محاولة، ستفشل حتمًا، لإنقاذ عرش آل سعود وحكم العسكر لمصر بإعلان مصر ولاية خاضعة للمملكة الوهابية، ولا ريب في أن مملكة آل سعود تمر بأحلك أوقاتها منذ إنشائها في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي.
الملك الحاكم شكلًا أصابه الخرف منذ شهور، وابنه ولي العهد المسمى والحاكم الفعلي منذ الآن على خلاف الأصول المتبعة في العائلة الحاكمة، مغامر متهور وداعية عنف وحرب. وقد وصلت سمعة المملكة الدولية إلى الحضيض في المنطقة العربية والعالم بسبب ضلوعها في حربين ضروس في سوريا واليمن، قاربت على تدمير البلد الأول بعد أن زرعت على أرضه كيانات إرهابية ما لبثت أن أفرخت كيان “داعش” الهمجي، بل أوشكت على تحويل حربها على أرض سوريا العزيزة إلى بداية حرب عالمية، وترتكب يوميًا جرائم حرب بشعة في حربها الثانية العدوانية في اليمن ولا تتورع عن طلب وتلقي الدعم فيها من الولايات المتحدة وإسرائيل. والأخطر أن المملكة باتباع سياسات خرقاء في سوق النفط ظنت أنها تدعم سياساتها العدوانية في المنطقة للإضرار بإيران والاتحاد الروسي، خدمة للمشروع الصهيوني المدعوم أمريكيًا، أوشكت أن تذبح الدجاجة التي كانت تبيض لها ذهبًا باستمرار، فانخفض سعر برميل النفط إلى أقل من أربعين دولارًا واستحالت المملكة من دولة فائض ضخم إلى معاناة عجز متعاظم في ميزانية الحكومة. وما فتئت المملكة الوهابية تنفخ نيران التقاتل الطائفي بين المسلمين من منطلق الدفاع عن أهل السنة في مواجهة الشيعة.
بين الافتقار وتردي المكانة الدولية، كان طبيعيًا أن تسعى المملكة إلى منفذ نجاة. وأين في المنطقة العربية من طاقة نجاة أهم من مصر.
وأتفق أن الحكم العسكري الذي اصطنعته المملكة وأذنابها في الخليج بأموالهم في منتصف 2013 ما زال يحكم مصر بالقهر والبطش والإفقار. لكنه أيضًا بات يعاني من تردٍ شنيع في الأحوال الاقتصادية بسبب سياساته الخرقاء والمدمرة للنشاط الاقتصادي المنتج فتراكمت على المصريين بسبب سفه حكومتهم الديون في الداخل والخارج وانحطت قيمة العملة الوطنية واستشرى الغلاء وتفشت التعاسة القائمة على متلازمة البطالة-الفقر. وبالطبع ما فتئت شهوة حكام مصر للإثراء الشخصي ولو بإفقار الشعب الطيب متمكنة منهم.
ولكن من تابع ما اعتبره الحكم العسكري انتصارات وإنجازات خلال زيارة ملك السعودية، يتضح له أن “العون” السعودي لا يأتي كهبة ضخمة مجملة لسلطات الحكم العسكري في مصر، كما حدث عندما استأجروهم للانقلاب على سلطة مدنية منتخبة بعد الثورة الشعبية العظيمة، على علاتها. ولم يعد الدعم المالي غير مشروط وإنما هو أقرب إلى اشتراك، إن لم يكن إشرافًا وتحكمًا سعوديين، على العديد من مناحي النشاط الاقتصادي الخاص والحكومي والمجتمعي ومن دون إعلان تفاصيل ولو رئيسية، ويدل على ذلك تعدد الاتفاقات والتفاهمات الموقعة بين طرفين حكوميين، واحد سعودي والثاني مصري، ينتظر بسطوة المال أن يكون للأول القدرة على التحكم.
لا مناص من البدء بالإشارة إلى تنازل الحكم العسكري عن جزيرتين مصريتين، في انتهاك جسيم للدستور ولجميع معاني الوطنية التي يتشدقون بأنهم عنوانها، لقاء فتات مغانم دنيئة، على الأرجح لن يصل منها للشعب شروى نقير.
لا تستهينوا مثلًا بالتفاهم بين الطرفين في مجال “الثقافة” وما يمكن أن يعنيه، تحت ضغط المال، من استشراء التوجهات “الثقافية” الرجعية في المملكة في مصر، وهو الأمر الذي أسس له الحكم العسكري من قبل بجدارة. وتمعنوا مثلًا في واقعة تغطية تمثال إبراهيم باشا، هازم الوهابية العتيد، حتى لا يقع عليه بصر الملك السعودي. ويا لتعاسة مثقفي مصر ونسائها إذا تمكن هذا التوجه في عهد وزير ثقافة كان يشاع أنه “تقدمي”.
والأخطر ربما هو انضواء دار الإفتاء المصرية، من خلال تفاهم وقع منفردًا، تحت سطوة الإفتاء السعودي، سيئ الصيت بالتشدد والفظاظة والتعسير، تحت عنوان “ضبط الفتوى”.
وفي النهاية لا يفوتكم الأثر المجتمعي المدمر الذي ينتظر من تدفق أعداد غفيرة من السعوديين عبر الجسر البري المزمع إنشاؤه من أجل اللهو “البريء” في مصر، وليكن لكم في المواخير السعودية في البحرين عبرة.
عندما يكتب تاريخ هذه المرحلة في تاريخ مصر الممتد والمنطقة العربية بأمانة سيسجل ضمن سوءات الحكم العسكري بواسطة “جنرالات كامب ديفيد” غير المحاربين أبدًا، لأرض الكنانة، اثنتين صارختين. الأولى عكس العقيدة القتالية للقوات المسلحة لشعب مصر من حرب الدولة العنصرية الباغية إسرائيل إلى الحرص عليها وحمايتها -تحت التأثير المخرب للمعونة العسكرية من الولايات المتحدة. والثاني هو حسم الصراع التاريخي بين قطبي التقدم- الرجعية في المنطقة العربية، المملكة الوهابية ومصر، لمصلحة الأولى بإخضاع الثانية لها انتصارًا للتخلف والرجعية في عموم المنطقة العربية.
وليست مصادفة أن تقترن السوءتان، في حقبة الحكم العسكري القائم حاليا مع انتقال الصلات السعودية الإسرائيلية من طي الكتمان إلى العلن الصريح.
من وجهة نظر ما، مملكة متداعية مثل هذه تستحق التحالف مع مثل هذا الحكم العسكري. ولكنهما في احتضانهما لبعضهما أثناء السقوط من حالق، يرفعان من وزن الكتلة الساقطة ويسرّعان من ثم بالوصول إلى قاع الهاوية السحيق.
ساعدوهم على التحطم الماحق بسرعة!