بل أربعة أشهر، تحديداً يوم الاثنين 25 يناير، كان عنوان هذه الزاوية “25 يناير ليس يوماً واحداً”. ومن المفارقات أن يأتي الاثنين 25 إبريل في أجواء مشابهة، حيث تخرج اليوم تظاهراتٌ رافضة طريقة إدارة الحكم في مصر. مع تفاقم الأزمات الاقتصادية الداخلية، وتزايد الاحتقان السياسي، وتمسك السلطة وأجهزتها الأمنية بأسلوب البطش في تقييد الحريات، وكتم أي صوت معارض.
وجاءت واقعة جزيرتي تيران وصنافير لتزيد الموقف صعوبةً على عبد الفتاح السيسي ورجاله، وتشعل غضباً حول المشهد في مصر من شد وجذب بين قوى وتيارات سياسية مع السلطة، أي حالة نخبوية بامتياز. إلى موقف عام اتسع أفقياً ورأسياً، ليشمل طبقاتٍ اجتماعية متفاوتة، وقطاعاتٍ مختلفة التوجهات والأفكار. والأهم أن الحدث خرج عن نطاقه المتعلق بقرار معين، على الرغم من أهميته، فبسببه هبّت رياح عكسية، حملت معها روحاً نقدية، وفتحت ملفات أخطاء وخطايا متراكمة.
إلا أن سلوك السلطة الحاكمة في مصر، في الأيام العشرة الماضية التي تلت تظاهرات “جمعة الأرض”، زاد الوضع سوءاً بحملة الاعتقالات العشوائية التي وصلت إلى حد اعتقال جالسين على المقاهي وسائرين في الشوارع. ما وسّع نطاق الغضب، وأضاف جدداً إلى الغاضبين. جاء هذا السلوك العصبي بعد إجراءاتٍ تدرجية سابقة. بدأت باستهداف فصيلٍ بعينه دون غيره، ثم تجريم المعارضة، ومنع السياسة بمختلف أشكالها. حتى وصلت إلى إغلاق المجال العام أمام كل القوى والفصائل والتيارات، بل والأشخاص، عدا المحسوبين على أجهزة الدولة والعاملين لحسابها.
وفي مسار موازٍ، تدرّج الخطاب الإقصائي، وتنوعت الفزاعات من “الإخوان المسلمين” إلى الإرهاب إلى العملاء والمتآمرين. ثم تخوين كل مخالف وشيطنته، وإنْ كان ناصحاً وليس معارضاً. وصولاً إلى تصنيفٍ جامع مانع هو “أهل الشر”. ذلك التوصيف الغامض الذي يمكن تحته إدراج كل المصريين بلا استثناء. لذا، لن يكون مستغرباً أن تخرج تظاهرات اليوم أوسع نطاقاً وأكثر جرأةً، وأعلى في مطالبها من تظاهرات “جمعة الأرض”.
كما سيكون من المنطقي أن تقابلها السلطة بقمعٍ أمنيٍّ أشد وعنف أكثر دموية. الأمر الذي يجعل هذا اليوم مرشحاً للتمديد إلى أكثر من يوم، ليس بالضرورة في شكل اعتصام مكانيٍّ، أو تظاهرات متوالية. لكن، ربما على أوقات متقطعة معلنة، يتم الحشد لها، واستنفاد جهد السلطة سياسياً وأمنياً لمنعها ثم لمواجهتها.
لكن، ثمة أمرٌ يستحق الانتباه، أن حالة الغضب والرفض ليست شعبيةً، ولا نخبوية فقط، فقد انضمت لها أدوات إعلامية، يصعب تصور أنها فجأة امتلكت جرأة المعارضة والانتقاد، بعد أن كانت تنافس في الممالأة، وتزايد في الموالاة.
كذلك الأمر بالنسبة لبعض الشخصيات التي غيرت مواقعها بشكل مفاجئ، من أبواق للسلطة ومسبحين بحمد رأسها، إلى ناقدين له ولها. ولمّا كان بعض هؤلاء محسوبين على الأجهزة، أو له ارتباطات مصلحية ووظيفية مع رجال أعمال، ولدى بعضهم مشكلات مع السلطة، فإن هذا التحول قد يجسّد انقساماً، أو صراع مصالح ونفوذ بين مؤسسةٍ وأخرى، أو بين أجنحة داخل المؤسسة نفسها، أكثر منه مساحة حرية متروكة عمداً للتنفيس. وهذا بعد مهم، سيضيف كثيراً إلى الصورة العامة التي قد تتبلور بعد انتهاء فعاليات اليوم. والأهم أنه يعيد إلى الأذهان ما جرى في أثناء أيام يناير 2011 المجيدة وفي أعقابها ، حين ارتدى بعضهم قميص الثورة، واندسوا في صفوفها، ثم تكشّف لاحقاً أنهم لا يخدمون الثورة، ولا يؤمنون بها، وإنما هم مواطنون شرفاء، يؤدون مهمة “وطنية” وسط المتآمرين والخونة والعملاء و”أهل الشر”.