دائمًا ما كان المصريون يعانون في أغلب الأحوال من سوء الخدمات، ويعاملون بوحشية في أسوأ الأحوال من قبل حكامهم، سواء في عهد العثمانيين، أو الحقبة الناصرية، أو تحت حكم حسني مبارك الذي حكم البلاد لثلاثين عامًا.
لذلك بدلاً من السؤال عن سبب فشل الثورة المصرية التي قامت منذ خمس سنوات، دعونا نشير إلى أن الذين حكموا مصر بعد الثورة، وكانوا من المفترض أن يقودوها، فشلوا كما فشل أسلافهم.
لقد عانى المواطنون المصريون من سوء حكم أول رئيس مدني منتخب، الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
لم يكن محمد مرسي فاسدًا بقدر ما كان غير متمتع بالكفاءة، فكان متعجرفًا وعرضة للاستيلاء على السلطة، مما ليس له علاقة بالإسلام بقدر ما له علاقة بالغباء، لم يكن بالتأكيد “إرهابيًا”، كما وصفه عبدالفتاح السيسي وأفراد جماعته.
وقد خيب السياسيون العلمانيون والليبراليون آمال المصريين، حين فضلوا مصالحهم الشخصية على العمل الجاد لتكوين تحالفات وأحزاب ومنصات قوية.
لقد اعتنقوا قيمًا ديمقراطية وتعددية، لكنهم طبقوها بشكل انتقائي، ففي عام ٢٠١٣م، على سبيل المثال، اختاروا دعم عزل مرسي بالقوة بدلاً من أن يترك الحكم من خلال صندوق الاقتراع.
وعلى سبيل المثال نجد محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل، الذي لعب دور السياسي الخجول لعامين، واكتفى بنشر طموحاته السخيفة على موقع تويتر بدلاً من أن يشمر عن ساعديه ويشارك في العملية السياسية.
ثم شارك في حكومة السيسي المؤقتة، ليتسقيل فقد بعد مذبحة رابعة، والتي قتل فيها حوالي ٨٠٠ من أنصار جماعة الإخوان المسلمين على يد قوات الأمن.
لقد أحس المصريون بالخذلان من جيل أبنائهم وبناتهم، فهؤلاء النشطاء بدا أنهم ماهرون في تنظيم الاحتجاجات من خلال الانترنت والنزول للشارع، بغض النظر عن السبب، إلا أنهم لم تتوفر لديهم نفس المهارة لحماية مكتسبات احتجاجاتهم.
فبعدما ناضلوا ضد الجيش عامي ٢٠١١م و ٢٠١٢م، التحق كثيرون منهم بالحركة التي دعمها الجيش لعزل محمد مرسي في ربيع ٢٠١٣م، حتى أنهم احتجوا على التفويض الذي طلبه السيسي، ثم لم يكن هناك بد من شعورهم بالحنق تجاه السيسي الذي يحكمهم الآن، لم يكن أحد منهم يستحق أن يسجن، في حين أن كثير منهم فترت همته.
عندما كنت أقوم بالتغطية الصحفية لاحتجاجات التحرير عام ٢٠١١م، خطر لي أن استقيل من عملي التليفزيوني، وأن أعود إلى مصر لأشهد ما بدا وقتها مستقبلاً واعدًا، فقد عشت بسعادة في القاهرة كطالب أدرس اللغة العربية في تسعينات القرن الماضي، وكنت أتطلع إلى العمل في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ذلك الحرم الذي يعبق بالطاقة والحيوية لما بعد الثورة.
وعندما وصلت إلى القاهرة في سبتمبر ٢٠١١م، كان شعار “الشعب والجيش إيد واحدة”، والتحالفات التي تكونت ف التحرير قد انهارت بصورة سيئة.
فقد كانت المحكمة العليا التابعة للجيش والمجلس العسكري الذي كان يحكم بشكل مؤقت بعد مبارك يقمعون المتظاهرين دون محاسبة، وبدا هذا بشكل سافر فيما عرف بمذبحة ماسبيرو، التي قامت فيها المدرعات بدهس المحجتجين الأقباط الفارين.
وبعدما اكتسحت جماعة الإخوان المسلمين انتخابات ٢٠١١م و ٢٠١٢م، أصبحت الشيطنة السياسية هي المنصة المفضلة لأحزاب المعارضة العلمانية الضعيفة.
وما أثر بي أنني وجدت مجموعة طائشة من المواطنين المتمتعين بالسلطة يتحدثون بصخب في السياسة، بالإضافة إلى وسائل إعلام متحررة، وطبقة من المفكرين يتقمصون شخصيات ثورية لامعة، مرتدين ثياباً ملائمة (أناقة الثورة).
أحد أساتذة الجامعة الذي تحول إلى سياسي ذي شعر طويل ومعطف قصير ظهر وهو يلقي محاضراته من السيارة من خلال الاتصال بأحد الطلبة على هاتفه، ويقوم الطالب بفتح الميكروفون ليستمع باقي الطلبة إلى المحاضرة.
أما السفير السابق التي تحول إلى عميد والذي جسد قيم الحريات المدنية والديمقراطية في بدلة أنيقة، قد شارك في الحكومة الانتقالية التي تلت عزل محمد مرسي بالقوة.
بينما تعاون مجموعة من نشطاء التحرير الذين يرتدون الدينيم ويضعون “الجل” على شعرهم مع الجيش في إشعال حركة “شعبية” ضد مرسي، وحتى القادة الذين عينتهم الثورة قادة لها خذلوا المواطنين المصريين.
وحتى الوقت الذي غادرت فيه القاهرة عام ٢٠١٣م، كان معظم الذين أعرفهم في الجامعة يدعمون عودة الحكم العسكري، وبدا أنهم يقبلون الاجراءات العنيفة والمناقضة للحريات التي قد يتخذها في سبيل ذلك، كما قال أحد المثقفين الواعين “لبراليو مصر غير الليبراليين”.
النظام الحالي في مصر بقيادة السيسي يجعل نظام مبارك يبدو لطيفًا، فالقمع الشديد يتم تبريره تحت اسم الأمن والاستقرار، وأصبحت الاحتجاجات مخالفة للقانون، وتم حظر الجماعات السياسية أو إضعافها، والاستقطاب دعمه الإعلام التابع للسلطة.
وقد ساعدت الفوضى العارمة في المنطقة على استمرار السيسي في السلطة، فليبيا وسوريا واليمن تعد تذكارًا كافيًا للمصريين في حال نسوا ما تؤول إليه الحركات الديموقراطية غير الناضجة.
كما أن موجة الاعتقالات من المنازل و”الإخفاء القسري” قد استهدفت الصحفيين ونشطاء الحقوق المدنية، مما أجبر الحكومة على الاعتراف بأن هناك المئات ممن تم اعتقالهم بشكل مخالف للقانون.
ويعد اكتشاف جثة جوليو ريجيني، طالب الدكتوراه الإيطالي ذو الثمانية وعشرين عامًا، الأسبوع الماضي، والذي تم إلقاؤه على جانب الطريق وقد بدت عليه آثار التعذيب، أمرًا مثيرًا للقلق، حيث أن قوات الأمن المصرية كانت تحتفظ بوحشيتها لتمارسها على المصريين بشكل حصري.
وبالرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة الإيطالية، إلا أن عائلة ريجيني في الغالب لن تعرف أبدًا ما حدث لنجلها، تمامًا كعشرات الآلاف من المصريين الذين لا يعرفون أبدًا حقيقة القتل خارج إطار القانون الذي يحدث مع ذويهم.
ولا يبدو أنه سيحدث تغييرًا على المدى القصير، فسوف يواصل السيسي غالبًا أداءه الجيد بالخارج أكثر من الداخل، وسوف يضاعف دوره كخط دفاع ضد الدولة الإسلامية في سيناء.
كما أنه أيضًا يناور من أجل مكان له في أي تحالف بالمنطقة يتم تشكيله لحل الأزمات في ليبيا وسوريا واليمن، وسوف يستمر في تلقي الدعم الخارجي بالرغم من حكمه الاستبدادي، وسوف يظل تسعون مليون مصريًا في معاناة مع ارتفاع أسعار الغذاء ونسب البطالة العالية والمواصلات اليومية المستحيلة والخدمة الطبية الضعيفة والتعليم السيئ وحكومة لا تخضع أبدًا للمسائلة.
أين الجانب المضيء؟ هي حقيقة الثورة المصرية البسيطة – وليست نتائجها التي أثارت الجدل كثيرُا، فقد أظهر المصريون قدرة على الإطاحة بالحكام الذين يحكموهم بشكل سيئ، سواء حققوا هذا بالطريقة الصحيحة أو بالسخرية أو بالانقلاب.
ومع الوقت، ومع استمرار تجاوزات السيسي، سوف تتشكل تحالفات جيدة ومتعاونة بين حلفاء غير متوقعين، فقد يصطف المتعاطفون مع جماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى مع المجموعات العلمانية، وقد يرى الجيش ان الإخوان المسلمون حليفُا مفيدُا لهم ضد رئيس مارق.
سوف تبدأ الأصوات تتعالى في الإعلام، وسوف يساهم النقد على مواقع التواصل الاجتماعي في بناء قوة ثورية جديدة، وفي يوم من الأيام، سوف يتم استبدال السيسي – ربما بشكل غير ديمقراطي.
وأرجو أن يخدم بديله أيًا كان المصريون.