شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

شِبْه رئيس لـ”شبه دولة”

شِبْه رئيس لـ”شبه دولة”
"إحنا مش في دولة حقيقية.. دي أشباه دولة"، هكذا تحدث الجنرال عبدالفتاح السيسي في أحد خطاباته، قبل أسبوع، على جمعٍ من المسؤولين، من بينهم قادة عسكريون ووزراء مدنيون. بكلماته هذه، نسف السيسي أطروحته الرئيسية التي برّر بها استيل

“إحنا مش في دولة حقيقية.. دي أشباه دولة”، هكذا تحدث الجنرال عبدالفتاح السيسي، في أحد خطاباته، قبل أسبوع، على جمعٍ من المسؤولين، من بينهم قادة عسكريون ووزراء مدنيون. بكلماته هذه، نسف السيسي أطروحته الرئيسية التي برّر بها استيلاءه على السلطة، قبل عامين ونصف العام، وهي أنه جاء ليحمي “الدولة من الانهيار”، وأن “يجنّبها مصير أشباه الدول الأخرى في المنطقة كالعراق وسوريا”. وهو ما يعد تحولًا جذريًا في خطاب السيسي، ومنطقه الذي انتقل من أسطورة “قد الدنيا” إلى أطروحة “شبه الدولة”، وذلك في محاولةٍ خبيثةٍ لتبرير الفشل الذريع الذي يواجهه على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية كافة.

على الموجة نفسها، وإنْ بلغةٍ مختلفة، خرج وزير الخارجية، سامح شكري، بملء فيه، ليقول من دون خجل “إن مصر ليست دولة رائدة، ولا تسعى لأن تكون كذلك”. منذ عصر المماليك، ربما، لم تمر مصر بمرحلة بها هذا القدر من الانحطاط والدونيّة، ليس فقط على مستوى الممارسة، وإنما أيضًا على مستوى الخطاب. حتى في أكثر العصور ضعفًا وانحلالًا، لم نجد من يبرّر الفشل على هذا النحو المخجل الذي يناقض كل مفاهيم الوطنية والاعتزاز والكرامة. وإذا كانت مصر، بالفعل، تعاني مشكلاتٍ وأزماتٍ كثيرة، فإن خروج المسؤول الأول فيها، ووزير خارجيته، للحديث بهذه اللغة الانهزامية، يعكس حجم المأساة التي تعيشها البلاد.

لا يسأل عبدالفتاح السيسي نفسه عمن أوصل البلاد إلى حالة “شبه الدولة” التي يتحدّث عنها، ولا يريد أن يعترف أنه هو، وأمثاله من الجنرالات الذين حكموا البلاد أكثر من ستين عامًا، هم أساس الكوارث الحالية، وهم من وضعوا “بذرة” الفشل التي ترعرعت ونمت، واستشرت في جسد البلد طوال العقود الماضية. لا يريد السيسي أن يعترف بأن “سرطان العسكر” الذي يفتك بالبلاد منذ ستة عقود، هو الذي أوصلها إلى هذه الحالة البائسة من الضعف والفشل والهوان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولا يريد أن يتواضع قليلًا، ويشرح لمن يستمعون له أين وكيف أُهدرت مليارات الدولارات والجنيهات في العامين ونصف العام الماضية فقط، وهي التي كانت كفيلة بإعادة بناء الدولة بشكل جذري، لو تم استثمارها بشكل صحيح لصالح الوطن.

يهرب السيسي، ومن معه، من رؤية الحقيقة الناصعة، وهي أن الحكم الفردي السلطوي، وليست الحريات والديمقراطية والمشاركة، هي التي أوصلتنا إلى “شبه الدولة” التي يتحدّث عنها. وحقيقة الأمر، ليس من مصلحة السيسي، ولا من معه، أن تتغير الأوضاع في مصر نحو الأفضل، كون ذلك قد يفتح عليهم أبواب كثيرة مغلقة، هم في غنىً عنها. بل أكثر من ذلك، من مصلحتهم اجترار خطاب الهزيمة والفشل، من أجل تبرير بقائهم في السلطة أطول فترة ممكنة. لذا، في الوقت الذي يتباكون فيه ظاهرياً على “شبه الدولة”، يسهمون بشكل مقصود في بقاء الأوضاع على ما هي عليه، لتبرير بقائهم.

وإذا كان السيسي يرى أن بلاده “شبه دولة”، فهو قطعًا “شبه رئيس”، لا يحق له أن يدير “شبه الدولة” هذه أو يقودها، فهو يعترف، بشكل صريح، بأنه فشل في تحويل “شبه الدولة” إلى “دولة حقيقية”. فهذا الرجل قُيّض له من السلطة والصلاحيات والأموال والدعم الإقليمي والدولي ما لم يُقيّض لرئيس مصري سبقه، بمن فيهم جمال عبدالناصر. وعلى الرغم من ذلك، فشل فشلًا ذريعًا في تحقيق أي نقلة حقيقية للبلاد من أوضاعها المتردية إلى أوضاع أفضل. وهو بذلك يعد من أفشل من حكموا البلاد طوال العصر الحديث، بمن فيهم الرئيس المخلوع حسني مبارك.

لا جديد في نكوص السيسي وانقلابه على تصريحاته ووعوده التي تتكشف حقيقتها كل يوم، فهو أكثر من حكموا مصر كذبًا وغدرًا، وهو يفعل ذلك من دون خجل أو حياء، لكن المشكلة فيمن يصدّقونه، ويبرّرون ما يقوله. وهؤلاء يدفعون السيسي ليس فقط إلى اجترار مزيدٍ من هذا الخطاب الانهزامي، لتبرير فشله، وإنما أيضاً يكسرون أية محاولة لتغيير الواقع الراهن للخروج من هذه الحالة المزرية. يفترض السيسي فيمن يتحدّث إليهم أنهم مجرد مجموعةٍ من القطيع الذين لا يمكن لأحدهم أن يردّه عما يفعل، أو أن يراجعه فيما يقول. وللحق، فإن أحداً من هؤلاء لا يجرؤ على رد الرجل، أو رفض كلامه، بعد أن تحوّلوا إلى مجرد قوالب صمّاء، تخشي العقاب أو الطرد من “جنة” الجنرال.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023