تلقّى نظام الأسد صفعة من ممثل روسيا في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، عندما حذّره من أن تصريحاته التي تناولت الاستمرار بالقتال حتى تتم استعادة كامل أراضي سوريا لا تتلاءم مع تصورات روسيا لحل الأزمة السورية، فما هو يا ترى سبب هذه الصفعة في ذروة تقدم جيش النظام السوري على الأرض بمساعدة سلاح الجو والإسناد الروسي؟
– هناك عدة أسباب مترابطة قادت الروس لإطلاق هذا التحذير لنظام الأسد:
السبب الأول هو تصحيح مفهوم نظام بشار الأسد وأعوانه حول حدود التدخل الروسي لصالح الأسد والذي يبدو أنه لا يفهمها أو لا يريد أن يفهمها أو يسيء توظيفها إعلاميًا مما يضر بالأهداف الروسية في سوريا والتي تختلف عن أهداف النظام السوري والحكومة الإيرانية.
الرئيس بوتين هو مهندس السياسة الخارجية الروسية وهي منظومة متكاملة من المبادئ التي تهدف إلى توظيف القوة العسكرية الروسية بطريقة إستراتيجية لتحقيق مكاسب اقتصادية أكبر حجمًا من قدرات الاقتصاد الروسي الحقيقية والمتمثلة في كونها دولة تعتمد على النفط والغاز والطاقة بشكل شبه أحادي، بوتين إذًا يمتلك معادلة القوة العسكرية مصحوبة بالمناورة الإستراتيجية والتي تنتج حماية للاقتصاد الروسي المحدود في عالم يفوقه فيه خصوم سياسيون يمتلكون قدرات اقتصادية تُقزَّم أمامها قدرة وحجم الاقتصاد الروسي.
– أين يقع نظام بشار الأسد في هذه المعادلة؟
يقع على أطرافها الثلاثة كالإنزيم الذي ينشط تفاعل عناصر المعادلة ولكن زيادته أو نقصه ربما تفسد التجربة كاملة.
النظام السوري في خارطة المصالحة الإستراتيجية الروسية يمثل فرصة التدخل في منطقة نفوذ الناتو؛ حيث إن موقع سوريا الحساس بين تركيا بأبعادها الأوروبية و”إسرائيل” ودوّل النفط العربي بأبعادها الأميركية يحقق لروسيا استخدام القوة العسكرية الضاربة التي تستطيع العبث بالهيمنة المطلقة للغرب في الشرق الأوسط.
لكن روسيا لا تستفيد من صراع مرير طويل مكلف في سوريا لأن التورط في حرب مع الجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية لا يحقق أيًا من أهداف روسيا الإستراتيجية بل يساعد في تحطيم معادلة القوة الروسية، نظام الأسد بتصريحاته حول استعادة كامل سوريا يتعارض مع الأهداف الروسية لأن هذه التصريحات سواءً كانت جدية أو إعلامية تشكل طموحات غير واقعية لأن كلفتها المادية والعسكرية تفوق قدرة احتمال الدب الروسي الذي يعاني إقتصاده من أزمة خانقة تسوء يومًا بعد يوم.
التكلفة الاقتصادية لاستعادة سوريا كاملة تحت نظام الأسد لا يمتلك نظام الأسد القدرة على دفع فاتورتها.
لكن تصريحات نظام الأسد حول الرغبة بالقتال والانتصار تضر أيضًا بعنصر المناورة الإستراتيجية التي تستخدمها روسيا لتحقيق أهداف أكثر أهمية من إنقاذ نظام الأسد، مثل رفع العقوبات عن الاقتصاد الروسي والتفاهم مع السعودية والدول المنتجة للنفط لخفض الإنتاج كي ترتفع الإسعار وتدب الحياة من جديد في شرايين الاقتصاد الروسي.
الأميركي والأوروبي يفهمان هذه المعادلة ولذلك يواجهان بوتين على طاولة المفاوضات لا على ساحة الوعي، نظام الأسد لا يفهم أو يرفض أن يفهم هده المعادلة ولذلك بدأ يتصرف وكأن روسيا دولة ممانعة ضد أميركا والغرب أو دولة شيعية تدافع عن المقامات الدينية ومناطق نفوذها الطائفية في العالم العربي.