أظن أنه لم يعد خافيا أن هناك مبادرات جديدة لحث الإخوان على قبول التصالح مع النظام، أو مع شركائه وحلفائه السابقين من العلمانيين، الذين أعطوا غطاء سياسيا لكل ما حدث من قتل واعتقال، وانسداد في الحياة السياسية والأفق السياسي، ثم بدؤوا يستفيقون الآن!
في اعتقادي أن مبادرة حمزاوي – التي لم يلتفت لها أحد تقريبا – كانت مجرد “قنبلة غاز” لمبادرات جديدة، سواء مبادرة محسوب المزمع إعلانها أو غيرها، كي يتنازل الإخوان بشكل غير مباشر عن الثورة.
وجود مبادرات بين النظام والإخوان سببه الرئيسي الضغوط التي تقودها السعودية للتقارب بين النظامين التركي والمصري، رغبة في تكوين تحالف ثلاثي من الدول السنية الأكبر في المنطقة، يساندها في صراعها السياسي ضد إيران.
فيبدو أن السعودية أدركت أخيرا أن إيران تستمد قوتها من نفوذها في الدول العربية المجاورة لها، وأن التصدي لها يكون بدعم عربي مقابل، مما يجعل المحاولات السعودية للتقارب مع باكستان لمواجهة النفوذ الإيراني لعب خارج السياق، ومجهود لا طائل منه!
لكن التقارب الذي تبغيه السعودية مع الجماعة السنية الأكبر في المنطقة، والعالم ربما، يواجه عقبة تمسك الإخوان بالشرعية ورحيل السيسي، وهو ما يفشل أي مبادرات من هذا النوع، بالضبط كما أفشل ما عرف بوثيقة العشرة! وفي المقابل فإن تغير موقف تركيا المبدئي تجاه الانقلابات العسكرية دون تغير موقف الإخوان أنفسهم سيكون مكلف للغاية للقوة الناعمة التركية!
***
لقد فهم المزارع المصري البسيط في حقله أن الحدأة (وهو طائر مشهور في الريف المصري) لا تلقي كتاكيت، بل تخطفهم كلما سنحت لها الفرصة. وبالمثل فإن الانقلاب وداعميه إذا كانوا على خير حال، واستطاعوا إخماد الثورة كما يزعمون لما تقدموا بأي مبادرات!
وجود مبادرات يعني فيما يعني أن الأمور ليست على مايرام عند الطرف الآخر (الانقلاب)، وأن داعميه الخليجيين غير قادرين على الاستمرار في دعمه على المكشوف، في ظل أزمات خانقة يتعرضون لها، ويدركون أن استمرار الأوضاع في مصر على ماهو عليه يسير بالأمور في اتجاه غير معروف العواقب.
أعتقد أن بعض الإخوان بالخارج – بافتراض الإخلاص وحسن النية طبعا – يصيبهم الألم لمشاهد القتل والتعذيب والاعتقال التي تحدث في مصر، وفي المقابل فإن قدرته على المناورة قليلة، نظرا لوجوده خارج الصراع الفعلي على الأرض، مما يجعله متحمسا لأي نوع من المبادرات يرى فيها بصيص فجر كاذب لإنهاء الأزمة، وهو الفخ المنسوج بإحكام، كي يخسر الإخوان كل شيء!
أي مبادرة لا تتضمن عودة الشرعية مرفوضة من حيث المبدأ، وأي اصطفاف ليس على أساس عودة الشرعية هو اصطفاف زائف، وإذا كانت الأمور على ما يرام، ما تقدموا بمبادرات! فالحدأة لا ترمي مبادرات!