بالنسبة إلى رجل لديه الكثير ليقوم به فإن لدى ديفيد كاميرون أولويات غريبة. خلال هذا الأسبوع وبينما يترنح الاقتصاد العالمي بصورة خطيرة وتجري حملة الإتحاد الأوروبي على نحو جاد, كان ما يشغله هو الادعاء بأن قلة قليلة فقط من النساء المسلمات يتحدثن الإنجليزية. ثم انتقل إلى الحجاب قائلا بأنه إذا وضعت أي سلطة عامة قواعد “مناسبة ومعقولة” لمنع النساء من ارتداء غطاء الوجه فإنه سوف يدعمها في ذلك. لابد وأننا قد فعلنا شيئا جعلنا نستحق هذا القدر الكبير من اهتمامه.
أنا ارتدي غطاء الرأس, وأعرف نساء ترتدين غطاء الوجه “النقاب”. وفي كل مرة تسلط علينا الأضواء بهذا الشكل يكون لنا نفس رد الفعل: “ها نحن من جديد”. لأننا رأينا الجدل حول النقاب يثار على الساحة السياسية في العديد من المناسبات. وقد جهر الكثيرون بمعارضة منع الحجاب والنقاب, لأنه أمر مناقض للقيم البريطانية, بينما دعم المنع آخرون مشيرين إلى نفس السبب. هذه المناقشات لم تقدم شيئا واضحا. لكنها تعني أن هناك مشكلة.
وفي كل مرة تثير القضية ضجة إعلامية وتتعرض النساء المسلمات المحجبات والمنتقبات للمزيد من الكراهية في مناخ تكون فيه من ترتدي الحجاب أو النقاب بالفعل مهددة: فالنساء يشكلون نسبة ٦٠٪ من ضحايا الاعتداءات ضد المسلمين.
عندما بدأت أرتدي غطاء الرأس, فعلت هذا عن قناعة شخصية ودينية. والآن كلما كان عاد الحديث عن الأمر في الإعلام مدفوغ بأجندة سياسية, أشعر بالإحباط أننا لازلنا نكرر نفس الكلام ونجعل من الحجاب أمرا مثيرا للجدل. لكن بالنسبة للنساء اللواتي يرتدين غطاء الوجه فإنهن يواجهن إحباطا أعمق, حيث يجاهدن كي لا يشعرن بالغربة في وطنهم, وما يقير الحنق أن يطلب منهن الاندماج في المجتمع في نفس الوقت.
وصرح كاميرون إلى أنه لن يسير على خطى الفرنسيين في هذا الأمر. “أعتقد أن في لادنا يجب أن يكون للمرء الحرية ليرتدي ما يريد, وأن يعيشوا بالطريقة التي تعجبهم دون تخطي الحدود, وما إلى ذلك.” ولكن تعليقاته لم تحمل نفس المعنى. لدي نصيحة له. إن استهداف أقلية من النساء المحاصرات سياسيا لارتدائهن غطاء الوجه لن يجعل حظهن أو حطه أفضل. وأول شيئ يجب أن يفعله هو أن يحاول أن يبني تعليقاته المستقبلية على أسس واقعية وموثوقة مثلا. وأشار كاميرون إلى التقارير الحكومية التي قامت بحصر عدد النساء المسلمات اللواتي لا يتحدثن الإنجليزية أو يتحدقنها قليلا وقالت أن نسبتهن ٢٢٪. بينما حدد المجلس الإسلامي في بريطانيا عدد النساء المسلمات اللواتي يجدن صعوبة في التحدث بالانجليزية بـ ٦٪ فقط.
أعتقد أن رأيه فيما يخص تشجيع تعلم أساسيات اللغة الإنجليزية هو رأي صائب. لكن فكرة أن عدم تعلم أساسيات اللغة يقود إلى التطرف الذي يؤدي في النهاية إلى الإرهاب هي فكرة في غير موضعها على أقل تقدير. أعتقد أنه يمكننا القول أن سوء التربية هو ما قد يؤدي للتطرف – لكن عدم تعلم الإنجليزية في حذ ذاته ليس علامة على كون الأم سيئة. كما أشارت باستياء سعيدة وارسي – الرئيس المشارك لحزب المحافظين البريطاني – مستشهدة بعائلتها أن الأمهات المسملات التي لا يمكنهن اجتياز اختبار كاميرون للغة قد ربين أطفالا ساهموا بشكل كبير في المجتمع البريطاني على جميع المستويات.
ولا يعني عدم معرفة اللغة الإنجليزية عدم القدرة على التواصل بين الأم وطفلها, حيث أن الوالدين بغض النظر عن العرق أو الدين لا يعلمون طوال الوقت ما يقوم به أبناؤهم. والأم التي لا تعرف الانجليزية لا يزال بإمكانها الحديث مع أبنائها.
لا أريد أن أكون سلبية. فمهما كانت دوافعه, فإن تسليط كاميرون الضوء على كراهية النساء – وهي علة إجتماعية تعم المجتمع بأسره – ربما يكون له فوائد عملية, وبخاصة إذا كان يتحدى النظام الأبوي المتجذر في المجتمع والذي يستخف بحقوق المرأة ويشكل ما يطلق عليه مجالس الشريعة – وهو نضال قادته النساء المسلمات لسنوات. وإنه لأمر محمود أن يرغب كاميرون في منع ختان الإناث والزواج القسري. ولكنه خطأ كبير أن يربط هذه الجرائم غير المقبولة بالتمييز العنصري. فهناك أمر يجب أن يفهمه, وهو التعقيدات وراء الفكرة النمطية لتحكم الرجال في الزوجات والاخوات والبنات.
وإذا كان صادقا في أنه يريد مساعدة القطاعات المحرومة في المجتمع, فيجب أن ينظر إلى الحرمان والفقر على مستوى أوسع. معالجة الحرمان من التعليم والتصدي لعدم المساواة وتمويل المشارع الإجتماعية وخلق فرص للفئات الضعيفة من جميع الثقافات والخلفيات – هذه بعض الأشياء التي إذا اجتمعت مع قيادة صلبة يمكنها أن تدعم وجود مجتمعات أقوى وأكثر ثقة. ولكن باعترافه الشخصي, فالحكومة خفضت ٤٥ مليون جنيه استرليني من الميزانية لتعليم اللغة الإنجليزية.
يقول كاميرون أنه يريد لكل “ولد وفتاة أن يكبروا ليشعروا بالفخر ببلدنا هذه وأن يتواصلوا معها بشكل صحيح.” وكذلك أنا. ولكن أفضل طريقة لتعزيز هذا الأمر هي بناء سرديات بديلة فعالة لتعزز وضع النساء وتقوي المجتمع, بدلا من التورط في محاولات ساذجة لفرض حراسة على مجموعة بعينها علنا في إعلام على يرحم. ويمكن أن يجعلنا أكثر قربا من بريطانيا التي نريدها بأن يتحدث أقل وبمزيد من الحكمة.