كتب الصحفي البريطاني غابريل غيت هاوس مقالًا عن الوضع الليبي بعد 5 سنوات من رحيل القذافي، وقال إنه شارك ثوّار سرت فرحتهم بنجاح الثورة وكان شاهد عيان على رفع مسدس القذافي الذهبي بعد مقتله، متسائلًا في إسقاطٍ على الحالة الليبية أين ذهب مسدس القذافي رمز نجاح ثورة الليبيين؟
هاوس قال في مقال له بموقع “بي بي سي” الأربعاء 3 فبراير 2016، إنه قام بزيارة لنفس المناطق التي زارها أثناء الثورة الليبية باحثًا عن الثوار الذين رصدهم سابقًا، وبشكل خاص ذلك الشاب الثائر الذي كان يحمل مسدس القذافي.
واستعاد غابريل رحلته مع الثوار؛ حيث نجح في الوصول إلى بعض منهم، وفي نفس الوقت نجح في الوصول إلى محمد الذي اعتقد الجميع أنه من قتل العقيد، وفي النهاية وصل إلى طريق المسدس الذهبي.
أين ذهب مسدس القذافي الذهبي؟
وفي هذا السياق يقول “غابريل”:
حينما احتفى الثوار الليبيون بمقتل معمر القذافي، تم رفع المسدس الذهبي للعقيد القذافي رمزًا للانتصار كنت أراقب المشهد حينما تناقلوه فيما بينهم، وبعد مضي 4 سنوات، عدت إلى ليبيا للعثور على الرجل الذي حصل على المسدس الذهبي.
ويوجد على هاتفي المحمول صورة التقطتها في ليبيا في 20 أكتوبر عام 2011 يظهر بها شاب يرتدي قميصًا أزرق وقبعة بيسبول ويبتسم أثناء حمله فوق أكتاف رفاقه في أنحاء مدينة سرت، هؤلاء الرجال ثوّار مقاتلون من مصراتة، فقد تم اعتقال وقتل العقيد القذافي للتو، ويمكنك أن تراهم بالصورة يتناقلون مسدسًا ذهبيًا.
لقد كان مسدس القذافي الشخصي، وفي تلك اللحظة، أصبح رمزًا لانتصار الثوار وانتقال السلطة في ليبيا الجديدة.
وبعد انقضاء أكثر من 4 سنوات، لا تزال الدولة تعاني من الفوضى، وتتصارع الحكومات المتنافسة- التي تدعمها ميليشياتها الخاصة- من أجل تحقيق الهيمنة، وتتفتت ليبيا جراء الانقسامات العقائدية والجغرافية، الشرق ضد الغرب، والإسلاميون ضد العلمانيين، ويستغل “تنظيم الدولة” فراغ السلطة ويسيطر على مدينة سرت، مسقط رأس القذافي.
عدت إلى مصراتة وسط هذه الفوضى -وتقع مصراتة على بعد 200 كيلومتر شرقي طرابلس- وتعد حاليًا مدينة شبه مستقلة، إنني أبحث عن الرجل الذي يحمل المسدس الذهبي وأريد أن أعرف ما حدث له ولغيره من المقاتلين الذين اعتقلوا القذافي، كانت زيارتي الأولى لصديق قديم يدعى أنور صوان، الذي كان شخصية بارزة في مصراتة خلال الثورة، وحينما لقي القذافي مصرعه، جلب المقاتلون جثمانه إلى أنور، الذي قام بعرضه داخل ثلاجة لحوم كبرى.
ولا يزال مقر أنور كما كان خلال تلك الأيام؛ حيث يضم مجموعة من حاويات الشحن شبه المفروشة الموجودة على شريط ساحلي يطل على البحر المتوسط، وصلنا ليلًا أثناء هطول الأمطار وبرودة الجو القارصة وانقطاع الكهرباء، ولذا تجمّعنا حول الفحم المشتعل في الظلام نتناول الشاي الساخن.
وقال أنور بينما نلقي نظرة على الصور القديمة ونتذكر أيامًا أكثر سعادة: “الموقف سيئ للغاية”، وأضاف: “لقد قطعوا رأس الأفعى، القذافي؛ ولكن هناك الآن مئات من الحيات التي حلت محله.. لا زلنا نقاتل من أجل نفس الغاية، وهي الحصول على حاكم عادل، ومع ذلك يريد الجميع تولي السلطة، وهناك أسلحة في كل مكان. ياله من موقف!”.
أخبرت أنور أنني أبحث عن مسدس محدد: وهو المسدس الذهبي الخاص بالقذافي.
وذكر اسم عمران شعبان، أحد المقاتلين الذين اعتقلوا القذافي؛ ففي بعض المقاطع المصوّرة لتلك الأحداث التي صورها الثوار على هواتفهم المحمولة، يمكن سماع صوت شعبان وهو يحاول منع الناس من قتل القذافي.
وأراني شخصًا آخر كان هناك في ذلك اليوم ويدعى أيمن الماني المقطع الذي قام بتصويره والذي لم يتم عرضه من قبل. ويبين ذلك المقطع اللحظات الأخيرة في حياة الدكتاتور بصورة أكثر وضوحا؛ حيث يمكن رؤيته وهو ينزف ويتوسل.
وقال أيمن وهو يعود بذاكرته للوراء: “كان يستحق ذلك. الإسلام يعلمنا ألا نسيء معاملة الأسير وألا نحمل له أي ضغينة، ومع ذلك، انجرف الناس ولم يستطع أحد منعهم”، وأصبح عمران شعبان بطلًا وتم تصويره وهو يحمل المسدس الذهبي وبات يجسد الأمل في أن يستطيع الليبيون مداواة جروحهم بعد شهور من القتال المرير.
وفي 2012، ألقى الموالون للقذافي القبض على شعبان بمدينة بني وليد وضربوه وعذبوه، وحينما تفاوض أهالي مصراتة على إطلاق سراحه، كان قد فات الأوان، فقد مات متأثرًا بجراحه داخل مستشفى فرنسي.
أخبرني أنور صوان أنه يعتقد أن المسدس كان مع شعبان حينما تم أسره. وربما أن المسدس قد عاد الآن في حوزة أنصار القذافي؟
ثم عرضت عليه ورفاقه صورة الرجل الذي يرتدي قبعة البيسبول وتعرف عليه أحد الأشخاص بقوله: “محمد البيبي”، وكان ذلك بالفعل الاسم الذي استخدمته ضمن التقرير الذي أرسلته إلى لندن في ذلك اليوم من عام 2011، وقال أنور أنه لا يعرف ما حدث لمحمد ولكنه وعد باستقصاء الأمر.
وذكر صديق آخر كان قد أمسك بالمسدس أنه يعتقد أن المسدس لا يزال بالمدينة ولكنه لا يعرف في حوزة من يكون.
أخيرا، حصلت على رقم هاتف محمد البيبي ووافق على لقائي بمنزله بوسط المدينة.
جلسنا وجعلته يرى صورته وهو يحمل المسدس الذهبي.
وابتسم قائلاً: “أتذكر ذلك. كنت في السابعة عشر من عمري”.
أخبرني أنه لا علاقة له بمقتل القذافي. فقد وجد مسدسه على الأرض بالقرب من مكان اعتقاله، وخلال الفوضى التي حدثت في ذلك اليوم، حينما رأى الثوار المسدس معه، اعتقدوا أن محمد هو الذي قتل القذافي. وأصبح بطلاً للثورة بمحض الصدفة”.
سألته: “وماذا عن المسدس؟”، واتضح أنه لا يزال بحوزته، وأراني إياه، إنه مسدس براوننج 9 مم مغطى بطبقة من الذهب.
ظهر أن المسدس كان هدية -يعتقد محمد أنها من أحد أبناء القذافي- بمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين للثورة التي جاءت به إلى السلطة. وبعد نحو 10 سنوات، كانت صورة محمد وهو يلوح بنفس المسدس بشيرًا بنهاية عصر القذافي.
ومع ذلك، كان محمد قلقًا من الغنيمة التي حصل عليها، فلا يزال مؤيدو القذافي موجودين وقد تلقى تهديدات بالقتل.
وقال محمد: “أرجوك اخبر العالم أنني لم أقتل القذافي”.
هل كان يتصور أنه بعد انقضاء 5 سنوات ستظل ليبيا تعاني من حرب أهلية؟
أجاب محمد بقوله: “لم أكن اتصور ذلك، ويؤسفني ذلك حقًا، حينما أرى الليبيون يقتلون أخوانهم من الليبيين، يكون الأمر مؤسفًا للغاية، يريد الجميع أن يكونوا مثل القذافي”.