شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

لماذا أعدم جمال عبد الناصر سيد قطب؟

لماذا أعدم جمال عبد الناصر سيد قطب؟
كان نضالاً طويلاً مريراً استحوذ على العمر قبل الجسد، وكانت اللحظات الأخيرة في حياته أشد وطأة وتنكيلاً، ينظر من حوله، فلا يجد غير زنزانته التي خصه بها القدر والعسكر. وكان، بالأمس القريب، صديق الدرب وصاحب الفكر الحاني والحامي

كان نضالاً طويلاً مريراً استحوذ على العمر قبل الجسد، وكانت اللحظات الأخيرة في حياته أشد وطأة وتنكيلاً، ينظر من حوله، فلا يجد غير زنزانته التي خصه بها القدر والعسكر. وكان، بالأمس القريب، صديق الدرب وصاحب الفكر الحاني والحامي، يرفع قلمه ليخط آخر كلماته التي لا يمكن لها إلا أن تكون علقماً، يدق مضاجع من سجنوه، ونكلوا به. وفي آخر الشريط أعدموه.

يكتب سيد قطب مخاطباً أخته أمينة، ومن ورائها جمهوراً عظيماً من المريدين الأولين والآخرين، يكتب باعتزاز شديد بنفسه كما كان دوماً “عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود، أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه لهذه الأرض”.

لم يكن سيد قطب ليلج هذه الموالج العظيمة، لولا ابتعاده عن التيار الذي كان سائداً في مصر، وسيره في أحيانا كثيرة عكس التيار الذي كان مسيطراً، ولو تصفحنا مسيره حياته، فهي، من دون شك، مليئة بالاعتقالات والسجون والتعذيب، والتي ختمها رحمه الله بالإعدام. سيد قطب، كمفكر وكاتب، استطاع بعبقرية شديدة وحكمة أشاد بها كثيرون أن يكون فرداً مؤثراً في الوسط السياسي، بل أكثر من ذلك صديقاً مفكراً للرئيس جمال عبد الناصر، وواجهة فكرية لثورة يوليو. وكثيراً ما كان سيد قطب محوراً يلتف حوله الضباط الأحرار، للأخذ بمشورته ونصائحه وحكمته. وقد يسأل محب أو مبغض لماذا وضع سيد قطب يده بيد العسكر؟ إن اتحاد الملك فاروق والحكومة البريطانية خلف إرثاً رهيباً وبائساً على حياة المصريين، على جميع الجوانب والأصعدة، فكان لابد من تغيير ما، وبأي طريقة تضمن عودة الأمل المفقود الذي انتظره سيد قطب طويلاً، وما كان له إلا أن يستجيب لنداء أبناء مصر البررة الذين خلصوها من طواغيتها، أو كما تهيأ لـسيد قطب. وسرعان ما انقطع حبل الود الذي كان يجمع سيد قطب وضباط يوليو، أو بشكل أدق بين قطب المفكر وعبد الناصر الحاكم. وهنا، يجب التدقيق في التقاطع الذي قلب المعادلة، وجعلها في حكم التضاد، أصبح واضحاً أن عبد الناصر قد أخل بتعهداته التي قطعها على سيد قطب، بإجراء إصلاحات سياسية، وفتح المجال للعمل الحزبي والإعلامي الحر. وبدأ نجمه يسطع، وجماهير كبيرة وعريضة تؤيده وترضى عنه، وترى فيه شيئاً خرافياً، وهو الأمر الذي ضاق به قطب ذرعاً.

أقتطف بعض كلماته في ديباجة كتابه (معالم على الطريق)، وكأني به يصف عبد الناصر يقول: “هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية، وهي الحاكمية. إنها تسند الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضهم لبعض أرباباً، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى. ولكن، في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن به الله، فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله اعتداء على عباده”.

وهنا، يمكنك أن تستشف، من دون عناء، لماذا أعدم سيد قطب ورفاقه، ولماذا تأثر الإخوان المسلمون في مصر بأفكاره، لأنها كانت تزلزل العسكر في كل زمان ومكان من الوطن العربي، وتجعلهم يلعنون أفكاره ويحرقون كتبه، ويبحثون عن كل صغير استمع، ولو لكلمة منه. حمل منذ فهم المعادلة بذور ثورة ساطعة ضد الطغاة والديكتاتوريين الذين ساموا العباد في رزقهم وعافيتهم العذاب.

إن سيد قطب لم تكن له طريقة أخرى للموت إلا القتل و الإعدام لإنه ببساطة صاحب فكر خالد و مغاير لجميغ الخطابات التي سادت في عهد الظلام و الإنقياد ، لست اعرف رجلا اثر في الجماهير و العقول في مصر مثلما فعل سيد قطب ، وربما لو بحثنا في تاريخ الأمم سنجد نماذج مشابهة تماما فلا يوجد فرق بينه وبين المهتاما غاندي و مارتن لوثر كينغ و مالكوم أكس و نيلسون مانديلا و كل هذه النماذج العبقرية و التي تركت بصمة عميقة في حياة الشعوب و الإنسانية جمعاء قتلت حتى يبقى العالم يتيما من دون أفكارهم البيضاء و نظالهم المستميت في اسقاط كل قيم ومبادئ العنصرية و الديكتاتورية و الظلم و الإستعباد ، هو ذاك سيد قطب من تلك الطينة التي لا تتكر كثيرا  وقد بالإمكان أن يساوم و ينال الكثير ولكن إختار الرجل حياة أخرى بعد الممات فخلد ذكره وانتشرت أفكاره كالنار في الهشيم .

ولا يخفى أن سيد قطب، وهو في محبسه، توسط له كثيرون عند عبد الناصر، من أجل الإفراج عنه، ومن أهمهم ملك السعودية، فيصل بن عبد العزيز، ورئيس العراق، عبد السلام عارف، لمعرفتهم بفضله وبعد نظره، لكنه أعدم. أعاد انقلاب مصر، أخيراً، سيد قطب إلى الواجهة، من خلال تجديد عمليه التشويه التي كان يتبناها كل رؤساء مصر الذين ينحدرون من مؤسسة الجيش، فقلت، في نفسي، سيطول العداء بين العسكر والأمير ورفاقه. إنها ملحمة طويلة أشبه ما تكون بحرب داحس والغبراء وحرب البسوس.

    هشام سراي 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023