إنجلترا قامت بتعيين محافظ بنك مركزي كندي الجنسية، للمرة الأولى في تاريخها، هل ممكن تكرار التجربه في مصر؟
تولى “مارك كارني” منصب محافظ بنك إنجلترا، وهو كندي الجنسية، وهو أول مواطن غير بريطاني يشغل هذا المنصب. اعتبارًا من يناير 2014 لمدة خمس سنوات. قد يكون الأمر غير مقبول من الناحية الأمنية، إلا أنه في الوقت نفسه أصبحت السياسات النقدية والمالية لأي دولة تخضع لمراجعة ومتابعة الكثير من المؤسسات المالية، أي لا توجد أسرار الآن. كما أن هذا المحافظ الأجنبي وجوده يمثل رسالة عالمية بأننا نسير في طريق الإصلاح وقد يكون مفاوضًا جيدًا قادرًا على تخفيض الديون وإسقاط فوائدها. عمومًا فإن هذا التفكير تم استحداثه من فكرة أن مدرب الفريق الوطني قد يكون أجنبيًا.
سأحاول في هذه السطور، الإجابة عن كثير من التساؤلات التي وصلتني من الأصدقاء.
أولًا- ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه هل يمثل مشكلة أو مصدر خطورة؟
لا توجد خطورة إطلاقًا في ارتفاع الدولار، وليتها حدثت في أعقاب ثورة يناير في 2011 لكان وفر هذا على مصر كثيرًا من الدولارات التي تسربت للخارج. بصفة عامة فقد ارتفع سعر الدولار مقابل معظم العملات العالمية؛ فبالمقارنة بعام 2012 مثلًا كان الدولار الواحد يعادل 30 روبل روسيًا والآن الدولار يعادل 68 روبل أي أن الدولار ارتفع مقابل الروبل الروسي بنسبة 55%، ومقابل الليرة التركية 40%، ومقابل الجنيه الإسترليني بمقدار 12%، والدولار الكندي بمقدار 28%، والبيزو الأرجنتيني بمقابل 67%. أما مصر فقد ارتفع الدولار مقابل الجنيه في هذا العام مقارنة بعام 2012 بنسبة 23%.
المشكلة الحقيقية هي تقلب وعدم استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه. وهذا الأمر لم ينجح المركزي المصري في إدارته.
ثانيًا- متى سيأتي الاستثمار الأجنبي لمصر؟
جلب الاستثمار الأجنبي وتشجيع الاستثمار المحلي متطلباته سهلة وبسيطة وتتمثل في 1) توفير الأمان، 2) استقرار سعر الصرف، 3) انخفاض سعر الفائدة.
من وجهة نظري، كل هذه الأمور هي مسؤولية البنك المركزي كيف؟
1- توفير الأمان يقصد به حرية دخول وخروج الأموال وعدم مصادرتها أو تغيير القوانين فلا يجوز وضع قيد على السحب والإيداع، ثم بعد ذلك رفع هذا القيد هذا يعد عدم أمان واستعادته ليست بالأمر السهل؟
2- استقرار سعر العملة الأجنبية أمر مهم، فلا يجوز أن يتصرف البنك المركزي كمضارب بالبورصة وكل تصرفاته تدور حول مفاجأة مكاتب الصرافة بضخ دولارات أو رفع سعر الدولار. لا بد من دراسة المشكلة الأساسية لماذا هناك فرق بين سعر الدولار في البنك وسعره في شركات الصرافة؟
3- سعر الفائدة على الجنيه في تصاعد مستمر، في وقت أصبحت فيه أسعار الفائدة في دول كثيرة صفرًا أو قريبة من الصفر أو سالبة!!! ورفع سعر الفائدة لن يسمح بقيام الاستثمار ومن ثم سندخل في دوامة البطالة وارتفاعها والمشاكل الاجتماعية والأمنية المصاحبة لها؟
ثالثًا- هل هناك وسائل لعلاج مشكلة الدولار؟
يتمثل ذلك في زيادة التدفقات الدولارية الداخلة وتخفيض السحوبات الدولارية الخارجة.
التدفقات الدولارية الداخلة هي:
1- تحويلات المصريين بالخارج (لا بد من أن يكون هناك دور كبير للسفارات في كل دولة للاجتماع معهم وكذلك الاعلام المصري الذي عاداهم فترة طويلة).
2- قناة السويس (اقترح أن يكون هناك جهاز تسويقي عالي الكفاءة لتسويق إمكانيات قناة السويس وكذلك البدء في إكمال المشروعات اللوجستية للقناة).
3- السياحة (لا أحد يتخيل أن لدينا ثلث آثار العالم وشواطئ بهذا الشكل وجو معتدل مقارنة ببلاد أخرى لديها عواصف ثلجية ونتحدث عن مشكلة سياحة).
4- عائدات الصادرات (مطلوب تفعيل دور صندوق دعم الصادرات وإذا تطلب الأمر استخدام الطيران الحربي لنقل البضائع لخفض تكلفة الصادرات، أرجو أن تتم دراسة هذا).
أما عن تخفيض السحوبات الدولارية فتتم من خلال الآتي:
1- التوعية الوطنية وحث الأفراد على شراء المنتج المحلي حتى لو كان رديئًا وغالي الثمن، على الأقل فإن هذا يمثل مساهمة في فتح بيت مصري!! وهناك دول كثيرة منها اليابان يشتري المواطن الأرز المنتج محليًا بأضعاف ثمن الأرز المستورد لأن هذا يمثل دعمًا للاقتصاد الوطني.
2- دعم الفلاح المصري ومنتجاته أصبح ضرورة حتمية وهذا سيغني عن استيراد الكثير من السلع.
رابعًا- الدين المصري الخارجي والداخلي هل هو في المستوى الآمن؟
الأسواق الناشئة إجمالي المديونية الخاصة بها 62 تريليون دولار. مصر لديها مديونية خارجية 46 مليار دولار ومديونية داخلية تعادل 255 مليار دولار، أي أن مديونية مصر كنسبة من مديونية الأسواق الناشئة تمثل أقل من 0.5% أي أقل كثير من 1%.
بالمناسبة، خسائر أحد صناديق الاستثمار العربية في عام 2008 أكبر بكثير من إجمالي ديون مصر، ما أقصده أنه لا داعي للقلق من حجم ديون مصر. وما يؤكد ذلك أن نسبة ديون مصر إلى الناتج المحلي الإجمالي تمثل 90% وهي نسبة آمنة إذا تمت مقارنتها باليابان 230%، إيطاليا 132%، أميركا 103%، فرنسا 93%، منطقة اليورو 92%، إنجلترا 90%. مرة أخرى يمكن علاج الأمر بشرط زيادة حجم الاستثمار ولا ينبغي استخدام ارتفاع حجم الدين كفزاعة لتبرير أخطاء أخرى.
والله من وراء القصد وندعوه أن يحفظ بلادنا وبلاد الأمة العربية.