شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

مدّ الجسور بين مصر والمملكة العربية السعودية.. السيسي سيدفع الثمن

مدّ الجسور بين مصر والمملكة العربية السعودية.. السيسي سيدفع الثمن
خلال أول زيارة رسمية للملك سلمان للقاهرة مؤخرا، أعلن كل من الملك سلمان وعبدالفتاح السيسي اعتزامهم إعادة إحياء مشروع إنشاء جسر بري يربط بين الدولتين

خلال أول زيارة رسمية للملك سلمان للقاهرة مؤخرا، أعلن كل من الملك سلمان وعبدالفتاح السيسي اعتزامهما إعادة إحياء مشروع إنشاء جسر بري يربط بين الدولتين، وبالرغم من أن خطط بناء الجسر ضبابية بعض الشيء، فإن الدولتين قد وقعتا أيضا اتفاقا آخر، وهو اتفاق إعادة ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين بحيث تعود الجزيرتان الاستراتيجيتان الواقعتان في خليج العقبة بالبحر الأحمر، تيران وصنافير، إلى السيادة السعودية، إن بناء الجسر قد يعد أمرا جيدا بالنسبة للدولتين، لكن تسليم الجزيرتين للسعودية قد أثار موجة من الغضب في مصر.

لقد حاز مشروع بناء الجسر اهتمام وسائل الإعلام، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تطفو فيها خطة الربط بين مصر والمملكة العربية السعودية على السطح، فخلال قمة عام ١٩٨٨، أعلن الملك فهد وحسني مبارك عن خطة لبناء هذا الجسر، وفي عام ٢٠١٢، أعاد الرئيس محمد مرسي إحياء هذا المشروع، لكنَّ أيا من الخطتين لم تدخل حيز التنفيذ.

لقد كانت الخطط السابقة تهدف إلى بناء الجسر بشكل مختلف بحيث يمتد طوله مسافة ٢٥ إلى ٥٠ كيلومترا ويبلغ ارتفاعه ١٠٠ متر، مع وجود نقطة ارتكاز على جزيرة تيران، أما الخطة الجديدة فينقصها التصميم والفترة الزمنية، وتقدر تكاليف الإنشاء بحوالي ٣ إلى ٤ مليارات دولار، والفترة الزمنية المتوقعة للانتهاء من إنشائه هي سبع سنوات.

لقد جاء نقل جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين على مضيق استراتيجي في خليج العقبة للسيادة السعودية بعد أحد عشر اجتماعا دبلوماسيا على مدار ست سنوات، وجاء بناء على طلب سعودي بالحصول على السيادة الكاملة على الجزيرتين عام ١٩٨٨.

وقبل إنشاء الدولة السعودية الحديثة عام ١٩٣٢، وقبل انفصال مصر عن الإمبراطورية العثمانية عام ١٩٢٢، كانت الجزيرتان والممرات المائية خاضعة للسيادة العثمانية، وبعد قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، تم عقد اتفاق بين مصر والمملكة العربية السعودية ينص على السماح لمصر بإرسال فرقة صغيرة من الجنود لحماية الجزيرتين من الاعتداءات الإسرائيلية المحتملة، وبعد حرب الستة أيام عام ١٩٦٧، قامت إسرائيل باحتلال جزيرة تيران وسيطرت على مضيق تيران، وقد استمر هذا حتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٨، وقد تمركزت قوات حفظ السلام، ومعظمها من القوات الأميركية، بالإضافة إلى بعض القوات المصرية، على الجزيرتين عام ١٩٨٢.

ممر استراتيجي

بالرغم من الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين فإن بناء الجسر لن يكون له تأثير قوي على توازن القوة العسكرية بين مصر والسعودية والأردن وإسرائيل، وبالرغم من أن الإعلام الإسرائيلي قد تحدث خلال السنوات الأخيرة فإن هذا الجسر يعد مخالفا لبنود معاهدة كامب ديفيد، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين لم يبدوا أي اعتراض على الخطة الجديدة لبناء الجسر ولا على تسليم الجزيرتين للسعودية، وفقا لما قالته صحيفة الأهرام، فإن ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد تعهد باحترام السعودية لوجود القوات متعددة الجنسيات على الجزيرة، وأكد المرور الآمن للسفن من البحر الأحمر إلى خليج العقبة، الذي يطل عليه الميناء الوحيد للأردن، العقبة، والميناء الوحيد لإسرائيل، إيلات، ويقال بأن الحكومة الإسرائيلية كانت على علم بتسليم الجزيرتين للسعودية قبل توقيع الاتفاق. 

إذا تم إنشاء الجسر وفقا للخطط السابقة، فلن يكون مخالفا لبنود معاهدة كامب ديفيد التي تضمن حرية الملاحة داخل المضيق، وعندما تخلى مبارك عن خطط بناء الجسر عام ٢٠٠٥، بسبب الضرر الذي سيلحقه بناء الجسر بالشعب المرجانية، تم الاتفاق على تعديل ارتفاع الجسر إلى ١٠٠ متر، وهذا سوف يتيح للسفن الحربية وسفن البضائع من كل الأنواع المرور بحرية. 

لكن مخاوف عسكرية واستراتيجية أخرى قد تظهر فقط في حالة حدوث صراع داخل أي من الدولتين، مما يستدعي نشر الدولة الأخرى لقواتها. إن بناء جسر بين مصر والسعودية سوف يخفض تكاليف ووقت نقل الأفراد والعتاد بين الدولتين. وقد تعهدت مصر بحماية المملكة العربية السعودية في حالة حدوث أي اعتداء، وبالرغم من أنه ليس هناك صراع محتمل فإن السعودية تقدم كل الدعم الذي تستطيعه لكي تضمن وجود أصدقاء وحلفاء لها في حال حدوث اعتداء. أما بالنسبة للاستخدام العسكري لجزيرتي تيران وصنافير فإن السعودية لديها قاعدة مدفعية على أرضها يمكنها حماية المضيق.

الفوائد الاقتصادية لبناء الجسر

الغرض المعلن من بناء الجسر هو المنفعة الاقتصادية، وهو تسهيل حركة التجارة وزيادة فرص العمل، فقد صرح رئيس المجلس الاقتصادي السعودي في ١٢ أبريل في القاهرة أن السعودية تهدف إلى توفير ٣٢٠ ألف وظيفة خلال السنوات الخمس القادمة، مع التركيز على منطقة شمال سيناء، حيث يثير عدم الاستقرار بالإضافة إلى الأعمال الإرهابية التي تزيد بفعل الفقر مخاوف لدى الدولتين، وفي خطاب له أمام البرلمان المصري نادى الملك سلمان بإنشاء منطقة للتجارة الحرة في تلك المنطقة لتوفير الكثيرمن الوظائف.

وكان تسهيل وصول البضائع المصرية إلى السعودية دائما جزءا من خطة بناء الجسر، لكن لا يزال من غير الواضح مدى زيادة الجسر لتدفق البضائع، لأن رحلة البضائع عبر الجسر ستكون رحلة طويلة داخل المنطقة الصحراوية الجبلية، كما أن المسلحين داخل سيناء قد يقومون باستهداف المسافرين، مما يؤثر على الفائدة التجارية للمشروع. 

لكن الفائدة المحتملة هي زيادة عدد الحجاج المتوجهين من مصر إلى السعودية، فمعظم الحجاج المصريين الآن يسافرون إلى السعودية جوا، إلا أن البعض يفضل الطريق البري بالرغم من أن تكلفته لا تقل كثيرا عن تكلفة الطيران.

السيسي سوف يدفع الثمن

إن استعداد الحكومة المصرية لتحمل تبعات التنازل عن الجزيرتين لجارتها السعودية يظهر إلى أي مدى نجحت السعودية في ضم مصر إلى جبهة الدول السنية، وقد انتقد مراقبون ما قالوا إنه استسلام السيسي للراعي الأكثر ثراء لمصر وتنازله عن أراض ذات سيادة مصرية، ويزعم البعض أن التنازل عن الجزيرتين يعد خرقا للدستور المصري، الذي يحظر بيع الأراضي العامة، وقد تم اعتقال خمسة أشخاص بعد مظاهرة منددة بالتنازل عن الجزيرتين في القاهرة، وسوف تنظر الدعوى المقدمة لإبطال هذا الاتفاق أمام المحكمة الإدارية بالقاهرة في ١٧ مايو.

وتأتي المظاهرات والدعوى القضائية وانتقادات وسائل الإعلام في وقت يخسر فيه السيسي شعبيته في مصر، ووفقا لما نقله موقع ستراتفور عن مصادر له، فقد نصح أعضاء المجلس العسكري السيسي بتأجيل التنازل عن الجزيرتين، الذي قالوا إنه يضر بالسيادة المصرية ويتسبب في غضب شعبي، وقد أدى تزامن هذا الاتفاق مع الإعلان عن استثمارات سعودية في مصر إلى اعتقاد بأن هذا الاتفاق هو بمثابة صفقة بيع. 

وقد أشار المدافعون عن الاتفاق إلى أنه لم يتم بيع الجزيرتين وأن الجزيرتين كانتا تنتميان للأراضي السعودية قبل عام ١٩٥٠، الأزمات الاقتصادية التي تواجهها مصر الآن تجعلها تعتمد بشكل كبير على راعيها الأكثر سخاء كي تتخطى هذه الأزمات، كما تجعل اختياراتها محدودة أكثر مما كانت عليه عندما كانت أكثر ثراء ومكتفية ذاتيا.

قد تنضم الخطة الجديدة لإنشاء الجسر إلى سابقاتها – فبالرغم من إحاطتها بأطيب النوايا فإنها لم تدخل حيز التنفيذ، فالأحوال الاقتصادية السعودية على أي حال لم تعد كالسابق، كما أن الفوائد الاقتصادية المرجوة منه تبدو بعيدة المنال في أحسن الأحوال، لكن الثمن السياسي الذي ستدفعه الحكومة المصرية سوف يقض مضجعها لشهور قادمة، حيث يرى المصريون أن حكومتهم قد خانت السيادة المصرية. 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023