أي خطيئة تلك التي ارتكبها أبوتريكة، حين قرر ألا يركض ويرقص ويحتفل على عشبٍ مبللٍ بدماء الضحايا؟ وأي جريمة اقترفها، حين اختار أن ينحاز لمشاعر جماهير الكرة الحقيقية، أصحاب الحق وأصحاب الفضل على كل هؤلاء السادة الذين تأنقوا، ولمعوا أدمغتهم بورنيش الحماقة، وجلسوا على مصاطب التحليل والتنظير، يعلمون الناس الوطنية والفضيلة، وجلهم من مدرسة “زي ما قال الريس منتخبنا كويس”، ابتداء من وزيرٍ للرياضة ينتمي، قلباً وروحاً وعقلاً، لمنظومة جمال مبارك الفاسدة، وليس انتهاء بنجوم العار الذين وضعوا مصر في وحل معركة الجزائر الشهيرة؟
إن هيبة الدولة ليست جملة شديدة الإسفاف والابتذال، تلوكها ألسنة كباتن الهانم ونجليها، ولا تصنعها فرمانات وقرارات، تنفذ على جثث الشهداء والضحايا، بل تصنعها سياسات تقيم العدل، وتستجيب لحقوق الناس ومطالبهم.
ويخطئ من يتصور أن هيبة دولةٍ يمكن أن تتحقق، من دون مراعاة هيبة الدم وقدسيته، والانتصار لكرامة المواطن والقصاص لشهداء الجريمة السياسية التي نفذتها أصابع محترفة في بورسعيد. وفي العالم المتحضر، يلعبون كرة القدم من أجل إسعاد الجماهير، وليس من أجل أمراء اللعبة وسماسرتها والعاملين عليها.. هي صناعة وتجارة نعم.
لكنها، تقوم بالأساس على ما يتكبده الجمهور البسيط من مشقة، فإذا كان هذا الجمهور، وهو العنصر الأول والأهم في المعادلة، لا يريد هذه “التجارة”، قبل أن يسترد حقوق شهدائه، فلا معنى، إذن، للإصرار على استئناف هذا النشاط، إلا أن السادة الملمعين المتأنقين يحتقرون هذه الجماهير الغاضبة.
غير أن أكثر ما يلفت النظر في المسألة كلها أنهم يتلمظون ويشتعلون غيظاً وغضباً من رجلٍ قرّر أن يتخذ موقفاً أخلاقياً محترماً، اسمه محمد أبوتريكة، وعليه قرّروا أن يطردوه من جنتهم الزائفة، وينبذوه في العراء.
فليهنأوا بتجرع كأس “سوبرهم” الملوثة حتى الثمالة.. والمجد لمحمد أبوتريكة والألتراس.