أكد محمد سيف الدولة، الباحث في الشؤون القومية والعربية، أن التنازل عن أرض الوطن محظور دستوريًا ومُجرّم جنائيًا، وأنه ليس لرئيس الجمهورية ولا السلطة التنفيذية ولا البرلمان ولا السلطة القضائية ولا الاستفتاءات الشعبية، أي حق أو صلاحية للتنازل عن أراضي الوطن.
وقال في تصريحات خاصة لـ”رصد”: إننا نسمع اليوم دعوات من بعض المعارضين للتفريط في جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، ويطالبون فيها البرلمان برفضها، والبعض الآخر يطالب بعرضها على استفتاء شعبى، متجاهلين أنه لا يجوز، أصلاً، مناقشة اتفاقية باطلة وفقًا لمواد وقواعد الدستور، ناهيك على مناهضتها للثوابت والمصالح الوطنية.
وأضاف: يجب أن نُذكِّر حَسِنى النية منهم بما حدث لنا من كوارث، على امتداد عقود طويلة، حين سلمنا مصائرنا لبرلمانات مصنعة فى مؤسسات السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية، أو لاستفتاءات مزورة وسابقة التجهيز، منها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، المشهورة باسم كامب ديفيد، عبرة لا تنسى، حيث قلبت كامب ديفيد حياتنا رأسًا على عقب، خطفوا مصر وباعوها للأميركان، وجعلوا من العدو الصهيوني، قُطرًا شقيقًا.
وتابع: إنه قبل أن نستوعب الموقف، كانت الطبخة قد استوت، والمؤامرة قد اكتملت، والإجراءات قد استوفيت، وعلى رأس هذه الإجراءات، أتت موافقة مجلس الشعب على المعاهدة المشؤومة، وما تلاها من مهزلة الاستفتاء الشعبى.
وأوضح سيف الدولة أنه في معظم بلدان العالم تأخذ مثل هذه القضايا المصيرية جهودًا شاقة ومناقشات حامية وحقيقية، أما عندنا، فكل شىء مضمون وسهل ، فيمكن أن تباع مصر كلها فى غمضة عين بمبايعة “الشعب” ومباركة البرلمان.
ويسرد سيف الدولة تفاصيل الموافقة على اتفاقية “كامب ديفيد” كما حدثت منذ 37 عامًا ، كنموذج لحسني النية الذي يطالبون بإحالة اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية وضم جزيرتي صنافير وتيران للمملكة من خلال البرلمان والاستفتاء عليها من قبل الشعب.
• 26/3/1979 تم توقيع اتفاقية الصلح بين مصر وإسرائيل في واشنطن.
• 4/4/1979 وافق مجلس الوزراء بالإجماع في جلسة واحدة على الاتفاق .
• 5/4/1979 أحيلت الاتفاقية الى لجان العلاقات الخارجية والشئون العربية والأمن القومي والتعبئة القومية بمجلس الشعب لإعداد تقرير عنها.
• فى 7/4/1979 اجتمعت اللجنة ودرست و اطلعت على 31 وثيقة تتضمن مئات الأوراق والمستندات والخرائط ، وفيها ما ينص على نزع سلاح ثلثى سيناء .
• 8/4/1979 أصدرت اللجنة تقريرها بالموافقة على الاتفاق .
• 9/4/1979 إنعقد مجلس الشعب برئاسة سيد مرعى لمناقشة الاتفاقية وتقرير اللجنة و قرر إعطاء 10 دقائق فقط لكل متحدث من الأعضاء .
• 10/4/1979 أغلق باب المناقشة بعد إعطاء الكلمة لـ 30عضو فقط
• 10/4/1979 وفى نفس الجلسة اخذ التصويت على الاتفاقية وكانت نتيجته :
329 عضوًا موافقًا
15 عضوًا معترضًا
عضو واحد امتنع
13 عضوًا تغيبوا
• 11/4/1979 أصدر الرئيس السادات قرارًا بحل مجلس الشعب ، وبإجراء استفتاء على الاتفاقية وعلى حل المجلس وعلى عشرة موضوعات مختلفة حزمة واحدة .
• 19/4/1979 تم استفتاء الشعب على المعاهدة بدون أن تنشر وثائقها ، وبدون أن يتعرف على خباياها .
• 20/4/1979 أعلنت وزارة الداخلية أن نتيجة الاستفتاء كانت كما يلى :
– وافق الشعب على المعاهدة التى لم يقرأها ولم يتعرف على بنودها .
– ووافق فى نفس الوقت على حل مجلس الشعب الذي كان قد وافق هو الآخر على ذات المعاهدة .
– وجاءت نسبة الموافقة 99,5 %
• منذ تلك اللحظة، أصبحت مصر رسميًا ملتزمة بالمعاهدة.
ويكمل سيف الدولة : مر على هذه الأحداث، أكثر من 37 عامًا، ناضلت خلالها، ولا تزال ، كل قوى مصر الوطنية ضد هذه المعاهدة وضد قيودها وآثارها، وطالبت بإلغائها أو بتجميدها أو بتعديلها، وبذلت فى سبيل ذلك جهودًا هائلة، ودفعت أثمانًا فادحة، ولكن بلا طائل ، فالمعاهدة باقية و مُفَعَّلة على قدم وساق .
وأوضح أنه بالطبع لم يعد أحد يتذكر الآن تزوير انتخابات برلمان 1976-1979، ولا تزوير استفتاء كامب ديفيد، ولم يعد أحد يطرح بطلان المعاهدة لفساد الإجراءات وتزويرها، فالأمر الواقع الحالي أن المعاهدة قائمة وسارية ومؤبدة، ممنوع الاقتراب منها أو لمسها، بل أصبحت هى دستور مصر الفعلي والمصدر الرئيسي للتشريع.
وختم سيف الدولة: هذا نموذج واحد فقط من آلاف التشريعات والاتفاقيات والقرارات، التى دمرت بلادنا، وأفسدت حياتنا رغم أنفنا، فهل يعقل بعد كل هذه الكوارث، أن نظل نراهن على برلمان صنعوه بأيديهم، أو على استفتاء، نتيجته مُعَّدة ومعلومة مسبقا؟! وهل الخلاف بيننا وبين بائعى “الجُزُر” يقتصر على شكل وإخراج واجراءات صفقة البيع ؟.. هذا كلام لا يعقل ولا يليق.