شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تمهيد الطريق أمام خلافة بوتفليقة

تمهيد الطريق أمام خلافة بوتفليقة
تتخذ النخبة الجزائرية، في مسعى يهدف إلى تعبيد الطريق أمام خليفة بوتفليقة، خطوات متواضعة إنما مهمة من أجل تحقيق الانفتاح السياسي وتنفيذ إصلاحات اقتصادية حذرة.

تتخذ النخبة الجزائرية، في مسعى يهدف إلى تعبيد الطريق أمام خليفة بوتفليقة، خطوات متواضعة إنما مهمة من أجل تحقيق الانفتاح السياسي وتنفيذ إصلاحات اقتصادية حذرة.

فيما تطغى مسألة خلافة بوتفليقة على النقاش العام في الجزائر، تحوّل الخبر الذي كان أقرب إلى الإشاعة طوال أعوام، إلى نقاش أوسع نطاقًا قادرًا على إثارة الاستقطاب في صفوف الطبقة السياسية. هل يمكن أن يخلف سعيد بوتفليقة شقيقه عبدالعزيز رئيسًا للجزائر عندما يحين الوقت؟ تلميحات كثيرة وردت في الصحافة، سواءً من خلال وسائل الإعلام الموالية لبوتفليقة أو على لسان صحفيين مناهضين للنظام، دعمًا لفكرة وصول سعيد بوتفليقة إلى الرئاسة أو اعتراضًا عليها. هذا السيناريو الذي كان مستبعدًا من قبل، والذي غالبًا ما يتم التطرق إليه بعبارات نظرية تجريدية، يصبح واردًا أكثر فأكثر؛ إذ يتوقّع عدد كبير من المراقبين سلسلة من التعديلات في القطاع الأمني، ومن الإجراءات التحررية استعدادًا لعملية انتقال الحكم التي ترتدي طابعًا دقيقًا وحسّاسًا.

سواءً انتقل الحكم إلى سعيد أو شخص آخر، من الواضح أن الفصائل الحاكمة تعمل من أجل تسهيل الانتقال إلى مرحلة ما بعد بوتفليقة. والأولوية بالنسبة إليها هي إرساء الأسس اللازمة من أجل انتقال الحكم بطريقة منظّمة تحد من المخاطر التي يمكن أن تهدّد مصالحها الخاصة. ليس الفصيل الرئاسي والجيش ورجال الأعمال الموالون للنظام مستعدّين لطرح أسماء في هذه المرحلة المبكرة، لأنه من شأن ذلك أن يفسد حظوظ مرشحهم بالفوز؛ إذ إنه سيكون من السهل جدًا على الفصائل والمجموعات الناخبة الأخرى تقويض مصداقية هذا المرشح. علاوةً على ذلك، لا يزال النظام يخضع لعملية حساسة من أجل إعادة ترتيب البيت الداخلي، لا سيما وأنه يجري العمل على ترويض الاستخبارات العسكرية التي كانت تتمتع بنفوذ مطلق في السابق. غالب الظن أن الخطة المفضّلة بالنسبة إلى الفصيل الرئاسي هي أن ينتقل الحكم إلى سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الحالي، لكن قبل طرح اسمه في العلن، يتعيّن على النظام أن يمهّد الطريق لهذه العملية الانتقالية.

يعمل النظام على مسارَين أساسيين لتحضير الجزائريين لعملية انتقال الحكم إلى رئيس جديد في شكل عام، وإلى سعيد بوتفليقة في شكل خاص. أولًا، تهندس السلطات انفتاحًا سياسيًا مضبوطًا بعناية الهدف منه الفوز بدعم عدد كبير من المجموعات الناخبة الأساسية، وذلك عبر الترويج لشعار فارغ عنوانه بناء الدولة المدنية، واقتراح سلسلة من التعديلات الدستورية الشكلية في معظمها. تهدف التعديلات في شكل خاص إلى إقناع السكان الناطقين باللغة الأمازيغية، والنساء، ورجال الأعمال المحليين، بأنه تمت تلبية مطالبهم، وبأن مصلحتهم تقتضي بالتالي أن يدعموا الفصائل الموجودة في السلطة، وذلك عن طريق الاعتراف باللغة الأمازيغية لغةً رسمية في البلاد، وتعزيز حقوق المرأة وتمثيلها في القطاع العام، وترسيخ الأحكام الدستورية حول القطاع الخاص. فضلًا عن ذلك، تحاول سلسلة من الإجراءات استرضاء المعارضة الرسمية عبر ضمان حقها في التعبير عن رأيها في وسائل الإعلام، فيما يتم عزل المعارضة الموجودة خارج البرلمان (على غرار الأعضاء السابقين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة). في الأسابيع الأخيرة، بثّت محطات التلفزة المملوكة من الدولة برامج حوارية عبّر فيها السياسيون المعارضون بحرية عن آرائهم المناهضة للنظام، وهذه خطوة غير معهودة الهدف منها تسليط الضوء على الأجواء السياسية الجديدة في الجزائر. يأمل النظام بأن يُسوِّق لخليفة بوتفليقة في صورة الرئيس الذي سيمضي قدمًا في تنفيذ هذه السياسات الإصلاحية.

ثانيًا، أرجأت السلطات اعتماد إجراءات تقشفية حسّاسة سياسيًا، على الرغم من انهيار أسعار النفط وتزايد العجز المالي. ففي بلدٍ يرزح تحت وطأة الاضطرابات العنيفة التي تتجدد من حين لآخر، من شأن خفض الإنفاق أن يعود بنتائج كارثية على الاستقرار السياسي، ويقوّض احتمالات تحقيق انتقال سلس للسلطة. لقد تمكّنت الحكومة حتى الآن، عبر استخدام صندوق النفط الوطني (صندوق ثروة شبه سيادي يُعرَف بـ”صندوق تنظيم الإيرادات”) لسد الثغرة، من حماية الإنفاق على الرعاية الاجتماعية من الخفوضات. هذا فضلًا عن التدنّي الشديد في مستويات الدين الخارجي، ما يتيح للسلطات إرجاء أية خفوضات مؤلمة في الإنفاق إلى ما بعد الانتهاء من انتقال الحكم، وذلك عبر استنفاد موارد صندوق تنظيم الإيرادات، والاستدانة من الخارج. من شأن هذه الإستراتيجية أن تتيح للنظام كسب الوقت الكافي لإدارة المرحلة الانتقالية وتفادي حدوث موجات من الاضطرابات، نظرًا إلى أن العقد الاجتماعي الضمني بين النظام والشعب -مستويات مرتفعة من الإنفاق في مقابل مساءلة ديمقراطية محدودة- يبقى على حاله.

بيد أنه من شأن متغيّرتَين اثنتين أن تقوّضا هذه الإستراتيجية: دعم الجيش ونجاح خطة التحرير الاقتصادي الخجولة. أولًا، سيكون الدعم من الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، ووزير الدفاع بحكم الأمر الواقع، أساسيًا لأي مرشح تختاره الفصائل الأخرى. في الماضي، أدّت الاستخبارات العسكرية دورًا رئيسًا في معارضة فكرة وصول سعيد بوتفليقة إلى سدة الرئاسة. لكن إطاحة الفريق محمد “توفيق” مدين من رئاسة دائرة الاستعلام والأمن على يد الفريق قايد صالح في سبتمبر 2015 أدّى إلى حلول الجيش مكان الدائرة في موقع المحاور الأساسي للفصيل الرئاسي. ففي حين كانت دائرة الاستعلام والأمن بمثابة الثقل الموازن في مقابل الرئيس عبر تقويض المحاولات التي قام بها هذا الأخير لاحتكار السلطة وفرض خليفة له على رأس الدولة، كان الجيش متعاونًا بطريقة لافتة مع آل بوتفليقة ومواليًا لهم. حتى الآن، تعاون هذان الفريقان، أي الجيش والرئيس عن كثب، نظرًا إلى أن قايد صالح يدين لآل بوتفليقة بمسيرته المهنية الناجحة وصعوده إلى السلطة. بيد أن الفصيل الرئاسي سيجد صعوبة في تخطّي المعارضة من الجيش، الذي يُعتبَر الركيزة الأساسية للاستقرار في البلاد، في حال رفض وصول سعيد بوتفليقة إلى سدة الرئاسة خلفًا لشقيقه. وفي حين أن الفريق قايد صالح وآل بوتفليقة حليفان، يمكن أن يؤدّي خلاف حول اختيار الرئيس العتيد إلى انتهاء الشراكة بينهما.

كذلك، كشفت الحكومة في الأشهر الأخيرة عن تحرير اقتصادي محدود للتعويض عن الآفاق الاقتصادية المتعثرة ونهاية طفرة النفط. يدفع مزيج الانخفاض في أسعار النفط والحاجة إلى تدعيم شرعية النظام قبيل الانتقال السياسي الحسّاس، بالنخبة الحاكمة في الجزائر إلى تطبيق سياسة إصلاحية حذرة. لأول مرة، أجازت السلطات للشركات الخاصة الاستدانة من الخارج وتأسيس عقارات صناعية وإدارتها. فضلًا عن ذلك، تمهّد موازنة 2016 الطريق أمام خصخصة جزئية للشركات المملوكة من الدولة، ما يشكّل انعطافة كبرى في السياسة الاقتصادية في الجزائر. أخيرًا، رفعت الحكومة الحظر على الائتمان الاستهلاكي لكنها حصرت استعماله بشراء السلع المنتَجة محليًا، وذلك بغية تعزيز الإنتاج المحلي. صحيح أن هذه الإجراءات تبقى خجولة ولا تساهم كثيرًا في تعزيز الصادرات، إلا أنها تشكّل قطيعة مهمة مع التدخل الحكومي وتنظيم الاقتصاد على امتداد خمسة عشر عامًا.

تُظهر هذه التدابير المتواضعة أن الفصائل الحاكمة بحاجة ماسّة إلى استرضاء شرائح واسعة من السكان، وأنها جاهزة بالتالي إلى تقديم تنازلات لقواعدها الناخبة. على الرغم من أن خطوات الانفتاح تبدو صغيرة إلى حد كبير، إلا أنها مهمة جدًا من ناحية تاريخية. فالضغوط الداخلية على النظام الجزائري تساهم في تمكين تلك القواعد الناخبة والمسؤولين في النظام الذين يؤيّدون الإصلاح التدريجي. في حين أن نتيجة العملية الانتقالية لا تزال غير أكيدة، يُظهر النظام الجزائري لأول مرة استعدادًا حذرًا لمعالجة بعض المسائل التي تسبّبت تاريخيًا بالحد من تطوره السياسي والاقتصادي.

……………………………..

ريكاردو فابياني، من كبار المحللين لشؤون شمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023