناير الرجيم

شهر يناير الرجيم
تقول فلسفة حكم عبد الفتاح السيسي: تحقيق الاستقرار يتطلب قتل الثورة، أو لكي "تحيا مصر" لا بد أن "تموت يناير".

تقول فلسفة حكم عبد الفتاح السيسي: تحقيق الاستقرار يتطلب قتل الثورة، أو لكي “تحيا مصر” لا بد أن “تموت يناير”.

لا يختلف هذا المنطق عما ينقله الباحث والمترجم الفلسطيني، صالح النعامي، عن عتاة الكراهية الصهيونية، فيقول إن “آدي دربان.. السفاح الذي كان يتلقى أوامره من رئيس وزراء إسرائيل الأول، بن غوريون، وقتل أكبر عدد من الفلسطينيين، يقول في مقابلة مع معاريف: تحقيق السلام يتطلب قتل العرب”.

يكره أهل السلطة، في مصر والدول العربية، شهر يناير، كونه تحول منذ العام 2011 إلى شهر للتغيير، وانتقل من برد الشتاء وانكماشه إلى حيوية الربيع وتدفقه، فيه تحرّرت تونس (مفتتح ثورات التغيير) من استبداد بن علي وفساده، وفيه تزيّنت مصر، وخرجت إلى عرس ديمقراطيتها، ولم يعد أهلها إلا بعد أن خلعوا مبارك، كنز إسرائيل الدافئ، والممثل الكوميدي الهزيل، المفضل لدى جمهور العروش العربية، الباحثة عن “دوبلير”، يتلقى صفعات وضربات الاتهام بالتطبيع مع العدو الصهيوني، بدلًا منها، ولا مانع من أن تدفع فواتير التطبيع، من دون أن تمارسه هي.

يناير تكرهه إسرائيل، كما تكرهه لميس جابر، وعبد الفتاح السيسي والمجلس العسكري الذي جاء منه، يكرهونه كراهية الخائفين المرعوبين، إلى درجة أن لميس جابر، المعينة حديثًا في برلمان السيسي، تكتب “ليس من الضروري، في نهاية هذه السنة، أن نبدأ السنة التالية بشهر يناير، بل يجب أن نخش على طول في فبراير، واللي يحصل يحصل، وهيحصل إيه يعني؟”.

انظر لقائمة الذين عينهم عبد الفتاح السيسي في برلمانه، ستجد الغالبية من الكارهين المحترفين لثورة يناير، ما يجعلني أكرر ما قلته مرارًا من أن عمليات التهويد “والأسرلة” للتاريخ والجغرافيا في فلسطين المحتلة، لا تختلف عن سياسات وإجراءات المحو التام لعلامات ثورة 25 يناير المصرية، التي تقوم بها دولة الثلاثين من يونيو في مصر.

يجسد ذلك الارتباط، مثلا أن كراهية لميس جابر فلسطين لا تزيد أو تنقص عن كراهيتها ثورة يناير “ملعون أبو فلسطين على أبو أم القومية العربية، كما هو ملعون أبو أم ثورة يناير”، كما تردد لميس وأقرانها في إعلام السيسي.

قبل ثلاث سنوات، وفي العيد الأول لثورة يناير، استوقفتني حالة التلمظ من الشهر، والكراهية لميدان التحرير، فاكتشفت أن الكراهية لم تعد حصرًا على سلطة المجلس العسكري في مصر، وإنما امتدت إلى الخارج، بعد أن تحول التحرير إلى قبلة الثائرين العرب الباحثين عن الحرية والانعتاق من ربقة الاستبداد، وصار الميدان عنوانًا تهوي إليه الأفئدة المتعطشة لجرعة أمل في الخلاص.

سجلت، وقتها، أن المفارقة تكمن في أن الثورة المصرية التي أشرقت من التحرير تعاني أكثر من شقيقاتها الأصغر في العواصم العربية. وعلى الرغم من هذه المفارقة، فإن الأشقاء العرب الذين يرفعون أعلام ثوراتهم ولافتاتها في الميدان يعتبرون “التحرير” عاصمة للثورات العربية، أو بتعبير مجموعة من الشباب الجزائريين كانوا يرفعون أعلام وطنهم، ويقفون متضامنين مع عالم جزائري معتقل “مصر عادت أمًا للدنيا”.

كانت ترتفع في التحرير أعلام الثورة السورية الباسلة، كما ارتفعت فيه من قبل رايات الثورات التونسية واليمنية والليبية، وكأن الله اختار أرض الميدان لإقامة مبنى جامعة الدول العربية، ليتحول المكان كله، فيما بعد، إلى مقر دائم لجامعة الشعوب العربية.

مكروه شهر يناير، وملعون، سلطويًا، لأنه يذكّرهم دائمًا بالقدرة الشعبية المدهشة على إحداث التغيير، وصناعة الحراك المزلزل لعروش نخرة، فلماذا لا يكرهونه، وينفقون ببذخ، حد السفه، على بلطجية قتل الثورات، ممن صاروا حكامًا؟

قبل ثورة يناير بأسبوعين، وبعد أيام من نجاح “ثورة الياسمين” في تونس، كتبت تعليقًا على قرارات اقتصادية مصرية لابتزاز الشعب، وإغرائه بمقاطعة دعوات التظاهر “سيقولون لك إن هذه الخطوة كانت مقررة مسبقًا، ومقطوعة الصلة بالثورة التونسية، فلا تصدقهم، وتأكد أن أمواج تسونامي تونس تضرب الآن شواطئ عربية أخرى”.

الآن أيضًا تسمع وتشاهد العجب العجاب من ثوار متقاعدين، ينفذون ما يريده السيسي، ويخوّفون الناس من التظاهر، فلا تلتفت واستحضر ثورتك وميدانك، في يناير العظيم.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023