1) تفزع اسرائيل من سكاكين شباب الضفة، فيتساءل المسلم والعربي البسيط بتلقائية: إذن كيف تسلح عشرات الآلاف من القوة الأمنية للسلطة تحوط هؤلاء الشباب.. ألا تخشى أن تتجه بسلاحها نحو اسرائيل؟
ذلك يجيب عليه ذلك المشهد للقوة (الفلسطينية) التي واجهت شباب فلسطين في رام الله وغيرها، إذ هتف شاب بنصرة الأقصى، فانبرى ضابط (فلسطيني) من القوة الأمنية فلعن الشاب وأباه ولعن الأقصى الشريف!
إذن لم تعط اسرائيل سلاحا مجانا بل تأكدت أنهم رضعوا عداء هذا الدين بما يجعلهم متقاربين مع الصهاينة بل يصيرون وكلاء، وخنجرا في ظهر المقاومة؛ فتصير المقاومة محاصرة من الأمام بالصهاينة ومن الخلف بمن يلعن شباب القدس ويلعن الأقصى، ويتولى تصفية القضية والشباب، ويتولون التنسيق مع أسيادهم الصهاينة..
2) تأتي الأسلحة تباعا من الأمريكيين والروس لقوات الإنقلاب في مصر؛ فتتساءل كيف تأمنهم وهل لا تخشى أنهم مسلمون! قد يقيمون دينهم أو يهدمون تلك الزائدة الدودية المسماة باسرائيل مستخدمين ذلك السلاح؟!
تأتي الإجابة في عشرات المشاهد من قتل أبناء الأمة، وحرق المساجد، وإحراق جثث المسلمين وإبادة قرى سيناء المزعجة للصهايينة وحصار أهل غزة وإغراق أرضهم لقطع شرايين الحياة..
3) سل ما بدا لك عما تملك بقية الجيوش العربية ولمن توجه سلاحها، سل أموال المسلمين أين تتجه..
فتخرج بالحقيقة التي يتهرب منها الكثير ويتغافل عنها من يعرفها.. وهي أن حالة العلمانية والقومية هي حالة اضطراب وخلل عقدي، وأن الإضطراب العقدي يساوي الفارق القومي..
وأن الفارق العقدي يقرب طرف العلمانيين والقوميين والليبراليين من المسيحيين والصهاينة أكثر من المسلمين، ولهذا ترى العلمانيين (باختلاف مشاربهم من ليراليين وقوميين وشيوعيين) ينصرون الصهاينة وينصرون القيم والأحكام المسيحية ولو خالفت الحضارة المعاصرة، وينصرون حق أهلها في نصرة قيمهم وأحكامهم بينما يتمعرون من الإسلام وأحكامه وقيمه وينتفضون كرها له ورفضا لأحكامه..
(مثال: بعض بلاد المغرب العربي العلمانية تحرم تعدد الزوجات، وتبيح العاشقة.. ولا علاقة لهذا بالعلمانية فمنع التعدد من أحكام مسيحية، وكان مقتضى كونها علمانية ألا تتدخل في شأن كهذا).
كثيرا ما يكون التلاقي مع غير المسلمين لا يجمعه قاعدة إلا مواجهة الإسلام نفسه اشتراكا في الرفض أو الكراهية أو النفور (ألم تر الى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم) يعني ليسوا مشتركين في العقائد الخاصة بل يجمعهم معاداة هذا الدين ومحاولة منعه من قيادة الحياة وتنظيمها وتوجيهها.. وهذا يفسر لك تشابه الأحقاد والوحشية وقلب الحقائق والكذب الإعلامي بين هؤلاء..
وهذا قد يفسر لك تناصرهم المتبادل مع التيار المتعصب في الكنيسة في الداخل، في مصر، وتواصلهم مع الصهاينة وتسمية قتلى الصهاينة المستوطنين شهداء، والتعهد بحمايتهم، والنظر الى دولتهم أنها دولة متحضرة تمثل مثلا أعلى يحتذى به.. وانتصارهم للقيم الغربية التي هي مزيج من المسيحية الغربية مع المنتجات المعاصرة لعصر النهضة وقيم الرجل الأبيض والعصر الحديث.. بينما لا يقبلون من الإسلام إلا ما مر على الفلتر الغربي وأخذ جواز مرور بأنه مسموح به، وإلا كان إرهابا ورفضوه.. ومبرر كونه إرهابا هو عدم توافقه مع المزاج الغربي المسيحي.
لقد انحسرت القومية والوطنية عن العقائد الكامنة، وعادت الأمور الى العقائد مدارا للصراع.. فتفتت اليمن مذهبيا وحضر الفرس الإيرانيون بالتشيع، وأعلن حزب حسن نصر أنه جزء ايراني متقدم انتصارا للمذهب فوق الوطن، وجاء بشار بروسيا تضرب (قومه) ـ وهو الزعيم القومي! ـ بسبب الخلاف العقدي.. وهكذا إذ بالعقائد تعبر الأوطان لتضْحَى هي محل الصراع، سواء كانت عقائد موروثة أو مستحدثة..
فإذا بالمستبد العلوي يبيد المسلمين كما أبادهم الصليبيون قديما وحديثا والصهاينة حديثا، كما قام المستبد العلماني بنفس المذابح..
الجديد أن الفساد المالي وصل الى درجة من العداء واللاأخلاقية الى نفس الدرجة التي وصل اليها الخلاف العقدي والمذهبي، بنفس الوحشية والدناءة..
ولهذا واجه الأنبياء الانحراف العقدي بجميع صوره في كل العصور، كما واجهوا الفساد بجميع صوره، فواجهوا الفساد المالي (قوم شعيب مثال) والفساد الأخلاقي (قوم لوط مثال) والفساد النفسي بالتكبر والتجبر (قوم عاد مثال) وفساد الترف (قوم ثمود مثال) وفساد السلطة (قوم فرعون مثال)..
في النهاية يأتي الحق فيشق طريقه وسط هذا الظلام، فقط يأتي؛ فيعود الباطل أدراجه الى طبيعته إذ كان زهوقا..