تخيّل معي الآن أن عبد الفتاح السيسي هو المدرب، وأن مصر هي نادي الزمالك، الذي هو هبة مرتضى منصور، الذي لا يتحمل بقاء الفاشلين، ولا يقبل باستمرار أنصاف الناجحين، وانظر إلى أداء وكفاءة وإنجاز المدرب السيسي، بمسطرة الرئيس مرتضى.
يمضغ مرتضى منصور مدربي نادي الزمالك، كما يلتهم شاب متحمس وجبات سريعة على قارعة الطريق.
يمارس هواية تغيير المدربين، كإدمان صبغ الشعر وتغيير لون البشرة، وطلاء الأظافر، لا يطيق أن يبقى مدرب في مكانه، إن تعرض لخسارة مفاجئة، أو فرّط في نقطة بمباراة، مع أي منافس، كبيراً كان أم صغيراً.
مسكون طوال الوقت بأنه أعظم رئيس لأكبر نادٍ في العالم، ممتلئ بيقين أنه سيد المدربين، وأمهر اللاعبين، ومن دونه لا يساوي النادي شيئاً.. مثله مثل عبد الفتاح السيسي، يعتقد أن مصر وُلدت على يديه، وأنه العلّامة الفهّامة النابغة، يعرف في انهيارات الكباري، كما يفتي في حلاوة طعم مياه المجاري، حكيم الحكماء، فيلسوف الفلاسفة، طبيب الأطباء، هو المُعلم الأول والصانع الأول والزارع الأول، استلم مصر أشلاء دولة، كما استلم مرتضى منصور الزمالك، أنقاض نادٍ، لذا فالتقويم يبدأ من قدومهما، والتاريخ يفتتح صفحته الأولى.
استهلك عبد الفتاح السيسي ثلاثة رؤساء حكومات في عامين، كما استعمل مرتضى منصور عدداً أكبر من المدربين خلال الفترة ذاتها.
يلوّح عبد الفتاح السيسي، طوال الوقت، بأنه سيفعل كل شيء ويتخذ كل القرارات بنفسه، إن تردد المسؤول أو تباطأ، تماماً كما أعلن مرتضى منصور بعد فرار أنجح وأفضل مدربي الفريق، أوزفالدو فيريرا، أنه يمكن أن يتولى مسؤولية تدريب الفريق بنفسه، فالكل فاشل وعاجز وجاهل وبليد إلا السيد الرئيس، المرسَل من العناية الإلهية للإنقاذ.
قطع مرتضى رأس أحمد حسام “ميدو” عقب تفريطه في ثلاث نقاط أمام الغريم النادي الأهلي، ولديك السيسي وقد فرّط في نقاط مياه النيل كاملة، ودعا الناس إلى شرب مياه مخلفاتهم، ومجاريهم.
طرد مرتضى المدرب الأرجنتيني العالمي “باكيتا”، لأن انخفاضاً في رصيد نقاط الفريق حدث بعد توليه مهمة التدريب، ولديك السيسي وقد صنع هبوطاً تاريخياً في إنتاج مصر من القمح، بلغ أنّ “الأهرام” نشرت نعياً له.
بجملة واحدة: السيسي هو صاحب الرصيد الأكبر من وثائق الفشل، فلماذا لا يعامل “الريس مرتضى” مصر كما يعامل نادي الزمالك، وينتشلها من القائد البليد؟
لماذا لا يطالب مرتضى بإقالته، أو حتى يدعوه إلى التنحي، حفاظاً على سمعة “القلعة البيضاء”؟
القصة باختصار أن “مصر السيسي” هي “زمالك مرتضى”، كلاهما ميدان للإدارة بالوهم والدجل و”الفهلوة”، بالتعبير المصري الدارج، يحقن الحاكم والرئيس الجماهير المخدوعة بجرعات مكثفة من الخرافات والأساطير، وفي الوقت ذاته يمارسان حرب إبادة ضد الجماهير التي تثبت إصابتها بفيروس الوعي والفهم والمطالبة بمجتمع آدمي متحضّر وعادل ونظيف.
كيف يتنحى الطغاة وهم يعلمون أن بعد تنحيهم محاسبة ومحاكمة، حتى وإن كانت هزلية، إلا أنها تبقى مؤلمة، وأمامهما نموذج سيدهما، حسني مبارك، الذي يصادف اليوم مرور خمس سنوات على تنحيه، أو تخليه، أو خلعه، وهذا هو الأصح.
إن وجود عبد الفتاح السيسي على رأس الحكم في مصر ضرورة لكل من يريدونها عاجزة متقزّمة، ذليلة، مطيعة، لذا لا تستغرب أبداً هذه الرعاية الإسرائيلية الشاملة، والعناية الفائقة به، كونه الهدية التي نزلت عليهم من السماء، بعد أن فقدوا مبارك، الذي أطاح به المصريون رغم أنوفهم.
هو أيضاً محل عناية كل أعضاء “نادي أصدقاء البذاءة والقبح” الذين يرتبط بقاؤهم منتعشين منتفخين استعلاء وغطرسة، بوجود شكل أقل ما يوصف به أنه الراعي الرسمي للبلادة والانحطاط. لذا، وكما ذكرت سابقاً، هو لديهم يتمتع بمكانة الصنم المقدس، التميمة، أو “المبروك” في تراث الخرافة الشعبية، الذي لا يجيد الكلام، ولا الفعل، ولا التفكير، لكنه مثل “الخرزة الزرقاء” يكفي وجودها على باب الدار لجلب الرزق، كما يعتقد ضحايا الدجل والشعوذة.