يحتفل العالم بعيد العمال، في الوقت الذي خيمت فيه الكآبة على عمال مصر؛ فأكثر من 7 آلاف مصنع مغلق، وفصل العمال مستمر، من قبل أصحاب رأس المال، مع عجز النظام الداعم لأصحاب الأعمال، والاحتجاجات العمالية لم تهدأ للحظة، والنقابات المستقلة محاصرة من قبل النظام.
المصانع المغلقة
شهدت السنة الماضية إغلاق الكثير من المصانع في ظل هروب الاستثمارات، والفشل الأمني، ونقص الدولار، والانهيار الاقتصادي والسياسية الاقتصادية المتخبطة التي تشهدها البلاد، ولم تعلن الحكومة المنوط بها كشف الحقائق للمواطنين، ولو مرة واحدة، عن أعداد المصانع المغلقة، فتركت الأمر للإحصائيات التي تقوم بها المنظمات العمالية، التي لم تعلن عن عدد ثابت، إلَّا أن أكثر من جهة أكدت أن هناك 7 آلاف مصنع مغلق، منها مجالس الأمناء بالمدن الصناعية، وهو الرقم الذي أكده كمال أبو عيطة، وزير القوى العاملة الأسبق.
يقول عبدالغفار مغاوري، المحامي المتخصص في قضايا الخصخصة: عدد من الشركات التي حصلت على أحكام بعودتها إلى الدولة وإعادة تشغيلها منذ سنوات، لا تعمل حتى الآن والعمال يتقاضون مرتباتهم، وهم غير راضين عن ذلك، ويأملون في عودة العمل بمصانعهم.
وأضاف “مغاوري” أن هناك شركة المراجل البخارية حال عودة العمل بها ستوفر على الدولة أكثر من 2 مليار دولار سنويًّا، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة العملة الأجنبية، مشيرًا إلى أن عقود الخصخصة، رغم فسادها، كانت تشترط على المستثمر الحفاظ على العمالة وتنمية قدراتها والاستمرار في النشاط واستغلال الأرض في تطوير المصانع، ولم تتخذ الدولة أي إجراء ضد المستثمرين الذين استولوا على هذه الشركات، ودمروها لتحويلها إلى استثمار عقاري.
الاحتجاجات في عام
ورصد تقرير مؤسسة مؤشر الديمقراطية ومجموعة المؤشر للدراسات البحثية، 493 احتجاجًا عماليًا منذ يناير وحتى نهاية إبريل 2016، مثلوا الحراك العمالي المطالب بحقوق العمل في مصر والمحتج على الأوضاع المتدهورة التي تعصف بحقوقه، ما دفعهم لتنظيم قرابة 4 احتجاجات يوميًا بمتوسط احتجاج عمالي كل 6 ساعات.
وتصدر فبراير المشهد الاحتجاجي العمالي بـ164 احتجاجًا، تلاه مارس بـ134 احتجاجًا، ثم يناير وأبريل بـ98، 97 احتجاجًا ليتضح التأثير العكسي للأحداث السياسية على انخفاض عدد الاحتجاجات العمالية خلال الأشهر التي تشهد أحداثًا سياسية، ولاحظ التقرير ارتفاع وتيرة الاحتجاجات العمالية بنسبة 25% عن العام الماضي (2015) الذي شهد 1117 احتجاجًا عماليًا بمتوسط 93 احتجاجًا شهريًا و372 احتجاجًا خلال 4 أشهر.
وشهد عام 2015، ألفًا و117 احتجاجًا عماليًّا شملت 440 مؤسسة، واستخدم فيها العمال 28 وسيلة احتجاجية، كما أكد تقرير مؤشر الديمقراطية الصادر عن العام المنقضي، كما فصل ألف و300 عامل، وأقيمت 15 ألف قضية عمالية أمام المحاكم، كما أشار التقرير إلى مقتل 54 عاملًا؛ بسبب إصابات العمل، وتم إلقاء القبض على أكثر من 70 عاملًا بسبب التظاهر.
وأكد التقرير تصدر شهري مارس وأبريل كأكثر الشهور احتجاجًا خلال 2015؛ حيث شهدا 125 و126 احتجاجًا على التوالي، في حين كان عدد الاحتجاجات في يناير 109 احتجاجات، حتى وصل عددها في ديسمبر إلى 115 احتجاجًا عماليًّا، في مشهد يعكس غياب أي تطور في أوضاع حقوق العمل خلال العام، ووجود المحفزات المستمرة الدافعة للعامل المصري للاحتجاج ضد انتهاك حقوقه باستمرار.
وكشف التقرير أنه للمرة الأولى منذ 2011 تشهد الاحتجاجات العمالية غيابًا تامًا للمطالب السياسية أو المدنية؛ حيث جاءت 99.2% من الاحتجاجات العمالية متعلقة بمناخ العمل بشكل مباشر تصدرها المطالبة بالمستحقات المالية للقوى العاملة والتي نظمت 135 احتجاجًا لهذا السبب بنسبة 27% من إجمالي المطالب؛ حيث تفاقمت مشكلة الأجور خلال السنوات الماضية وتوقف أجور العمال بالأعوام خاصة بعد تعطل صناعات بأكملها مثل صناعة الغزل والنسيج ما جعل عمال شركة مصر إيران على سبيل المثال والبالغ عددهم 2800 عامل ينتظرون رواتبهم لمدد تراوح الـ10 أشهر بشكل أثر على حياتهم بشكل جذري وأفضى بتفكك أكثر من 40 أسرة حتى الآن، في الوقت نفسه الذي لا يزال عمال مصنع سجاد دمنهور التابع للأوقاف المصرية يناضلون من أجل رفع رواتبهم التي تتراوح بين 370 جنيهًا للغير مثبت و470 جنيهًا للمثبت بشكل يثير انتهاكًا واضحًا لأبسط القواعد المنظمة للأجور العادلة، وهناك آلاف وربما ملايين العمال المتشابهة ظروفهم وأوضاعهم مع المثالين السابقين.
أزمة النقابات المستقلة
قرار مفاجئ خرج في الأول من مارس الماضي من جانب الحكومة، بوقف اعتماد أختام النقابات المستقلة بكل مستوياتها ومسمياتها على أية أوراق، وحظر التعامل معها نهائيًّا باعتبارها كيانًا غير شرعي، بالمخالفة للمادة 76 من الدستور المصري، الذي أتاح التعددية النقابية.
في هذا الإطار، قال كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية: إن أزمة النقابات المستقلة لا تنفصل عن أزمة الديمقراطية بشكل عام في مصر، وأن النظام الحالي يسير على خطى مبارك، ليس في السياسات فقط وإنما في الأشخاص، مشيرًا إلى أن مصر هي الدولة الوحيدة التي احتفلت بعيد العمال يوم 28 أبريل.
وأضاف “عباس” أن القائمين على الحكم في البلاد لا يريدون سماع سوى صوت المنافقين، لذلك قرروا التخلص من النقابات المستقلة بالمخالفة للدستور، الذي نص على حرية العمال في إنشاء نقابتهم المستقلة.
وأوضح “عباس” أن ما يحدث سيجعل مصر تدخل مرة أخرى القائمة السوداء في منظمة العمل الدولية، فيما يخص الحريات النقابية، بعد أن خرجت منها عام 2011 في عهد أحمد البرعي، وزير القوى العاملة وقتها.
سياسيون يرفضون الاحتفال بعيد العمال
وذكر الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، رئيس حزب “مصر القوية”، أن مصر لن تتقدم ببيع أرضها للأعداء، موضحًا أن العمل والإنتاج هما أسباب التقدم.
وقال -في تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر”-: “في ذكرى عيد العمال مصر لن تتقدم إلا بالعمل والإنتاج، وفي دولة تعلي قيم الحرية والعدل ضد الفساد والخداع وبيع الأوطان وأمنها لصالح أعداء الوطن”.
ورفض الخبير الهندسي ممدوح حمزة، تهنئة عمال مصر بمناسبة الاحتفال بعيدهم السنوي، منددًا بسياسة الدولة تجاه توفير فرص عمل مستديمة لهم.
وقال -في تغريدة عبر حسابه على “تويتر”-: “خلف تقدم الصين وكوريا والهند وماليزيا يقف العامل الهمام الماهر الصابر المتقن لعمله، لا تقدم لمصر إلا بتمكين العمال من العمل”.
وأضاف “لعمال مصر الكادحين.. أخرجوكم معاش مبكّر، باعوا مصانعكم، فتحوا الاستيراد والتهريب”.
واختتم: “غير قادر أن أهنئكم وأنا أعلم حالتكم، أتمنى السنة القادمة أن يكون هناك ما نهنئكم عليه”.
وعلق عبدالحميد كمال، عضو مجلس النواب عن حزب “التجمع”: “كنت أتمنى أن يأتى عيد العمال هذا العام والمصانع المتوقفة عائدة للعمل، وقوانين عادلة تحمي العمال من التشريد والفصل التعسفي”.
كان “كمال” قد تقدم بطلب إحاطة عن الشركات والمصانع المتوقفة بالسويس وحقوق العاملين بها، خاصة شركات مصر إيران وتراست والزيوت المتكاملة.
وأضاف “كمال” -في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”-“كنت أتمنى أن تضع الحكومة رؤية لتطوير 126 منطقة صناعية على مستوى الجمهورية ووجود قوانين عادلة ونافذة تصدر برعاية الدولة لحماية العامل ومنع تشريدهم أو فصلهم التعسفي”.