كشفت صفحة “الموقف المصري” عن كواليس ما قبل وبعد تنازل عبدالفتاح السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، نقلًا عن عدد من السفراء من أبناء وزارة الخارجية.
أولًا: كواليس ما قبل التنازل عن الجزيرتين:
1- كان الموقف الدائم للإدارة القانونية بوزارة الخارجية بعهود رؤساء مصر منذ عصر السادات هو التمسك بمصرية الجزيرتين، وفي الوقت نفسه الاكتفاء رسميًا بمماطلة السعودية كلما طالبت بترسيم الحدود البحرية، نظرًا لحساسية الملف بسبب أهمية الجزيرتين، وبسبب أهمية العلاقات السعودية المصرية، خاصة أنه لو تمسك كلا الطرفين برأيه سيكون الملجأ هو التحكيم الدولي، وهو ما تجنبته الدولة المصرية دائمًا للحفاظ على عدم تدهور العلاقات مع السعودية.
2- الوزير سامح شكري استطلع رأي الإدارة القانونية بالوزارة، وتم إبلاغه بالموقف القديم الثابت بعدم أحقية السعودية في الجزر، وأيضًا بأن النصيحة هي المماطلة بالإجراءات الفنية والقانونية المعقدة للحفاظ على العلاقات مع السعودية.
3- وزير الخارجية سامح شكري نقل هذا الموقف لرئاسة الجمهورية، وتحديدًا لعبدالفتاح السيسي بشخصه.. رئاسة الجمهورية لم تبدِ أي تحفظ أو ملاحظات على موقف وزارة الخارجية، ولم يتم إبلاغ الدبلوماسيين بأي شيء يغير الوضع، لكن التغير المفاجئ حدث قبل يومين فقط من وصول سلمان ملك السعودية للقاهرة!
4- مندوب من رئاسة الجمهورية زار وزير الخارجية في مكتبه بالوزارة وطلب منه الآتي: على وزارة الخارجية والإدارة القانونية السعي للحصول على وثائق تساند الموقف السعودي وتقول إن الجزيرتين سعوديتان! وزير الخارجية نقل الطلب لموظفي الخارجية، وأعلن دعمه لتوجيه رئاسة الجمهورية اللي بيقول اتصرفوا وخلوا الجزيرتين سعوديتان.
5- رد الإدارة القانونية كان غير مرحب بفكرة سعودية الجزيرتين، وقال عدد كبير من أعضاء الإدارة بشكل واضح للوزير في اجتماعات رسمية، ومنها اجتماعات عقدها الوزير في مكتب الإدارة القانونية نفسها، وهو أمر نادر الحدوث في الخارجية، أن قرار رئاسة الجمهورية خاطئ من الناحية القانونية، ومن الناحية السياسية، وكذلك من ناحية المعاهدات والوثائق الدولية حتى إن عددًا من كبار موظفي الخارجية، قالوا للوزير بشكل واضح في اجتماع رسمي إنهم “أبرياء” من هذا الاتفاق.
6- وزير الخارجية قال لأعضاء الإدارة القانونية إن الاتفاق مع السعودية هو قرار سياسي اتخذه رئيس الجمهورية، وإن احنا مش محتاجين لأسانيد قانونية ولا حجج تدعم موقفنا.
7- رغم تحذير الإدارة القانونية وموقف موظفيها، أصر الوزير على أن يقوم الفريق القانوني باستخراج الوثائق التي باستطاعة الوزارة تفسيرها لكي تقول إن الجزيرتين سعوديتان، واستخدم وزير الخارجية نفوذه والضغط المؤسسي والأمني لإجبار الإدارة القانونية على أن يكون رأيها القانوني في صالح السعودية.
وأشارت “الموقف المصري” إلى أن هذا ليس أول قرار خاطئ يقوم سامح شكري بتنفيذه، ولا المرة الأولى التي يستخدم فيها نفوذه “الأمني” ضد الموظفين بـ”الخارجية”.
ثانيًا: كواليس ما بعد التنازل عن الجزيرتين:
1- منذ نحو أسبوعين، الوزير سامح شكري دعا موظفي الخارجية للقاء في مقر الوزارة، بهدف مناقشة موضوع الجزيرتين، لكن ما حدث أن الوزير لم يتحدث في البداية إطلاقًا عن الموضوع وبدأ يتحدث بشكل عام عن أن “الدبلوماسي يجب ألا يكون له رأي سياسي”، وقال إنه شخصيًا كوزير ملتزم بذلك ويمثل رأي الدولة الرسمي فقط، ولم يستطع أحد الحاضرين الرد عليه، إلا أن الجميع يعرف أنه كان أحد المتظاهرين يوم 30 يونيو.
2- كانت كلمات الوزير فيها نبرة تهديد ووعيد لكل من يتحدث من الدبلوماسيين عن الجزيرتين وكانت الرسالة، أن التهديد قد يصل لفعل، ووصل الأمر إلى ذلك مع نهاية الجلسة.
3- لم تتم مناقشة موضوع الجزيرتين الذي دُعى الدبلوماسيون للاجتماع بشأنه، إلا بعد أن اضطر بعض الحاضرين ومنهم بدرجة مساعدي الوزير لفتح الحديث عن الجزيرتين، وتحدث بعضهم بقوة متسائلًا نفس أسئلة رجل الشارع، بشأن عدم الشفافية والتعجل الشديد في إتمام الاتفاق.
4- أحد مساعدي الوزير تساءل عن سبب عدم وصول نص الاتفاق الذي أقره رئيس الجمهورية مع ملك السعودية إلى الخارجية حتى الآن! ومن ثم لا أحد يعرف تفاصيله حتى من تتطلب طبيعة عملهم ذلك، لكن الوزير كان رده أن “الاتفاق عبارة عن إحداثيات وبالتالي لن يكون مفهومًا حتى لو تم نشره”.
5- بعض السفراء الحاضرين تحدثوا عن شهاداتهم خلال عملهم بمكتب الوزير الأسبق عصمت عبدالمجيد، وذكروا خلفيات الوثيقة التي يستند إليها الوزير والموقف الرسمي حاليًا في سعودية الجزيرتين، وأكدوا جميعًا أن الوثيقة لا قيمة لها قانونيًا، وأنها كانت بهدف التسويف والمماطلة، وهو أمر معمول به في الشؤون الدبلوماسية والتفاوض. لم يرد وزير الخارجية على تعليقاتهم.
6- عن مسألة طرح الاتفاق للاستفتاء الشعبي، قال الوزير إن المسألة غير مطروحة للاستفتاء، إلا أن بعض الحضور قالوا إن ظروف الاتفاقية تطابق المادة 151 في الدستور المصري والتي توجب على رئيس الجمهورية طرح المسألة للاستفتاء، فكان رد الوزير سامح شكري أن المسألة ملتبسة.
7- أدي النقاش المستمر وطرح الأدلة من قبل الدبلوماسيين لتأكيد أحقية مصر بالجزيرتين إلى أن أبدى الوزير غضبه، وطلب إنهاء النقاش حول الموضوع قائلًا: “الجزر محل نزاع”. وهو ما ينفي ثقته كوزير للخارجية بأن الجزيرتين سعوديتان!
8- أعلن الوزير، في نهاية هذا الاجتماع، وكتطبيق عملي لتهديده للدبلوماسيين بعدم الحديث عن الجزيرتين مرة ثانية، أنه تم اتخاذ قرار بمعاقبة أحد الدبلوماسيين في إحدي سفاراتنا، وإعادته إلى مصر لينضم للعمل في ديوان عام الوزارة، وهي عقوبة متعارف عليها للدبلوماسيين المغضوب عليهم في الخارجية؛ وسبب العقوبة القاسية هو أن هذا الدبلوماسي كتب على موقع “فيس بوك” رأيه الرافض لتنازل مصر عن الجزيرتين!
مدى استقلالية ومهنية وزارة الخارجية
وقالت الصفحة إن “وزارة الخارجية كانت من ضمن مؤسسات قليلة في البلد يحظى العمل فيها بقدر من الاستقلالية نسبيًا، وترك الأمور الفنية للمتخصصين بها، مع هامش حركة به قدر من المرونة” واستدركت أن الوضع بدأ تدريجيًا بالتغير خلال السنوات الأخيرة، وكان التدخل من رئاسة الجمهورية للتأثير على اختصاصات وزارة الخارجية، وعمل إداراتها المختلفة، ليس للمرة الأولى.
وأضافت أن الرئيس المخلوع حسني مبارك جعل قرارات المخابرات العامة أولوية فوق رأي الخارجية فيما يخص القضية الفلسطينية، والسودان، كما تم تسليم ملف ليبيا كاملًا لصفوت الشريف بأمر من مبارك.
وأشارت إلى أنه في عهد الدكتور محمد مرسي، كانت هناك محاولات لتجاوز الخارجية وتهميشها، لصالح عصام الحداد الذي تم تعيينه مساعدًا لرئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية والتعاون الدولي.
وأكدت أن “التدخل الحالي بعهد الرئيس السيسي أصبح بمستوى يفوق تجاوزات سابقيه بكثير، ما يعرض حقوق مصر وأراضيها للخطر، كما أنه يطرد كفاءات تدربت وعملت في هذه المؤسسة لعقود طويلة دون استفادة منها في مقابل الاعتماد على من أهم أقل خبرة في هذا المجال، أدت السياسات الأمنية المفروضة في وزارة الخارجية مؤخرًا لاستقالة دبلوماسيين أصحاب تاريخ مهني مهم وانتقالهم للعمل في مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة واليونسكو واليونسيف ومحكمة العدل الدولية.
وأشارت إلى أنه “تمت إقالة الوزير السابق نبيل فهمي، لرفضه إنهاء عمل عدد من السفراء في الخارج وإعادتهم للديوان، أو عدم تسكين البعض الآخر نهائيًا في إدارات الوزارة عقب عودتهم من الخارج لتعارض مواقفهم مع النظام الحالي بالنسبة لاعتراضهم على سياسات النظام الإقليمية وحالة الحريات والحالة السياسية في البلد، وهي المطالب التي نفذها كاملة الوزير سامح شكري عقب توليه منصبه، كما سمح بالتدخل من جانب أجهزة أمنية أخرى وعلى رأسها المخابرات الحربية، في إعادة عدد كبير من الدبلوماسيين في درجات وظيفية مختلفة من الخارج، دون تسليمهم عمل بالديوان العام للوزارة، أو فصل بعضهم كنوع من التنكيل بهم لنشاطهم المستقل بالخارج أو مشاركتهم في ثورة يناير، وهو ما يبدو أنها حملة مستمرة حتى الآن وفقًا لما ذكره الوزير في لقائه مع عدد من مساعديه منذ ثلاثة أسابيع”.
رأي وزارة الخارجية بأحداث مصر السياسية
وقالت “الموقف المصري” إن “دبلوماسيي الخارجية فقدوا القدرة على التعبير عن مواقفهم السياسية وانحيازاتهم، وأحيانًا دفع الثمن لأجلها لو كانت ضد رغبة الدولة”.
وأضافت “في نهاية السبعينيات محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري استقال من منصبه ليلة التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد اللي كان رافضها ملايين المصريين، استقالة كامل كان سببها خلافه مع الرئيس المصري السابق أنور السادات الذي وقع المعاهدة مع إسرائيل عام 1979 دون رجوع للخارجية في تفاصيل كتير. وكمان وزير الخارجية آخر هو إسماعيل فهمي استقال برضه من منصبه بعهد السادات، اعتراضًا على زيارة السادات للقدس، اللي قوبلت برفض شعبي كبير”.
وتابعت أنه “أيام ثورة 25 يناير عدد كبير من الدبلوماسيين وقعوا بيانًا يعلنون فيه تضامنهم مع مطالب الشعب المصري الذي يتظاهر في الميادين للمطالبة برحيل مبارك”.
وأشارت إلى أنه “في نوفمبر 2011 صدر بيان من 145 دبلوماسيًا يطالب بوقف الاعتداءات الممنهجة على المتظاهرين، ويطالب المجلس العسكري بـ”التعهد بعقد الانتخابات الرئاسية وتسليم السلطة للمدنيين بحد أقصى منتصف 2012″.
وأكملت الصفحة أنه “في ديسمبر 2012 كرد فعل على أحداث الاتحادية، وقع 100 دبلوماسي مصري بيانًا يعلن رفض الإشراف على الاستفتاء على دستور 2012 الذي “تسبب بإراقة دماء المصريين“”.
واستطردت أنه “في 2 يوليو 2013 وقع 129 دبلوماسيًا بيانًا يدعم مطلب المتظاهرين ضد مرسي بـ”اللجوء المبكر إلى الآليات الديمقراطية لتحكيم الإرادة العامة للشعب مصدر السلطات في شأن رئاسة الدولة حقنا لدماء المصريين بلا تفرقة”.
وتساءلت كيف لم يصدر بيان من أحد العاملين بوزارة الخارجية في قضية بضخامة أزمة الجزيرتين، مستطردة: “التفسير هو اللي اتكلمنا وهنتكلم عنه: كل أدوات التهديد والتحكم الأمني والإداري اللي نفذها سامح شكري، بإشراف الأجهزة السيادية، واللي لسه مستمر باستخدامها لحد النهارده”.