كما سلف وكتبنا سابقا عن الخطاب الإعلامي الذي تقدمه قناة العربية و مدى تمثيله للجمهور الذي توجه اليه هذه المضامين اي الجمهور العربي و الخليجي عموما و الجمهوري السعودي خاصة ، عرضت القناة و ثائقيا على قنواتها وقد حرص المسؤولون على تقديم دعاية قوية له من أجل استقطاب عدد كبير من المتلقين و المتابعين وهو الأمر الذي حدث ، وثائقي حكاية حسن الذي لم يظهر كداعم للقرار الرسمي السعودي و الذي يتمثل في قطع الدعم المالي الذي تقدمه للمؤسسة العسكرية في لبنان و الاقتصاد اللبناني بصفة عامة ، و الامر الذي كان متوقعا ان الوثائقي سيسعى الى تبرير هذا الموقف أمام المشاهد العربي و الخليجي و تعزيز الرؤية التي تبناها مجلس التعاون الخليجي التي مفادها أن لبنان خارج عن الإجماع العربي و يخدم بشكل أساسي المشروع الإيراني في المنطقة بسبب حزب الله و حسن نصر الله ، لكننا اصطدمنا بما حمله الوثائقي من تلميع و دعاية و شحذ للهمم و رفع لراية نصر الله وحزبه و في جميع أجزاء الوثائقي ، سنحاول جاهدين في هذا المقال ان نحلل المحتوى و نستنبط أهم الإيحاءات و القيم و الدالالات التي حاول منتجوا وثائقي حسن نصر الله تصديره للمشاهد العربي .
وقبل البدء في استعراض تحليل مضمون الوثائقي لا بد أن نركز على ثلاث معارف أساسية تساعدنا في تكوين فكرة عن الدوافع و المعطيات التي حذت بالقناة لصناعة وثائقي بهذا التوجه ، وعليه فإن معرفتنا بمدير القناة و الطاقم الإعلامي لمكتب لفرع القناة في بيروت و توجهاتهم و إنتمائاتهم قد يزيل الكثير من الغشاوة و الضبابية عن الموضوع ، يعتبر تركي الدخيل أصيل منطقة القسيم من ابرز الوجوه الإعلامية في المملكة العربية السعودية ومن مؤسسي موقع إيلاف الإلكتروني و قناة العربية الإخبارية سنة 2003 ، حائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب و عضو في ذات المسابقة ، الدخيل خريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، كلية أصول الدين قسم السنة و كتب تركي لعديد الصحف السعودية ” الرياض ، عكاظ ، الشرق الاوسط ، المسلمون ، كما عمل مراسلا لإذاعة مونتي كارلو ، عين تركي الدخيل في سنة 2015 بعد استقالة عبد الرحمان الراشد و بعد ما يقارب من 10 سنوات من العمل التلفزي ، يعتبر تركي الدخيل من الإعلاميين المقربين من الشيخ محمد بن زايد ولي عهد الإمارات و الأمير متعب ابن عبد الله الذي تربطه به صلات قرابة ، وسبق أن الصرح الدخيل أنه يقدم في الكثير من الأحيان المشورات الإعلامية لولي عهد الإمارات .
تركي الدخيل من الإعلاميين الذين شهد توجههم الفكري تحولات جذرية فبعد أن كان صاحب توجه سلفي و مراسل سابق في أفغانستان و صرح في الكثير من المناسبات تمنيه الجهاد ضد الروس ، تحول ليصبح أحد أهم أقطاب التوجه التغريبي في الصحافة السعودية و العربية و هو الذي يتضح من خلال كتاباته الاسبوعية و ترأسه قناة العربية و التي صعدت من سياستها التغريبية و عولمة الثقافة لدى المتلقي العربي و الخليجي منذ توليه إدارة القناة و على عكس جميع القنوات السعودية تتبنى العربية خطا دافئا و حميميا مع أخبار حزب الله و ايران كما يتضح جليا في الوثائقي و كما سلف الذكر بإستفاضة في مقال المنشور في موقع شؤون خليجية بعنوان ” هل تعبر قناة العربية عن توجهات السعودية و العرب ؟ بتاريخ 2016/02/06 .
بالنسبة للكوادر الإعلامية العاملة بمكتب القناة في بيروت و الذين يرجح أنهم المسؤولين على اعداد وثائقي حكاية حسن فالإسمين البارزين هنا هما مراسلي العربية ” عدنان غلموش “و ” نسرين حاطوم ” من الطائفة الشيعية و تربطهما بحزب الله و التكتلات السياسية الموالية علاقات قوية و هو الأمر الذي ظهر خلال تغطيتهم للأخبار و الوقائع التي تحدث في لبنان و لهذا فإننا لا نتعجب ونحن نشاهد الطريقة التي تناول بها الوثائقي مع شخص حسن نصر الله و السيرة المشرقة التي قدمت له .
وثائقي حكاية حسن يبدأ بخطاب للإمين العام وهو يتكلم عن المسافات ويربط لبنان بإيران و من خلال هذا المقتطف الصغير من خطاباته تقدم قناة العربية دلالة على أهمية هذه الخطابات و تأثيرها خاصة ان المقتطف كان افتتاحية الوثائقي وارفقت بصور لنصر الله بين حمايته و هو يتفاعل مع الجماهير وهي صور عادة ما تلتقط للقادة و الرؤساء و المناضين الكبار ، المقطع ايضا يعكس عمق العلاق بين حزب الله و ايران و وهو أمر لا تكشفه قناة العربية و لا يخفيه الحزب بل يفتخر بذلك و يقول ذلك على العلن ، المقطع الذي يلي الخطاب هو لدخول حسن نصر الله الى الساحة لإلقاء و خطاب و أصوات الجماهير المترافقه معه و هي تصيح ” لبيك يا نصر الله ” ثم تقدم القناة عينة للجمهور المبهور و العاشق لهذه الشخصية الخرافية وهو الشاب الذي بدا و كأنه يطالع مهديهم المنتظر و ليس حسن نصر الله و في هذه الدقائق من الوثائقي يمكننا القول ان قناة العربية قدمت دعاية واضحة و فنتازيا عميقة لشخصية حسن نصر الله و إختارت هذه المقاطع بعناية وربما نجحت فيما فشلت فيه المنار و الميادين و العالم على اساس ام مشاهدتهما ضعيفة جدا في الخليج العربي .
المقطع الذي يسرد فيه والد حسن نصر الله الحلم أو الرؤية التي بشرته بميلاد أبنائه هو مشهد يقدم بعدا غيبيا لشخص الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ، و كأن قناة العربية تريد ان تغرس لدى المتلقي العربي و الخليجي خاصة ان هذا الرجل مؤيد و انه جاء لأداء واجب عقدي و بالمحصلة لا يمكن هزمه ، الشيء الذي اعرفه ان مدير قناة العربية مسلم سني اي تركي الدخيل ومن المؤكد انه شاهد الوثائقي قبل عرضه ، كيف سمح لهذه الأفكار ان تبث ؟ و بتلك الطريقة التي نعتقد للحظة ان ننتكلم فيها عن رسو أو نبي أو عالم رباني في حين أن الشخصية المعروض هي لحسن نصر الله .
الإيحاء الذي قدمته قناة العربية للبنان قبل حزب الله اللبناني و مشاهد الحرب الأهلية و صور الدمار و الميليشيات و القصف الإسرائيلي و بعد ميلاد الحزب انقلب الحال الى انتصارات و بناء و تطور للبنان و غضت القناة الطرف عن الكم الهائل من الإغتيالات و عمليات الترهيب و الإعتقالات التي انتهجها الحب لأجل فرض سيطرته على الضاحي الجنوبية و على كل لبنان ، و كأن القائمين على قناة العربية سقط من بين ايديهم سهوا المشاهد المروعة مجازر صبرا وشتيلا التي نفذتها حركة أمل و اللواء السادس في الجيش اللبناني و على اعتبار ان النواة الرئيسية لحب الله هم المنشقون عن حركة أمل ، و حتى في القضايا المتفق عليها تحاول قناة العربية التدليس فالعلاقة الحميمية التي قدمتها في الوثائقي بين حسن نصر الله و رفيق الحريري لم تكن كذالك رغم أن رفيق الحريري كان يعتبر حب الله جزءا من الوطن و سعى لكي لا يدرج اسم الحزب في لوائح الإرهاب ، ولكن ايران ونصر الله لم يكن ترى في الحريري غير العثرة التي يجب ان تزال من أمام مشروع الولي افقيه في لبنان لأن الأخير كان قامة سياسية كبيرة و رجل اجتمع على حبه و احترامه كل اللبنانين بإختلاف العقائد و التوجهات و لهذا كان لابد ان يزول و يتصدر أمين عام حزب الله المشهد .
في حرب تموز 2006 علق الملك عبد الله يوم ذاك عن حرب حزب الله مع الكيان الصهيوني قائلا أنه من العبث أن تدمر البنية التحتية للبنان بسبب أسر جنديين و كان يومها تصريحا ضد التيار او لنقل خطاب العقل في وجه العاطفة الجياشة و لكن الأيام اثبتت صوابية ذلك الرأي و الذي أقره حسن نصر الله في حد ذاته وقال ان الأمر كان خطأ فادحا و أن لبنان دمر بسببها .
في المشهد الأخير من الوثائقي تقدم قناة العربية برداءة بالغة حسن نصرالله قاتل أطفال سوريا على أنه قدوة و أنموذج للأطفال يستحق الإتباع و التقليد ، و يعتبر وثائقي حكاية حسن انحيازا لقناة يفترض انها ترعى المصالح السعودية وتدافع عنها للمصالح الإيرانية و تلميع لصورة ذراع بارز لها و يختلف الكثيرون من المحللين على جدية الطرح الذي يقرن بين الحكومة السعودية و هذه القناة ويعتقدون انها تتوافق مع الخط السياسي لدولة الإمارات خاصة أن مدير القناة مقرب جدا من ولي العهد محمد بن زايد ، و هناك تحليلات تذهب بعيدا الى القول أن القناة تعبر عن خط أخر في القصر الملكي وربما لا يعبر عن حالة تصادمية بين العائلة الحاكمة و لكنه يعبر عن وجهة نظر مغايرة ، و في جميع الحالات فلا يمكن إنكار ان الوثائقي يعتبر سقطة كبرى و في مرحلة هي اقرب للصراع بين حزب الله و السعودية و يبقى السؤال المطروح لماذا تلتزم السلطات السعودية الصمت على قناة تمولها بأمولها ولكنها تتمرد عليها .
بقلم : أ/ هشام سراي