بمجرد جلوس الناشطين المصريين على الخولي ومحمد علي بأحد مقاهي القاهرة حتى قام مجموعة من الرجال يردتدون ملابس مدنية باعتقالهما واحتجزاهما داخل قسم الشرطة. وكل ما أردوا معرفته منهما هو ماذا ينويان أن يفعلا يوم الاثنين القادم؟
وحيث أن الذكرى الخامسة لثورة ٢٥ يناير التي أطاحت بمبارك بعد ٣٠ عاما من حكم مصر تقترب, فإن القمع الأمني الذي يعتبر الأشد في تاريخ مصر هو علامة واضحة على قلق النظام.
“إنهم يستخدمون أساليب التخويف لأنهم هم أنفسهم خائفون,” صرح الخولي لرويترز بعد يوم من إخلاء سبيله. “بصراحة ليس لدي أي فكرة عن سبب اعتقالي أو لماذا تم إخلاء سبيلي, ولكن ليس هناك مبرر لهذا الرعب.”
وبحسب وكالة الأنباء العالمية “رويترز” فوجود الآلاف من معارضي النظام خلف القضبان يجعل احتمالية حدوث احتجاجات واسعة ضعيفة جدا. ومع ذلك يقول المحللون والنشطاء أن القمع الأمني يكشف الشعور بعدم الأمان يتزايد منذ إطاحة عبدالفتاح السيسي الجنرال الذي أصبح رئيسا بالإخوان قبل عامين.
وبعدها زادت شعبية السيسي بشكل كبير. ولكن حيث أن الانتعاش الاقتصادي الذي وعد به لم يتحقق حتى الآن, وأن فهو في حاجة ماسة للقضاء على المعارضة العلنية, كما يقولون.
“هناك مستوى عال من جنون الارتياب لدى النظام. فهذا اعتراف صريح بفشله,” صرح تيموثي قلدس, وهو زميل غير مقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط.
وبعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي بعد احتجاجات شعبية ضده, كانت الجماعة قادرة على تسيير وحشد الآلاف بالشوارع. لكن قوات الأمن قتلت وقتها المئات منهم واعتقلت الآلاف واتهمت الجماعة بممارسة الإرهاب.
لكن السلطة قد وسعت دائة القمع مؤخرا. ففي الأسابيع القليلة الماضية, قامت السلطات باعتقال عشرات من النشطاء وأغلقت المراكز الثقافية وعملت على التأكيد على أئمة المساجد أن يخبروا روادها بأن التظاهر ضد السيسي عمل آثم.
كما قامت الشرطة خلال الأيام الأخيرة بمداهمة العديد من الشقق وسط القاهرة بالقرب من ميدان التحرير, معقل ثورة يناير.
الخولي وعلي – وكلاهما علماني – ليسا ناشطين بارزين والرغم من ذلك فقد طالتهم حملة الاعتقالات واحتجزا لخمسة أيام في قسم الشرطة, وفقا لمحاميهما.
تم الفصل بينهما والتحقيق مع كل منهما على حدة بشأن آرائهما السياسية ورأيهما في السيسي, وما إذا كانا ينويان التظاهر في ٢٥ يناير المقبل أم لا.
القمع وقود التظاهر
وبينما لا يزال السيسي يتمتع بشعبية لدى بعض المصريين, إلا أنه لم يعد يتمتع بنفس القدر من الاحترام والتقدير الذي جعل صورته – التي يكملها البيريه العسكري والنظارات الشمسية – على كل شيئ تقريبا بدءا من الملصقات وحتى الملابس النسائية الخاصة في دولة مسلة متحفظة.
وأحد سلبيات حكمه هو الاقتصاد الذي لا يزال في حالة ركود مع ارتفاع تكاليف المعيشة والرواتب الراكدة, وفقا لقلدس.
كما أن مصر تواجه تمردا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء , وهي شبه جزيرة استراتيجية على الحدود مع غزة وإسرائيل وقناة السويس , حيث قتل المسلحون مئات من الجنود ورجال الشرطة. وقد تعهد السيسي بالقضاء على التطرف ولكن النتائج لا تزال مختلطة.
“هذا نظام يعلم أن لديه شيئ يجب أن يجعله خائفا. فهو يعلم أنه لم يحقق آمال المصريين,” قال أيمن الصياد رئيس تحرير مجلة وجهة نظر السياسية.
لكن معظم المصريين ليسوا نشطاء في معارضة السيسي, قال علي, وكثير من النشطاء قد تعبوا من مواجهة ما تقول عنه المنظمات الحقوقيه أنه دولة قمعية بشكل متزايد في وجود هذه اللامبالاة.
“هذا لا يحدث, لا يمكننا أن نجبر الناس. حتى وإن كنا نعارض النظام فعلينا احترام رغبات الشعب,” صرح الخولي.
وقد تحدثت رويترز أيضا مع ثلاثة نشطاء آخرين طلبوا عدم ذكر أسمائهم خوفا من التعرض لبطش النظام, على عكس الأيام التي خرج فيها مئات الآلاف من المصريين إلى ميدان التحرير.
وقد قالوا جميعا بأنهم سيمكثون بمنازلهم يوم ٢٥ يناير بعدما تم القبض على الكثير من زملائهم وأغلقت جميع أماكن تجمعهم.
العديد ممن تم اعتقالهم ليسوا نشطاء بارزين ولكنهم يديرون صفحات تدعو للتظاهر على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك. فغالبا ما كانت المسيرات والمظاهرات يتم تنظيمها على الانترنت بواسطة النشطاء الشباب ومنصات التواصل الإجتماعي الأخرى.
وقتد تمت مداهمة أو إغلاق أربعة أماكن ثقافية على الأقل تشمل معرضا للفن ودار نشر في وسط القاهرة خلال الشهر الماضي.
“لقد اتخذنا العديد من الإجراءات للتضييق على نشطاء يناير وضمان عدم اجتماعهم , وفتم إغلاق العديد من المقاهي والأماكن التي كانوا يجتمعون بها, كما تم اعتقال عدد منهم لتخويف البقية,” هكذا صرح مسؤول في جهاز الأمن الوطني لرويترز.
وقد حكى لنا موظفون في معرض تاون هاوس الفني كيف ان ٢٠ رجلا معظمهم من رجال الشرطة قد اقتحموا مقر المعرض تحت ذريعة المخالفات الإدارية. ولا يزال المعرض مغلقا.
“تؤمن قوات الأمن بمبدأ ضرب المواطن حتى يعترف, فهم يؤمنون بالخوف والترويع,” قال محمد هشام مالك دار نشر ميريت التي تمت مداهمتها في نفس اليوم الذي كان من المقرر فيه عقد ندوة خاصة بمؤلف كتاب عن الفساد.
وقد انضمت وزارة الأوقاف التي تفرض على الأئمة المحاور التي يجب أن يتحدثوا فيها والآيات التي يجب أن يقتبسوها في خطبتهم الأسبوعية للحملة الأمنية.
فقد حذرت خطب الجمعتين الماضيتين بشكل صريح من التظاهر في ٢٥ يناير. وكانت إحداهما بعنوان “نعمة الأمن والأمان”, وتقول الخطبة بأن أولئك الذين يهدفون إلى زعزعة الاستقرار يرتكبون اثما عظيما.
ويقول محللون سياسيون أن الدولة تنتهج التحذير من التظاهر مع الضغط بشدة على المعارضين لتخويف الناس.
“القمع وقود التظاهر, والتظاهر هو أول خطوات العنف,” يقول الصياد.
“فالنظام خائف من حصاد ما زرع.”