التهديدات العالمية تتصاعد، وفي قمتها تأتي إشارات وصيحات وضحكات مهرج، لقد أصبحت الولايات المتحدة -بل والعالم- أسيرة لعرض دونالد ترامب الواقعي الذي يسيطر على برامج التليفزيون والصحف أكثر من كل منافسيه مجتمعين، فالرجل الذي من المفترض أن يكون زعيما للعالم الحر لم يقض يوما واحدا، ولا حتى ساعة واحدة في الخدمة العامة. ورجل الدولة حديث الشهرة لم يتلق أي تدريب سياسي من أي نوع.
هم يحبونه لأجل ذلك، فهو رجل ثري وشهير، ولم يلوث سمعته النشاط السياسي.
وعلى موقع فايف ثيرتي إيت، كتب “نيت سيلفر- الخبير بشؤون الانتخابات”، قائلا: “لا يبدو، وليس واردا أن “ترامب” سيكون رئيسا، وما زلت متشككا في ذلك لكن ليس إلى حد كبير”.
وتابع قائلا “تجري الأمور بشكل جيد لصالح دونالد ترامب بشكل أكبر مما تخيلت، وليس ما يدهشني هو حضوره الدائم في السباق بقدر ما يفاجئني عدم وجود أي جهود لمحاولة إيقافه”، والمشكلة هي أن ما يمكنها إيقافه هو المؤسسة الجمهورية.
وأضاف “وماذا سيفعل ترامب -ودعوني أستبق الأحداث لأن سيلفر لا يبدو أنه جاهز لفعل هذا- عندما يصل إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض وتتكدس الملفات أمامه (ربما بالطبع سيزيح هذه الملفات عن مكتبه ملقيا إياها على الأرض ويصرخ في مساعديه قائلا “اطردوا المكسيكيين! ابنوا ذلك الجدار! لا تسمحوا للمسلمين بالدخول! أخبروا الصينيين أن يذهبوا للجحيم! وأحضروا بوتين، ذلك الرجل اللطيف إلى هنا!)
ولكن لنفترض أنه قد قرر أن يحكم.
وقال “لقد حاول سلف ترامب، الذي يسيء إليه يوميا، حاول بجد خلال فترته الرئاسية الأولى، “إعادة تحسين” العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الذي صيغت العبارة من أجله)؛ ومع زعماء الشرق الأوسط الذين كانوا ممتعضين جدا من حرب جورج بوش الابن على الإرهاب؛ بالإضافة إلى الرئيس الصيني شي جين بينج عندما تولى منصبه عام 2012″.
وأشار إلى أنه كان لطيفا جدا مع الأوروبيين، مضيفا “لقد حضرت خطابا ألقاه في لندن في مايو عام 2011، والذي أعلن فيه أن “هناك عددا قليلا فقط من الدول التي تقف بحزم وتتحدث بصوت أعلى، وتكافح بجد للدفاع عن القيم الديمقراطية حول العالم أكثر من الولايات المتحدة وبريطانيا” كما أنه يقدر بشدة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بالرغم من قيام عملائه بالتجسس على مكالماتها الهاتفية، (وقد أظهرت وثائق جديدة مسربة أن وكالة الأمن القومي قد تجسست على برلسكوني أيضا خصوصا على مكالماته الهاتفية مع بوتين).
وأوضح أن معظم زعماء الشرق الأوسط الذين سعى أوباما إلى طمأنتهم قد رحلوا، فقد أطاح بهم الربيع العربي، الذي أشاد به في خطابه في لندن. ثم أطيح بالربيع العربي، وظهرت حكومات مستبدة جديدة أو عمت الفوضى.
وأكد أن الأوروبيين يحبونه (باستثناء حادثة التجسس تلك) لكن الاتحاد الأوروبي على وشك خسارة عملته، بالإضافة إلى خسارته سياسة إلغاء الحدود الداخلية، كما أنه لا يصلح كشريك كامل للولايات المتحدة.
وعن الخاسر في كل هذا الحادث؟ أجاب سيلفر “ربما العالم نفسه”.
وأوضح أن التحديات التي يواجهها زعماء العالم الآن أكبر من أي شيء قد مروا به خلال فترة ما بعد الحرب الباردة.
ويعدد الخبير الروسي روبرت ليجفولد في كتابه الذي سينشر الشهر القادم بعض هذه التحديات: وهي تشمل محاولة السيطرة على العصر النووي الثاني الذي يقترب بسرعة، والذي تسعى فيه دول تكن عداءا داخليا لجيرانها (مثل الهند وباكستان، وفي المستقبل ربما إيران وإسرائيل، وكوريا الشمالية والعالم كله) إلى بناء ترسانات نووية.
وتشمل القائمة أيضا حل مشكلة تغير المناخ، حيث تعي دول العالم تماما أن الوقت أصبح متأخرا جدا لوقف ارتفاع مستوى المحيطات والدمار الذي ستخلفه على الدول الفقيرة والواقعة في مناطق منخفضة بالأساس، ووضع استراتيجيات لتخفيف الأزمات بالإضافة إلى منع الاحتباس الحراري من أن يصبح أكثر سوءا.
كما تحتوي أيضا إجراء مفاوضات مثمرة عن مستقبل المناطق القطبية، والذي يبدو أن روسيا تعمل على عسكرتها من جانب واحد.
ولم يسبق أن عمل زعماء العالم بشكل جماعي كما يعملون الآن؛ فلم يكن العالم مهددا بالدمار الشامل كما هو الآن، ولم يتطلب عملا مشتركا وإنهاء للعداوات، كما يتطلب الآن، لكننا لا نجد أنفسنا في عهد جديد مفعم بالأمل، ولكن في حرب باردة قد تدمر العالم.
بينما الرجل الذي تزداد فرصته يوما بعد يوم في أن يصبح قائدا للعالم الحر يكشر ويلوح ويخور: “نحن نفوز، نفوز، نفوز بالبلاد، وقريبا سوف تبدأ البلاد في الفوز، الفوز، الفوز”.